شيخ الأزهر يحذر الشباب من الشبهات المثارة حول الصحابة والخلفاء
قال الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أنه يحرص دائما على الحديث عن عدالة الصحابة –رضي الله عنهم-ومنزلتهم في القرآن الكريم والسُّنَّة، وحرمة التطاول والاجتراء عليهم من بعض السفهاء والحمقى من أهل الفتنة والمستأجرين ممَّن لديهم استعداد لسب أنفسهم وآبائهم وأمهاتهم للارتزاق وجمع المال. وأضاف الإمام الأكبر في حديثه الأسبوعي على الفضائيَّة المصرية، أن هناك شبهات حول الخلفاء الراشدين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أُثيرت قديمًا، وتُستدعى الآن؛ لتضليل الشباب المسلم، ولشق صف الأمة الواحدة، وضرب الاستقرار في البلاد الآمنة.
وأوضح أنه أوَّل مَن نخصِّص له الحلقات في سلسلة الدفاع عن الصحابة هو: سيدنا أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأول الخلفاء الراشدين، وعظيم من عظماء الإنسانية وحكيم من حكمائها، لذلك يجب أن نتوقف عنده لنوفيه بعض حقه من التوقير والتعظيم والثناء والعرفان بالجميل، فإذا ضاع توقير العظيم فإن الإنسانية كلها تضيع وتصبح تاريخًا من الفوضى والجحود وعبث الصغار".
وأشار إلى أن أبا بكر رضي الله عنه اشتهر بأبي بكر، وبالصديق، وعتيق النار،وعبد الله، وقد أُطلقت عليه هذه الأسماء في الجاهلية والإسلام، حيث كان يُلقَّب بالصديق، لأنه كان يحكم في أمر الديات، وهي قدر معين يدفعه القاتل لأهل القتيل، وكانت قريش تنيبه في مسألة القتل أو المشاجرات التي يترتب عليها حدوث عاهة أو ما أشبهها من قطع وبتر.. إلخ، وإذا تولى أمر الديات شخص آخر غير أبي بكر رفضوه ولم يصدقوه، ومن أجل ذلك سُمِّي في الجاهلية بالصدِّيق؛ أي: شديد الصدق فيما يقضي ويحكم، أمَّا في الإسلام فقد سُمِّي بالصديق، لأنه كان يسرع في تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم- في كل ما يقول، وبخاصة في حادث الإسراء والمعراج، وذلك أن حادث الإسراء كان أمرا مُستغربًا عند الناس، إلا أن أبا بكر رضي الله عنه لم يتردَّد في تصديقه؛ حين قال له الكفار: إن صاحبك يزعم أنه أُسري به الليلة إلى بيت المقدس ثم عاد، ونحن نقطع أكباد الإبل شهرًا ذهابًا وشهرًا إيابًا، قَالَ: لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ، قَالُوا: وَتُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنِّي لأُصَدِّقُهُ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ: أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ فِي غُدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيق، كما كان -رضي الله عنه- يلقب بعتيق في الجاهلية "لجمال وجهه"، وهذا الوصف مشتق من "العتاقة" وهي الجودة والجمال، ويذكر بعض المؤرخين في ذلك أن أمة لم تكن يعيش لها أولاد، فلما ولد أبو بكر أخذته واستقبلت به الكعبة وقالت: "اللهم إن هذا عتيقك من النار فَـهَبْهُ لي"، أما في الإسلام؛ فلأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشَّره بالعتق من النار، ومعلوم أن أبا بكر –رضي الله عنه - هو أول العشرة المبشرين بالجنة، وقيل لأنه كان يشتري العبيد ويُعتقهم لوجه الله تعالى.
