بين السطحية والتقليد الأعمى.. الدراما العربية في الضياع

تشهد السنوات الأخيرة حالة من التراجع للدراما العربية بوجه عام، حتى أنه بات يحلو للبعض وصف الأمر بأن "الدراما العربية في الضياع".
الأمور وصلت إلى ذروتها خلال الموسم الرمضاني 2025، الذي تعرضت فيه الأعمال الدرامية التي أذيعت وخاصة في مصر لعاصفة من الانتقادات، تتهمها بالسطحية والابتذال والعنف، وانعدام الأفكار الهادفة.
وبينما كان هذا هو الوضع في مصر، انتقد الكثيرون أيضا الدراما السعودية، معتبرين أنها تعتمد بشكل واسع جدا على تقليد سيناريوهات الأعمال التركية، ولا تنظر إلى المجتمع السعودي ومميزاته، التي يمكن تسليط الضوء عليها بأعمال رائعة.
وفي السطور التالية نحاول أن نسلط الضوء على عيوب الدراما العربية، وما وصلت إليه من تراجع، لكشف الأسباب والبحث عن حلول.
الدراما المصرية.. عنف وسطحية
اتسم الموسم الدرامي الرمضاني في مصر هذا العام بقدر كبير من الجدل الشعبي والإعلامي، بعد أن قدمت بعض الأعمال مشاهد فظة وألفاظا سوقية وموضوعات تفتقر إلى العمق. وكان مسلسل "إش إش" للمحرج محمد سامي، وبطولة زوجته مي عمر، نموذجا بارزا لهذا التوجه، حيث جمع بين حبكة مفككة، وتكريس لصورة نمطية سلبية للمرأة المصرية. وقد عبر كثيرون عن قلقهم من أن هذه الأعمال لا تعكس المجتمع المصري، بل تشوه صورته أمام الداخل والخارج.
استجابة حكومية عاجلة ومسار إصلاحي جديد
أعلنت الحكومة المصرية عن تشكيل لجنة عليا تضم ممثلين عن وزارات الثقافة، والإعلام، وهيئة تنظيم الإعلام، والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، إلى جانب نخبة من المتخصصين، بهدف صياغة رؤية مستقبلية للإنتاج الدرامي تضمن التوازن بين حرية الإبداع والالتزام بالمسؤولية المجتمعية.
وفي سياق الإصلاح، تم عقد مؤتمر وطني بعنوان "مستقبل الدراما في مصر"، نظمته الهيئة الوطنية للإعلام، وشارك فيه عدد من الكتاب والمخرجين والمنتجين، لمناقشة أسباب تراجع الذائقة الفنية، وغياب الرؤية الثقافية، وسبل استعادة الفن المصري لمكانته كمصدر للتنوير والمعرفة وليس للإثارة والتسطيح.
عودة ماسبيرو: الإنتاج الوطني يدخل المعركة
في الوقت ذات أعلن التليفزيون المصري عن استئناف إنتاجه الدرامي ضمن مشروع "عودة ماسبيرو"، بهدف تقديم أعمال فنية راقية تنطلق من روح المجتمع المصري وتعبر عن همومه الواقعية، مع الالتزام بالتوصيات التي خرج بها مؤتمر "مستقبل الدراما".
وتعد هذه الخطوة بمثابة رد اعتبار للإعلام الرسمي كمؤسسة قادرة على قيادة التغيير الإيجابي في صناعة الفن.
الدراما السعودية.. التعريب في مواجهة الإبداع
في الجهة الأخرى من المشهد العربي، لم تكن الدراما السعودية بمنأى عن الانتقادات، وإن اختلفت في جوهرها، إذ تتجه العديد من الأعمال الحديثة نحو تعريب النصوص التركية الناجحة، مثل مسلسل "آسر" المأخوذ عن "إيزل"، و"العميل"، عن مسلسل "في الداخل"، و"القدر"، عن مسلسل "لعبة القدر".

ورغم جودة الإنتاج والإخراج، فإن الاعتماد المفرط على القصص الأجنبية أثار تساؤلات حول القدرة الإبداعية الذاتية، ومدى ارتباط هذه الأعمال بواقع المجتمع السعودي الذي يمتلك تراثا أدبيا عظيما يمكن من خلاله صنعة عشرات الأعمال القوية الهادفة، النابعة من المحلية.

التعريب.. ذكاء تسويقي أم فقر إبداعي؟
ويعتبر بعض المنتجين أن تعريب الأعمال التركية وسيلة فعالة لاستقطاب الجمهور المهيأ مسبقا لهذه الأعمال التي حققت نجاحا يجعل الإقبال عليها عربيا أمرا مضمونا، لكن الكثير من النقاد يرون أن هذا الاتجاه يكشف عن استسهال إبداعي، وعجز عن كتابة نصوص عربية قوية، مطالبين بصياغة مشروعات محلية أصيلة تليق بخصوصية المجتمع العربي.

الاقتباس فكرة معتادة والمهم طريقة تقديم الفكرة للمشاهد
من جهتها علقت الناقدة الفنية ماجدة خيرالله على هذه القضية قائلة إن هناك العديد من المسلسلات العربية مأخوذة من أعمال مكسيكية وبرازيلية وهذا يحدث دائمًا، ولكن الأهم هو تنفيذ الأفكار حتى لو مقتبسة المهم الصياغة وكيفية تقدمها للمجتمع، مثال مسلسل المدينة البعيدة التركي المأخوذ من المسلسل العربي الهيبة، الذي عُرض كفيلم سينمائي أيضًا، يكاد يكون تفوق في نسبة المشاهدة والإمكانيات وخطوط درامية عن النسخة العربية، فهذه الظاهرة ليست جديدة ومتعارف عليها من زمان.
وأضافت لـ "النبأ": "العالم أصبح منفتحًا على بعضه والمهم تكون المعالجة مناسبة لظروف البلد التي يعرض فيها العمل، والظروف التاريخية والاقتصادية والإنسانية، لأن كل مجتمع يختلف عن الأخر فيه عاداته وتقاليده، وهناك إضافات وأشياء تميز معالجة عن الأخرى".
وتابعت: "مسلسل المدينة البعيدة التركي يصور في إحدى الأماكن الشهيرة بتركيا وهي مشهورة ببعض المباني القديمة، وتصوير المسلسل بها ومتابعة الجمهور له زاد من السياحة لهذه المنطقة لأنها تتميز بتلك المباني، لأن كل شيء له طبيعته من حيث الطريقة والملابس".
كما أن هناك إبداع وخطوط جديدة تضاف عن البيئة التي قُدمت من قبل، سواء في عمل تركي أو مأخوذ من بلد آخر، هذا ما أوضحته خيرالله مضيفة: "لكن في المجمل المسلسلات التركية المعربة ليست إفلاسا، ولكن هذا شيء متعارف عليه، لأنه لو كان الموضوع تركيا فقط فقد لا يقبل عليه الجمهور العربي، لذا يجب أن تنفذ الأعمال بالمواصفات العربية.
نحو دراما عربية تنتمي إلينا
وأيدت الناقدة ماجدة خيرالله الجهود التي بدأت الدولة المصرية في بذلها لإعادة بوصلة الدراما إلى مكانها الطبيعي، مؤكدة أن الوقت حان بالفعل لصياغة مشروع عربي للدراما يعيد للهوية حضورها، ويستثمر في الحكايات المحلية العميقة، لا في الانبهار بالنجاحات الجاهزة.