رئيس التحرير
خالد مهران

كل ما تريد معرفته عن صيام يوم الشك في شعبان

دار الإفتاء
دار الإفتاء

أفصحت دار الإفتاء عن إجابات بشأن تساؤلات ما هو يوم الشك؟ وما الحكمة من تحريم صيام يوم الشك؟، سؤال يبحث عنه الكثيرون خاصة فى النصف الثانى من شهر شعبان، حيث اختلف العلماء فى تحديد يوم الشك.

أما حكم صيام يوم الشك فله حالتان:

الأولى: أن يُصام عن رمضان بنية الاحتياط له؛ فهذا هو المراد بالنهى عند جمهور العلماء، ثم أن من العلماء من جعل صومه حرامًا لا يصح كأكثر الشافعية، ومنهم من رآه مكروهًا كالحنفية والمالكية والحنابلة. فإن ظهر أنه من رمضان أجزأه عند الليث بن سعد والحنفية، ولم يجزئه عند المالكية والشافعية والحنابلة.

والثانية: أن يُصام عن غير رمضان؛ فالجمهور على جواز صومه إذا وافق عادةً فى صوم التطوع؛ لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلا أن يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ» رواه الجماعة، ويلحق بذلك عندهم صوم القضاء والنذر، أمَّا التطوع المطلق من غير عادة فهو حرام على الصحيح عند الشافعية إلا أن وصله بما قبله من النصف الثانى فيجوز حينئذٍ، ولا بأس به عند الحنفية والمالكية.

أمَّا عن الحكمة فى النهى عن صومه فاختلف فيها: فقيل يتقوى بالفطر لصيام رمضان، وقيل خشية اختلاط النفل بالفرض، وقيل لأن الحكم علق بالرؤية.

الأحاديث الواردة فى صيام يوم الشك.. هذه المسألة فيها ثلاثة أحاديث شريفة:

الأول: عن صِلَةَ بْنِ زُفَرَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضى الله عنه، فَأُتِى بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ فَقَالَ: كُلُوا، فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ: إِنِّى صَائِمٌ، فَقَالَ عَمَّارٌ: "مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِى يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وآله وسلم" رواه أبو داود والترمذى وصححه والنسائى وابن ماجه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والدارقطنى والحاكم، قَال الترمذي: [حَدِيثُ عَمَّارٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِى صلى الله عليه وآله وسلم وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِى وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِى وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ؛ كَرِهُوا أن يَصُومَ الرَّجُلُ الْيَوْمَ الَّذِى يُشَكُّ فِيهِ، وَرَأَى أَكْثَرُهُمْ أن صَامَهُ فَكَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أن يَقْضِى يَوْمًا مَكَانَهُ] اهـ.

والثاني: حديث أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلا أن يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ» رواه الجماعة، قال الترمذي: [حَدِيثُ أَبِى هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ كَرِهُوا أن يَتَعَجَّلَ الرَّجُلُ بِصِيَامٍ قَبْلَ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ لِمَعْنَى رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يَصُومُ صَوْمًا فَوَافَقَ صِيَامُهُ ذَلِكَ فَلا بَأْسَ بِهِ عِنْدَهُمْ] اهـ.

والثالث: حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» متفق عليه.

 

اختلاف الفقهاء فى تحديد يوم الشك

 

بناء على ذلك فقد اختلف العلماء فى تحديد يوم الشك: فعند جمهور العلماء من الحنفية والشافعية: يوم الشك هو اليوم الثلاثون من شهر شعبان إذا تَحَدَّث الناس بالرؤية ولم تثبت، أو شهد بها من رُدَّت شهادتُه لفسقٍ ونحوه، فإن لم يتحدَّث بالرؤية أحدٌ فليس يومَ شكٍّ حتى لو كانت السماء مُغيمة؛ وذلك عملًا بظاهر قول عمار بن ياسر رضى الله عنه: "الَّذِى يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ" من غير التفات إلى وجود غيمٍ أو انتفائه.

أما المالكية فإنهم يجعلون مناط الشك هو الغيم، فلو كانت السماء مُصْحِيَة فليس يومَ شكٍّ؛ لأنه أن لم يُرَ الهلالُ كان من شعبان جزمًا، ويجعلون قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» تفسيرًا ليوم الشك، واعترض ذلك ابن عبد السلام من المالكية بأن قوله عليه الصلاة والسلام: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» -أي: أكملوا عدة ما قبله ثلاثين يومًا- يدل على أن صبيحة الغيم من شعبان جزمًا.

ويقابلهم الحنابلة الذين يوافقون الجمهور، لكنهم يرون فى ظاهر المذهب عندهم أن وجود الغيم ينفى كونَه يومَ شكٍّ؛ لأنه حينئذٍ يُعَدُّ من رمضان، ويجعلون قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ». مَسُوقًا لبيان التفرقة بين حكم الصحو والغيم؛ فإذا كانت رؤية الهلال شرطًا للصوم فى الصحو فالمغايرة تقتضى عدم كون الرؤية شرطًا فى الغيم، ومعنى «فَاقْدُرُوا لَهُ» عندهم؛ أي: فضيِّقوا له وقدِّروه تحت السحاب؛ عملًا بمذهب راوى الحديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما فى ذلك.

 

الحكمة من النهى عن صيام يوم الشك

 

أمَّا عن الحكمة فى النهى عن صومه: ففيها خلافٌ يذكره الحافظ ابن حجر فى "فتح الباري" بقوله: وَالْحِكْمَةُ فِيهِ: [التَّقَوِّى بِالْفِطْرِ لِرَمَضَانَ لِيَدْخُلَ فِيهِ بِقُوَّة وَنَشَاط، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لأَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَهُ بِصِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَة جَاز... وَقِيلَ: الْحِكْمَة فِيهِ خَشْيَة اخْتِلاط النَّفْل بِالْفَرْضِ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا؛ لأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ عَادَةٌ كَمَا فِى الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: لأَنَّ الْحُكْمَ عُلِّقَ بِالرُّؤْيَةِ؛ فَمَنْ تَقَدَّمَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَقَدْ حَاوَلَ الطَّعْنَ فِى ذَلِكَ الْحُكْمِ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ] اهـ.