وأوضح أن الصديق أبا بكر -رضي الله عنه- ولد في السنة الثانية أو الثالثة من عام الفيل، وبذلك يكون أصغر من النبي –صلى الله عليه وسلم- بعامين على الأقل، وأن اسمه هو عبد الله بن عثمان، وعثمان والده هو: أبو قُحافة، وهو من قبيلة بني تَيمْ، وينبغي ألا نخلط بين قبيلة: بني تيم التي ينتسب إليها سيدنا أبو بكر، وبين قبيلة بني تميم، فبينهما بعد المشرقين؛ فبنو تيم يشتهر رجالهم بالأدب ودماثة الأخلاق، هم أبناء أصول، كما نقول في مخاطباتنا اليوم، ونساء هذه القبيلة مشهورات بأنهن محظيات لدى أزواجهن، لأنهن مفطورات على الدلال والذكاء والجمال، وقد انعكس هذا على سيدنا أبو بكر في تاريخه حيث عاش في مودة عميقة مع أبيه وأمه وزوجته وبنيه وبناته، وعلى سيدتنا أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنه-، لافتًا إلى أن والده عاش طويلًا حتى رأى ابنه خليفة للمسلمين وكف بصره في أواخر حياته، ويروي المؤرخون أنه حين بلغه نبأ وفاة ابنه أبي بكر قال: رُزء جلل؛ أي: مصيبة كبرى، ثم سأل: فمَن ولي عده؟ قالوا: عمر.. قال: صاحبه.
وبين الطيب أن أبابكر -رضي الله عنه- كان أبيض اللون، وسيمًا، غزير شعر الرأس، نحيفًا، يميل إلى القِصر، وكان أليفًا يألف الناس ويألفونه، وكان رجلا كريما سخيا تصدق بكل ما يمتلك للمسلمين وجيش المسلمين، يقول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه-: "أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ وَوَافَقَ ذَلِكَ مَالا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ؟ " قُلْتُ مِثْلَهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَالٍ عِنْدَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- " مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ؟ " قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا"، وكان يعتق العبيد بلا حساب، يشتريهم من ماله الخاص ويعتقهم لوجه الله، وأول من أعتقه بلال بن أبي رباح –رضي الله عنه-، وكان متواضعًا زاهدًا في الدنيا ومتاعها وزينتها، تقول السيدة عَائِشَةَ- رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: "لبست ثيابي فطفقت أنظر إلى ذيلي وأنا أمشي في البيت، وألتفت إلى ثيابي وذيلي، فدخل على أبو بكر، فقال: يا عائشة أمَا تعلمين أن الله لا ينظر إليك الآن، قُلْتُ: " وَمِمَّ ذَاكَ؟ "، قَالَ: " أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا دَخَلَهُ الْعُجْبُ بِزِينَةِ الدُّنْيَا مَقَتَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى يُفَارِقَ تِلْكَ الزِّينَةَ"، قَالَتْ: " فَنَزَعْتُهُ فَتَصَدَّقْتُ بِهِ " وذلك لأن العجب يجر الإنسان إلى الكبر، والكبر يجر إلى هضم حقوق الناس، ولذلك نرى الإسلام متيقظا لمثل هذه الأمراض الخلقية والنفسية، مؤكدًا أن الصحابة كانوا نماذج عليا في مسألة الزهد في الدنيا ومتاعها.
وتابع أبو بكر الصديق لم يعبد صنمًا قط، ولم يشرب الخمر لا في الجاهلية ولا في الإسلام؛ صونًا لعقله ومروءته، ولما سُئل عن ذلك قال: "كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي فإن من شرب الخمر كان مضيَّعًا في عقله ومروءته"، ومما يؤكد لنا أن عقله وبصيرته كانا هما الهاديين له إلى الحق، موقفُهُ من الأصنام لأول مرة يراها، فلقد رُوى عن أبى بكر -رضي اللّه عنه- أنه قال: لما ناهزت الحُلُم أخذني أبِي (أبو قحافة) بيدي. فانطلق بي إلى مكان توجد فيه الأصنام فقال يا بُني، هذه آلهتك الشُّم العوالي، وخلاَّني عندها وذهب، فدنوتُ من الصنم وقلت: إني جائـع فأطعمني، فلم يجبني، فقلت: إني عارٍ فاكسُني: فلم يجبني، فألقيتُ عليه صخرة فخرَّ على وجهه، فهذه القصة تدل على أنه -رضي الله عنه- كان محصنا ضد أوهام الجاهلية وأكاذيب الجاهلية ممثلة في عبادة الأصنام، وفي شرب الخمر، إذ الفطرة السليمة هي التي كانت توجهه لذلك، وخاصة في مسألة الخمر التي كان سائدة في الجاهلية، والتي لم يحرمها الإسلام مرة واحدة وإنما حرمها تدريجيا؛ لتغلغلها في عادات وتقاليد وأطعمة وأشربة الجاهلية آنذلك.
