بعد بيانات الربع الأول القوية.. هل يحقق الاقتصاد الصيني هدف النمو المنشود 5 بالمائة؟

أظهرت بيانات الناتج المحلي الإجمالي للصين في الربع الأول من 2025 بداية قوية للعام حيث سجل نمو الاقتصاد الصيني 5.4% على أساس سنوي، متجاوزًا التوقعات التي كانت بنسبة 5.2%، ما يمثل بداية قوية مطلوبة للغاية لعام 2025، وسط التصعيد الحاد للحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد الصين.
وتشير البيانات في الربع الأول إلى بداية مشجعة وتوفر بعض الهامش لتحقيق هدف النمو المنشود 5 بالمائة، لكن يرتبط ذلم بقدرة الصين على مواجهة بعض التحديات الداخلية والخارجية.
وأظهرت البيانات الرسمية اليوم الأربعاء توسع القيمة المضافة للناتج الصناعي في الصين بمقدار 6.5 في المائة على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2025، ارتفاعا من المستوى المسجل خلال الشهرين الأولين، والبالغ 5.9 في المائة. وفي مارس وحده، نما الناتج الصناعي بنسبة 7.7 في المائة على أساس سنوي، وفقا للهيئة الوطنية للإحصاء.
ويعزى هذا النمو إلى زيادة الطلب المحلي والدولي على المنتجات الصينية، بالإضافة إلى الالتزام الحكومي بزيادة الاستثمارات في التكنولوجيا والابتكار وكذا برامج التحفيز التي أطلقتها الحكومة لدعم الشركات التي نمت أيضًا من خلال تسهيل الوصول إلى رأس المال والتخفيف من الضغوط التنظيمية.
ومع توقع أن يتأثر التصنيع بالتعريفات، يمكن أن تعتمد قدرة الصين على الحفاظ على نمو قوي في المستقبل على تعزيز الطلب المحلي والبحث عن وجهات تصدير بديلة في تخفيف بعض الآثار. ولكن من المحتمل أن يتعرض قطاع التصنيع لضغوط، ومع ذلك، من الجوانب المضيئة أن الولايات المتحدة ليست وجهة نهائية رئيسية للعديد من المنتجات التي تحقق أسرع نمو.
وتركز سياسة الصين هذا العام على دعم الطلب المحلي. ومن الجوانب المهمة بناء قطاع الخدمات، بما في ذلك رعاية الأطفال ورعاية المسنين والخدمات الحياتية مثل خدمات الطعام والرعاية الصحية والسياحة. ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الجهود ستؤتي ثمارها في الأرباع القادمة.
وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهتها سوق العقارات في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد ازمة الديون التي ضربت الشركات الكبرى، تشير البيانات إلى انتعاش تدريجي في هذا القطاع. وشهدت أسعار العقارات في بعض المدن الكبرى زيادة ملحوظة، مع تحسن الطلب من المشترين. وقد اتبعت الحكومة الصينية بالفعل سياسة متوازنة لتعزيز الاستثمارات في العقارات وبناء المزيد من المساكن بأسعار معقولة، مما ساعد على تحسين الثقة في السوق.
وشهدت بيانات أسعار العقارات في 70 مدينة صينية تراجعًا طفيفًا على أساس شهري في مارس، مع انخفاض أسعار المنازل الجديدة والمستعملة بنسبة -0.08% و-0.23% على التوالي.على الرغم من الانخفاضات المستمرة، تقدم البيانات مرة أخرى بعض الأسباب للتفاؤل. على سبيل المثال، شهدت 29 مدينة استقرارًا أو زيادة في أسعار المنازل الجديدة، بينما شهدت 14 مدينة استقرارًا أو ارتفاعًا في أسعار المنازل المعاد بيعها.
