رئيس التحرير
خالد مهران

سر بقاء أغانى رمضان القديمة على مر الأجيال

النبأ

رغم مرور العقود وتغير أنماط الموسيقى وظهور أغنيات جديدة كل عام، إلا أن أغاني رمضان القديمة لا تزال تُسمع بقوة في الشوارع والمنازل والمحلات وتصدر البهجة في كل مكان تسمع فيه، وتحتفظ بمكانتها في وجدان المصريين والعرب، فما السر وراء هذا البقاء؟

أغاني لا تموت

تُعد أغنية «رمضان جانا» واحدة من أكثر الأغاني الرمضانية شهرةً، إذ تجاوز عمرها اليوم 82 عامًا، والتي غناها المطرب محمد عبد المطلب.

كشفت الصحفية زينب عبدالله، أن الصدفة هي التي قادت محمد عبد المطلب لغناء «رمضان جانا»، قائلة إنها حصلت على المعلومات حول كواليس هذه الأغنية أثناء حوار أجرته مع الإذاعي الكبير وجدي الحكيم قبل وفاته، وكذلك عبر حوار آخر أجرته مع نور ابن الفنان محمد عبد المطلب.

وأضافت أن أغنية «رمضان جانا» التي كتبها المؤلف حسين طنطاوى، ولحنها الموسيقار محمود الشريف لم يكن محمد عبد المطلب هو الذي سيغنيها في البداية، لكن الصدفة قادته لغناء هذه الأغنية التي عاشت ونجحت أكثر من أي أغنية أخرى.

وأكدت أن «عبد المطلب» غنى الأغنية لأول مرة في 2 رمضان 1362هـ (2 سبتمبر 1943) خلال فترة ركود فني بسبب الحرب العالمية الثانية، حيث أغلقت الكازينوهات وتأثرت السينما، مؤكدة أن الفنان أحمد عبد القادر صاحب أغنية «وحوي ياحوي» هو الذي أعطى الأغنية لعبد المطلب، وتقاضي «عبدالمطلب» عليها مبلغا يقدر بـ6 جنيهات آنذاك.

وقال الإذاعي الراحل وجدي الحكيم -في حوار سابق له-: «كان عبدالمطلب يفخر بـ«رمضان جانا»، ويقول عنها إنها أهم من بيان المفتى، وكان عبدالمطلب حين يتحدث عنها يضحك قائلا: «لو أخذت جنيها واحدا فى كل مرة تذاع فيها هذه الأغنية لأصبحت مليونيرا».

«وحوي يا وحوي»

أغنية «وحوي يا وحوي» هي -أيضا- من أشهر الأغانى التى تذاع وترتبط بقرب مجيء رمضان، وهي للمطرب والملحن أحمد عبد القادر، الذى واكب افتتاح الإذاعة المصرية وغنى العديد من الأغانى بصوته، إلا أن أيا منها لم ينل شهرة «وحوي يا وحوي» التي تعتبر مأخوذة من الفلكلور الشعبي.

غناها أحمد عبدالقادر لأول مرة عام 1927 وكان عمره 11 عاما وظل يغنيها حتى تجاوز الثلاثين وقدمت الأغنية في الإذاعة المصرية سنة 1937 بكلمات الشاعر «محمد حلمى المانسترلى»، وألحان وغناء «أحمد عبدالقادر».

وأعاد "فتحى قورة" و"أحمد صبرى" صياغة كلماتها وألحانها لتغنيها الطفلة "هيام يونس" بفيلم "قلبى على ولدى" سنة 1953.

«أهو جه يا ولاد»

تُعد أغنية أهو جه يا ولاد بصوت الثلاثي المرح من أبرز الأغاني المبهجة في شهر رمضان، حيث تمتزج فيها أصوات الأطفال، مما يمنحها طابعًا طفوليًا مميزًا يضفي مزيدًا من الفرحة على استقبال الشهر الكريم.

ورغم شهرتها الكبيرة، فإن قلة فقط يعرفون أسماء مؤديها أو قصة نشأتها، ففي منتصف القرن العشرين، اختارت الإذاعة المصرية فرقة الثلاثي المرح، حيث كانت فرقة مكونة من ثلاث فتيات، بعدما نجحن في برنامج للمواهب الفنية وهن سناء الباروني وصفاء لطفي ووفاء مصطفى.

