رئيس التحرير
خالد مهران

مستشار وزير الري لـ «النبأ»: إثيوبيا أخضعت مصر لـ «الأمر الواقع»

الكتور مغاورى شحاته
الكتور مغاورى شحاته

المفاوضات صعبة وشاقة جدا و السودان المستفيد الأول من السد

الخيار العسكري واللجوء للمحافل الدولية ليس في صالح مصر

إسرائيل تساعد أديس أبابا بالخبرات الفنية وقطر وتركيا تمدها بالمال

المصالح السعودية الإماراتية مع إثيوبيا أقوى من مصر

ضرب النهضة والسد العالي نوع من الخيال

لاشك أن ملف سد النهضة من أهم الملفات التي تشغل بال ملايين المصريين، لان مياه النيل بالنسبة للمصريين مسألة حياة أو موت، لذلك تتجه أنظار وقلوب المصريين إلى المفاوضات التي يجريها الجانب المصري مع كل من الجانبين الأثيوبي والسوداني .. وفي ظل الإجتماع الثلاثي الذي عقد في السودان مؤخرا، وتضارب الأنباء بشأن نتائجه كان لابد من التحدث مع أحد المقربين من هذا الملف الحيوي لمعرفة الحقيقة وسير عملية التفاوض مع الجانب الأثيوبي لاسيما وأن هذا الملف يحدد مصير 90 مليون مصري .. لذلك التقت النبأ مع الدكتور مغاوري شحاتة رئيس جامعة المنوفية الأسبق وخبير المياه ومستشار وزير الري الحالى وأجرت معه هذا الحوار لإزالة الغموض الذي يلف هذا الملف الهام والحيوي لملايين المصريين .. وإلى تفاصيل الحوار ..

في البداية تقييمك لسير مفاوضات سد النهضة التي تجرى الأن في السودان؟
بالتأكيد هي مفاوضات شاقة وصعبة جدا، وبها الكثير من المفاجآت فمثلا عندما يتقدم الجانب الأثيوبي بطلب لتمرير 3 مليار متر مكعب في التوربينات السفلي للتشغيل التجريبي واختبارات التربة، يعنى أنه بصدد تحويل المجرى الثانوي إلى المجرى الرئيسي للسد، ومعنى ذلك أنه يخطط للتخزين في يونيو القادم، وبالتالى عندما يعتزم القيام بعملية تجارب، فمعنى ذلك أنه يؤدي بروفة لملئ السد، وهذه مفاجأة لم تكن في حسبان الجانبين المصري والسوداني، وبعد حوارات مطولة تمت الموافقة من الجانبين المصري والسوداني بشرط ألا يتم التخزين إلا بعد موافقة الأطراف الثلاثة مجتمعة، وبالتالي التأكيد على عدم البدء في التخزين في يونيو إلا بعد اتفاق الاطراف الثلاثة، وبعد الإطمئنان إلى الدراسات التي تقوم بها المكاتب الإستشارية .

ماذا عن الخلاف على المكاتب الإستشارية ؟
مصر اقترحت أن يحل مكتب الإستشارات الفرنسي محل المكتب الهولندي الذي اعتذر، وبالفعل تمت التوصية بالتعاقد مع المكتبين الفرنسيين، بنسبة 70% للمكتب الفرنسي القديم، مقابل 30% للمكتب الفرنسي الجديد وهي نفس النسبة التي حصل عليها المكتب الهولندي قبل الإنسحاب، وهذه كان مساهمة شكلية لإرضاء الجانب المصري .

وهل تم الإتفاق على مدة الدراسات ؟
الدراسات سيتم احالتها إلى المكاتب الإستشارية، وتكون الإجابة خلال 9 أشهر بدلا من 11 شهر كان متفق عليها مسبقا .

وماذا عن نتائج هذه الدراسات ؟
فيما يتعلق بنتائج الدراسات التي تقوم بها المكاتب الإستشارية، فقد تعهدت إثيوبيا بتنفيذ ما سوف تسفر عنه نتائج الدراسات من حيث حجم الضرر وإزالته .