في سوق المنازل الجديدة، حققت 18 مدينة زيادات تقل عن 1% في الربع الأول، بينما شهدت خمس مدن زيادات في الأسعار تزيد عن 1%. على الجانب الآخر، شهدت 39 مدينة انخفاضًا في الأسعار يقل عن 1%، بينما شهدت تسع مدن فقط انخفاضًا في الأسعار يزيد عن 1%.
أظهرت سوق المنازل المستعملة صورة أضعف قليلًا، حيث حققت أربع مدن زيادات في الأسعار تقل عن 1%، ومدينة واحدة شهدت ارتفاعًا في الأسعار يزيد عن 1%، بينما شهدت 39 مدينة انخفاضًا في الأسعار يقل عن 1%، و26 مدينة شهدت انخفاضًا في الأسعار يزيد عن 1%. ولم تسجل أي مدينة انخفاضًا في الأسعار يزيد عن 2%.
وبالنسبة لبقية الأرقام، تسارعت مبيعات التجزئة إلى 5.9% على أساس سنوي في مارس، مقارنة بـ 4.0% في الشهرين الأولين من العام. هذا يمثل زيادة كبيرة عن توقعات السوق التي كانت تترقب زيادة أقل تصل إلى 4.3%. خلال الربع الأول، نمت مبيعات التجزئة بنسبة 4.6% على أساس سنوي. وكان تأثير سياسة الاستبدال واضحا في بيانات مبيعات التجزئة.
تم توسيع فئات المستفيدين من سياسة الاستبدال، خاصة السيارات والأجهزة المنزلية في 2024، في بداية العام لتشمل مزيدًا من الإلكترونيات الاستهلاكية.
ونمت الصناعة التحويلية بنسبة قوية بلغت 7.9% على أساس سنوي في الشهر، مع تفوق خاص في التصنيع التكنولوجي العالي الذي سجل نموًا بنسبة 10.7% على أساس سنوي. من حيث إنتاج المنتجات، شهدنا نموًا قويًا في معدات توليد الطاقة بنسبة 107.2%، والسيارات الجديدة التي تعمل بالطاقة المتجددة بنسبة 40.6%، والروبوتات الصناعية بنسبة 16.7%.
وكانت نسبة النمو في أشباه الموصلات 9.2%، والهواتف الذكية 7.0%، ومعدات الكمبيوتر 7.8%، مما يدل على أن هذه الفئات اقتربت من المعدل الإجمالي للنمو.
وتشير الأرقام أيضًا إلى زيادة في استثمار الأصول الثابتة بنسبة 4.2% على أساس سنوي. استثمر القطاع العام بشكل كبير في مشاريع البنية التحتية، وهو ما ساهم في هذا النمو، بينما تشهد الاستثمارات الخاصة انتعاشًا بطيئًا ولكنه مستمر. يركز الكثير من المستثمرين على التكنولوجيا النظيفة والابتكارات المستدامة، مما يعكس تحولًا نحو الاقتصاد الأخضر.
وبينما أظهرت البيانات الاقتصادية في الربع الأول من 2025 نموًا مشجعًا في مختلف القطاعات، هناك تحديات مستمرة قد تؤثر على النمو من بينها ارتفاع اسعار السلع العالمية ما يؤثر على تكلفة الإنتاج والتوترات الجيوسباسة مثل النزاعات التجارية مع الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية وتباطؤ الاقتصاد الامريكي والتضخم في العديد من الدول الأخرى.
وسط ذلك، يرى الخبراء أنه تبقى هناك عوامل تؤثر على مدى قدرة الصين على تحقيق هدف النمو بنسبة 5 بالمائة، مشيرين إلى ان الاستمرار في دعم القطاعات الحيوية مثل التصنيع والعقارات والاستثمار، بالإضافة إلى التعامل بمرونة مع التحديات، سيكون له تأثير كبير على نجاح الاقتصاد في تحقيق الأهداف. وتتطلب المرحلة القادمة حسب الخبراء تضافر الجهود الحكومية والخاصة لضمان استدامة النمو في مواجهة التحديات المحلية والعالمية.