وكشف الإعلامي الراحل وجدي الحكيم -في أحد لقاءاته- عن كواليس الأغنية قائلًا: «تمت إذاعتها لأول مرة عام 1959، بعد أن مرت بمراحل عديدة، أولها عرض كلمات الأغنية التي كتبتها الشاعرة نبيلة قنديل على لجنة النصوص بالإذاعة، وبعد إجازة النص، قام الموسيقي محمد حسن الشجاعي، المشرف على الإنتاج الإذاعي، باختيار المطرب والملحن، أوكل الشجاعي تلحين الأغنية للملحن علي إسماعيل، ورأى أنه يجب أن يغنيها مجموعة وليس مطربًا واحدًا، وبالفعل وقع الاختيار على الثلاثي المرح لغنائها، واستغرق تسجيلها ساعتين فقط».

وأضاف: «لم تكن ميزانية الأغنية كبيرة رغم شهرتها، حيث بلغت تكلفتها 160 جنيهًا فقط، حصل منها الملحن علي إسماعيل على 20 جنيهًا، بينما نالت عضوات الثلاثي المرح 140 جنيهًا موزعة بينهن، ثم أصبحت من أشهر الفرق الغنائية، حيث قدمن العديد من الأغاني المبهجة التي انتشرت في حفلات الأفراح والمناسبات».

وحرص الثلاثي المرح بعد نجاح «أهو جه يا ولاد» على تقديم أغنيات أخرى لشهر رمضان، ليكون بمثابة ميلاد لأغنيات أخرى منها «افرحو يا ولاد، وسبحة رمضان، وافرحو يابنات».

وأصبحت الفرقة نجمًا ثابتًا في حفلات الإذاعة، وقدمن عروضًا في دول عربية، كما غنين أمام الرئيس جمال عبد الناصر.

واستمر نشاطهن 7 سنوات، حتى تزوجت سناء من الملحن أحمد فؤاد حسن واعتزلت، وحاولت رفيقتاها استبدالها بمطربة أخرى، لكن بعد زواج سناء وصفاء توقفت الفرقة وفشلت محاولات استمرارها.

سر غياب المنافسة

وفي هذا الصدد، يرى الدكتور أشرف عبد الرحمن، رئيس قسم النقد الموسيقي بأكاديمية الفنون، في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن السبب وراء استمرار وجود أغاني رمضان القديمة حتى وقتنا الحالي دون أي منافسة مع الأعمال الجديدة هو أنها جزء من تاريخنا الفني المرتبط بالمناسبات، وليس فقط أغاني رمضان، بل أيضًا الأغاني الوطنية.

وأضاف: «أصبحت هذه الأغاني جزءًا من تراثنا الفني ولها طابع خاص، تمامًا كما أن الأهرامات لها سحرها الخاص رغم بناء مبانٍ حديثة بأعلى تكنولوجيا، لكنها تظل رمزًا خالدًا له أثره، كذلك، الأغاني القديمة أصبحت جزءًا من تاريخنا وتراثنا الفني ولا تزال تؤثر فينا».

وأوضح «عبد الرحمن»، أن هناك أزمة في إنتاج أغاني المناسبات منذ سنوات طويلة، بدأت عندما توقفت الإذاعة المصرية عن إنتاج تلك الأغاني، رغم أنها كانت تنتجها منذ عام 1934.

وتابع: «كل الأغاني الرمضانية والوطنية التي نسمعها الآن كانت من إنتاج الإذاعة المصرية، التي لم تكن تهدف إلى الربح، بل إلى الاستمرارية في تقديم هذا النوع من الفن، لكن مع دخول الشركات الخاصة، لم يتشجع المنتجون لإنتاج الأغاني الوطنية أو الدينية أو الرمضانية؛ لأنها تُعرض فقط خلال أيام قليلة في السنة، وبالتالي لا تحقق أرباحًا، على عكس الإذاعة المصرية التي كانت تهدف إلى تخليد هذه الأغاني بغض النظر عن العائد المالي».