توقعاتك للمفاوضات الحالية ؟
في الاغلب أن كل النقاط لن تحسم في هذا الإجتماع، والأكثر تأكيد أن المفاوضات سوف تؤجل لمدة أسبوعين، يتم فيها الأتي : طلبت مصر أن يكون عدد الفتحات التي تسمح لمرور المياة للإستخدام في السودان ومصر 4 فتحات بدلا من فتحتين، بمعنى زيادة سعة التدفق أو توسيع الممر المائي الذي يمكن أن يغزي مصر والسودان بالمياة، وسيتم تشكيل لجنة فنية لزيارة موقع السد على الطبيعة، ودراسة ما إذا كان ذلك ممكنا في دراسة تصميم السد وتعديله من عدمه، وهذا سوف يتم في ظرف أسبوعين أيضا .

كيف تستطيع مصر الحفاظ على حصتها من المياه ؟
مصر تحاول الحفاظ على حصتها، لكن بالتأكيد الحفاظ على هذه الحصة سوف يصطدم بعقبات كثيرة جدا، أولها نظام ملئ السد، ونظام التشغيل الثانوي، وهل سيسمح باحتفاظ مصر بكامل حصتها وهي 55 مليار متر مكعب؟ هذه هي النقطة الأساسية والتي سوف ينتج عنها توصية من المكاتب الإستشارية .

تقييمك للجانب الأثيوبي في المفاوضات ؟
مصر تتحاور مع دولة غير واضحة في توجهاتها، ولا تتمتع بقدر من حسن النية في التعامل، في مقابل ما تقدمه مصر من حسن النية، وهناك اتفاق بين الدول الثلاثة على المستوى السياسي أن يكون هناك تعاون وتكامل فيما يتعلق بالوضع بين دول حوض النيل الشرقي، بمعنى أن القضية لا تكون مياه فقط، لكنها مياه وتعاون في المجالات الأخرى مثل الصحة والتعليم والكهرباء والتجارة والزراعة والإقتصاد، بما يفيد الدول الثلاثة، وما يتم الأن يهدف إلى رفع مستوى التفاوض ليشمل عناصر متعددة من التعاون لصالح الدول الثلاثة.

تقييمك لموقف السودان في المحادثات ؟
السودان تحاول الحفاظ على تدفق المياه إليها، وبالتالي إذا ما ضمنت تدفق المياه إليها من خلال فتحات التوربينات، فهذا سوف يضمن لها الحفاظ على حصتها ويمكنها من شيئين، الأول أنه سيتم وقايتها من الفيضانات التي كانت تدمر كل ما في طريقها قبل بناء السد، والثاني أنه سوف تحصل على المياه بشكل منتظم على مدار العام يمكنها من ترتيب دورة زراعية متكاملة .

يعنى السودان ليست متضررة من سد النهضة ؟
سوف تتضرر في حالة واحدة وهي إنهيار السد أو إنزلاقه، وهذه إحتمالات ضعيفة، ولكنها قائمة .

ما الأضرار التي سوف تلحق بمصر خلال عملية تخزين المياه في السد ؟
بالتأكيد تخزين المياه في السد سوف يؤدي إلى نقض في حصة مصر من المياه، لكن هناك فرق بين نقص المياه في السنوات المنخفضة والسنوات المتوسطة والسنوات العادية، ففي السنوات المنخفضة سوف تنقص بنسبة كبيرة جدا، بما يجعل كمية المياه في بحيرة السد تكاد تصل إلى إرتفاع 160 متر، وربما تأتي سنوات منخفضة لا تسمح بتشغيل سد النهضة ولا سدود السودان ولا السد العالي، لكن هذه تخضع لأشياء طبيعية تتعلق بكمية الأمطار وكمية البخار .

ما هي أوجه الخلاف حول البند الرابع الخاص بمبدأ الإستخدام المنصف والمناسب للمياه ؟
البند الرابع يتعلق بالملئ الأول ونظام التشغيل، كان هناك إتفاق على وجود لجنة فنية مشتركة من الدول الثلاثة لوضع نظام الملئ الأول، إلى المستوى الذي يصل فيه إرتفاع المياه أمام السد إلى المستوى الذي يقوم بتشغيل كل التربونات، وبالتالي يصبح هناك خلاف على عدد سنوات ملئ السد للمرة الأولى .

