رئيس التحرير
خالد مهران

عاطف النجمي يكتب: قراءة في الأجندات الخفية والصراعات التاريخية

عاطف النجمي
عاطف النجمي

لا يزال الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي محورًا لجيوستراتيجية عالمية معقدة، حيث تتداخل مصالح القوى الكبرى مع مخاوف تاريخية من هيمنة طرف واحد على المنطقة.

في قلب هذا المشهد، تبرز محاولات إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة، خاصة في عهد ترامب، لنزع سلاح حركة حماس، لكنها تصطدم بمعارضة دولية واسعة من أوروبا وروسيا والصين وإيران وحتى اليابان. فما خلفيات هذا التناقض؟ وكيف ترتبط بصراعات التاريخ القديم والحديث؟

1. ترامب وإسرائيل: نزع السلاح دون تصفية؟تبني إسرائيل، بدعم أمريكي، استراتيجية تهدف إلى إضعاف حماس عسكريًا عبر حروب متكررة، لكن دون السعي لاجتثاثها كليًا. يُفسر ذلك برغبة في إدارة الصراع بدلًا إنهائه، إذ أن وجود حماس "كعدو مُدار" يُبرر الحاجة الأمنية الإسرائيلية، ويُبقي إسرائيل في موقع الضحية التي تحتاج إلى الدعم الغربي. أما ترامب، فسياسته اتسمت بالتركيز على "صفقة القرن" التي هدفت إلى تطبيع عربي مع إسرائيل، مع إبقاء القضية الفلسطينية معلقة دون حل جذري، مما يُحقق مصلحة إسرائيلية آنية دون زعزعة استقرار المنطقة بشكل كامل.

2. المعارضون: مصالح متشابكة وتاريخ من التنافس 

أوروبا: تخشى من تصاعد الهجرة وانتشار الإرهاب في حال تفكك السلطة الفلسطينية، كما أن تاريخها الاستعماري في المنطقة يجعلها حذرة من انهيار الوضع لصالح طرف واحد قد يُعيد إنتاج صراعات دينية أو إثنية تطال أمنها القومي.

روسيا والصين: تُعارضان الهيمنة الأمريكية وتدعمان الجهود الدولية لتعددية قطبية، كما أن دعمهما للقضية الفلسطينية جزء من منافستهما الجيوسياسية مع الغرب.

إيران: تُدعم حماس كورقة ضغط ضد إسرائيل، لكنها في الوقت نفسه لا تُريد حربًا شاملة قد تُضعف حلفاءها.

اليابان: تنظر إلى الصراع من زاوية اقتصادية، فاستقرار المنطقة مرتبط بأمن إمدادات الطاقة التي تعتمد عليها اقتصاديات آسيا.

3. الغرب والصراع المُدار: لماذا لا يريدون نصرًا حاسمًا؟

تُدرك القوى الغربية أن انتصار إسرائيل الكامل على حماس قد يُفجر الاحتقان الفلسطيني، ويُغذي التطرف، ويُهدد الأنظمة العربية الموالية لها. وفي المقابل، انتصار حماس قد يُعزز محور المقاومة (إيران وحلفاؤها)، مما يُعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة. لذلك، تُفضل هذه القوى "صراعًا مُحتوى" يُحقق توازنًا هشًا، ويُبقي المنطقة تحت وصاية النظام الدولي القائم

4. التاريخ يعيد نفسه: من الفراعنة إلى صلاح الدين

لم تكن السيطرة على الشرق الأوسط يومًا مجرد صراع حدودي، بل كانت بوابة للهيمنة على طرق التجارة والثقافة: الفراعنة: تحكموا في ملاحة البحر المتوسط وطرق القوافل الأفريقية.  

الفتح الإسلامي: جعل من المنطقة مركزًا لإمبراطورية امتدت من الأندلس إلى آسيا.

صلاح الدين ومحمد علي: أعادا تشكيل التوازنات ضد القوى الصليبية والعثمانية.  

اليوم، تُكرر القوى العظمى هذا النهج؛ فمن يسيطر على الشرق الأوسط يتحكم في منابع الطاقة، وطرق الملاحة العالمية، وفي النهاية، يُؤثر في الأمن الأوروبي الذي ظل لقرون مسرحًا لانعكاسات صراعات الشرق.

وبكل صراحة الصراع الذي لن ينتهي.. يكشف الاستقطاب الدولي حول الصراع الفلسطيني أن المنطقة لا تُحارب فقط من أجل الاستقلال، بل هي ساحة لصراع أكبر على النظام العالمي. قد يكون مصيرها أن تبقى ساحة لـ "حرب باردة" جديدة، حيث تُدار نيران الصراع من الخارج، لتظل جمرة تحت الرماد، لا تنطفئ ولا تشتعل، في انتظار لحظة تاريخية تُعيد رسم الخرائط من جديد.

عاطف لبيب النجمي المحامي بالنقض
الأمين العام لاتحاد محامي النقض والتمييز