وأشار إلى أن القيمة الفنية التي كانت تُقدَّم في هذه الأغاني عالية جدًا، سواء من حيث الموسيقى أو الكلمات أو الأداء، ولهذا السبب، حتى الأطفال الذين لا يستمعون إلى أم كلثوم أو عبد الوهاب أو عبد الحليم، لكنهم يسمعون عمرو دياب أو أغاني المهرجانات، ما زالوا يتأثرون بأغاني رمضان مثل: «رمضان جانا» و«وحوي يا وحوي»؛ لأنها أصبحت جزءًا من وجدانهم الثقافي والوجداني، كما أنها ترتبط لديهم بذكريات رمضان، تمامًا كما نستعيد أجواء الشهر الكريم بمجرد سماع صوت الشيخ محمد رفعت في الأذان.

وأوضح أن تأثير الأغاني القديمة على المستمعين يرجع -أيضًا- إلى الجانب العلمي، حيث إن الدماغ يفرز مواد كيميائية معينة عند سماع الموسيقى، مما يؤدي إلى الشعور بالراحة النفسية والمتعة، معقبا: «وهذا يعني أن الاستماع إلى أغنية معينة بعد سنوات طويلة يمكن أن يعيد الإنسان إلى نفس المشاعر والذكريات المرتبطة بها وهذا هو سحر الموسيقى وتأثيرها العميق على النفس البشرية».

وأكد أن الأغاني الرمضانية أصبحت جزءًا من وجدان الأجيال، حتى أنها انتقلت عبر الجينات إلى الأجيال الجديدة، حيث يسمعها الأطفال اليوم كما سمعها آباؤهم وأجدادهم، مما يجعلها تراثًا خالدًا لا يُشعر بالقدم، بل يناسب جميع العصور.

جزء من الذاكرة

على الجانب الآخر، يرى الناقد الموسيقي مصطفى حمدي، أن استمرار الأغاني الرمضانية القديمة حتى اليوم يعود إلى كونها أولى الأغاني التي قُدمت عن رمضان، حيث ظهرت في فترة زمنية كان فيها الناس مرتبطين بالإذاعة، ولم يكن هناك إنتاج موسيقي ضخم كما هو الحال الآن.

وأضاف -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن هذه الأغاني، بمرور الزمن، أصبحت جزءًا من ذاكرة الناس، حيث تُبث في وسائل الإعلام المختلفة، سواء في الراديو أو التلفزيون، مع حلول الشهر الكريم، مما جعلها مرتبطة وجدانيًا بالجمهور.

وأوضح «حمدي»، أن الأغاني الحديثة التي قُدمت عن رمضان لم تحقق نفس الارتباط والجودة التي كانت تتمتع بها الأغاني القديمة، مشيرًا إلى أن السبب الرئيسي في بقاء هذه الأغاني هو طابعها النوستالجي وحنين الناس إلى الماضي.

وأكد أن هناك شعراء قادرين على كتابة أغانٍ جيدة، لكن التأثير العاطفي للأغاني القديمة هو ما جعلها تعيش حتى الآن.

وأشار إلى أن المطربين الذين قدموا الأغاني الرمضانية القديمة أصبحوا جزءًا من ذاكرة الجمهور، بينما في الوقت الحالي، لا يحقق المطربون نفس التفاعل، خاصة مع مطرب يقدم أغاني رمضان ثم يعود لتقديم أغاني أخرى عادية، مما يجعل الارتباط بهذه الأغاني أقل تأثيرًا.

وعن المحاولات الحديثة، ذكر أن أغنية «رمضان كريم» التي غناها حكيم لمسلسل يحمل الاسم نفسه، تُعد من أنجح الأغاني الرمضانية الحديثة، لأنها ارتبطت بالمسلسل الذي لاقى نجاحًا كبيرًا، مما جعل الأغنية تستمر وتُسمع حتى اليوم، حيث تتميز بطاقة إيجابية وخفة ظل، وهو ما ساعدها على الانتشار، وإن كانت لم تستطع التفوق على الأغاني القديمة.