وأضاف " يذكر المؤرخون أن أبا بكر –رضي الله عنه- كان في طبعه بعض حدة، لكنه كان كثيرًا ما يغالب هذا الطبع، وقد قال عن نفسه في إحدى خطبه: ".. واعلموا أن لي شيطانًا يعتريني، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني"، وهذه الحدة ليست عيبًا في شخصيته، رضي الله عنه؛ لأنها لم تكن من قبيل الرعونة، وإنما كانت من قبيل "سرعة التأثر" وكثيرًا ما يكون ذلك في الإنسان العظيم الرحيم الذي يتألم لغيره.. يدلنا على ذلك أنه -رضي الله عنه -كان في طبعه ميل إلى الحزن والعطف على الحزين والإحساس به والشعور بحزنه، وقد وصفته ابنته عائشة رضي الله عنها، بأنه كان: غزير الدمعة محزون القلب، أسيفًا "متى يقم مقامك لا يسمع الناس"
لافتًا إلى أنه -رضي الله عنه- اشتهر بالصدق في الجاهلية والإسلام: ومما يدل على صدقه مع أهل الجاهلية أن خولة بنت حكيم اقترحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة السيدة عائشة -رضي الله عنها- بعد وفاة السيدة خديجة -رضي الله عنها-، فَقَالَتْ: فَأَتَيْتُ أُمَّ رُومَانَ -زوج أبي بكر- فَقُلْتُ: يَا أُمَّ رُومَانَ، رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ عَائِشَةَ، قَالَتْ: انْتَظِرِي فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ آتٍ، قَالَتْ: فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أَوَ تَصْلُحُ لَهُ وَهِيَ ابْنَةُ أَخِيهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَخُوهُ وَهُوَ أَخِي، وَابْنَتُهُ تَصْلُحُ لِي، قَالَتْ: وَقَامَ أبُو بَكْرٍ، فَقَالَتْ لِي أُمُّ رُومَانَ: إِنَّ الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ قَدْ كَانَ ذَكَرَهَا عَلَى ابْنِهِ -جبير-، فَوَاللَّهِ مَا أَخْلَفَ وَعْدًا قَطُّ - تَعْنِي: أبَا بَكْرٍ- قَالَتْ: فَأَتَى أَبُو بَكْرٍ الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي أَمْرِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ ؟ فَأَقْبَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ لَهَا: مَا تَقُولِينَ يَا هَذِهِ ؟ قَالَ: فَأَقْبَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ: لَعَلَّنَا إِنْ أَنْكَحْنَا هَذَا الْفَتَى إِلَيْكَ تُصْبِئهِ وَتُدْخِلُهُ فِي دِينِكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمُطْعِمِ، وَقَالَ: مَا تَقُولُ أَنْتَ ؟ قَالَ: إِنَّهَا لَتَقُولُ مَا تَسْمَعُ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ وَلَيْسَ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْمَوْعِدِ شَيْءٌ، فلما تحلل – ضي الله عنه - من وعده مع المُطعِم، قَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: قُولِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَأْتِ، قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَلَكَهَا، فهذا درس ومثال عملي في الصدق والوفاء بالوعد حيث إن أبا بكر أرجأ إجابة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما طلبه حتى يتحلل من ذِكْر المطعِم، مع أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو صاحبه ونبيه، والطرف الآخر من المشركين.