وماذا عن البند الخامس ؟
هذا البند يتعلق بنظام التشغيل السنوي، والذي أخضعته أثيوبيا لإرادتها، رغم أن هناك إقتراح بتشكيل لجان فنية سنوية تجتمع في ضوء للإتفاق على كل ما تم ذكره سابقا، ثم وضع نظام للتشغيل، لكن أثيوبيا احتفظت لنفسها بحق التغيير وفق اعتبارات تراها هي، وبالتالي هذه الاعتبارات غير واضحة، مصر تريد أن يكون هناك إتفاق مكتوب وموثق ودولي، لكن كل ذلك سيكون في ضوء توصيات المكاتب الإستشارية بعد إنتهاء الدراسات .

ماذا يعنى قيام أثيوبيا بتحويل مجرى النيل من طرف واحد ؟
يعنى إخضاع مصر للأمر الواقع .

ما هي الخيارات المتاحة أمام مصر في حال فشل المفاوضات وتمسك الجانب الأثيوبي بمواقفه المتعنته؟

بعض الإستجابات الطفيفة من الجانب الأثيوبي ربما تكون قد نتجت عن بعض الضغوط التي مارستها مصر على المجتمع الدولى، لكن المؤكد أنه لا يوجد حلول يمكن أن تنتهجها مصر في مجال إستخدام القوة مثلا، وبالتالي الخيار العسكري غير وارد، لاسيما وأنه سيؤدي لتعقيد الأمور، أما اللجوء للمجتمع الدولي أو المحافل الدولية فهو محفوف بالمخاطر، لأننا في ظرف ربما تكون لأثيوبيا الغلبة على المسرح العالمي باعتبارها الأفقر والأكثر إحتياجا للتنمية، وبالتالي هناك تعاطف دولي وإفريقي معها، لكن لابد أن نظهر للعالم خلال هذه الفترة أن الشعب المصري معرض للموت، وبالتالي المقارنة هنا بين الحياة وبين التنمية، وهذا يعتمد على مهارة التحرك السياسي المصري في الفترة الحالية بغض النظر عن بعض التوافقات المحدودة مع الجانب الأثيوبي، ولابد من تفيند إدعاءات أثيوبيا أمام العالم، وأن نثبت للعالم أن مصر تحوز على أغلب مصادر نهر النيل، وأن مصر في حالة فقر مائي .

لكن أليس هناك مياه جوفية تستطيع تعويض المياه التي ستفقدها مصر من سد المهضة ؟
ليس من الحكمة الحديث عن وجود مليارات من المياه الجوفية في الصحراء الغربية، لأن ذلك ليس حقيقة مطلقة، وبالتالي الإعلان عن كميات ضخمة من المياه الجوفية في الصحراء الغربية يعيق مهمة المفاوض المصري وهو وزير الري أيضا، لذلك نحن نقول دائما لوزير الري إن الإعلان المفرط في وجود مياه جوفية ليس في صالح المفاوض المصري على مياه نهر النيل .

هل تتوقع أن تتراجع أثيوبيا خطوة للخلف نتيجة الضغوط المصرية ؟
لا أتوقع ذلك مطلقا إلا إذا كان هناك عجزا في التمويل، فإذا نجحت مصر في إقناع هيئات التمويل الدولية في أن أتفاق سد النهضة لا يعنى الموافقة، لكنه لا يعنى الحوار، وبالتالي المشكلة ما زالت قائمة ولم تحل، وانه لا ينبغى الإستماع إلى إثيوبيا بأنه تم الإعتراف بالسد، وبالتالي يجب إقناع العالم بالمخاطر التي سوف تلحق بمصر جراء بناء هذا السد .

هل تتوقع قبول مصر لتعويضات مالية أو كهرباء ؟
لا يوجد شئ يعادل مياه نهر النيل . كيف ترى الدور القطري والإسرائيلي في بناء السد؟ إسرائيل لم تدفع شيكل واحد لبناء السد، لكنها تسعى لتعكير صفو العلاقات المصرية الأثيوبية، وتعطيل نمو الإقتصاد المصري، من خلال الضغط على اثيوبيا لإنشاء السد، وتقديم النصيحة الفنية والخبراء القانونيين، لكن الذي يساهم بالأموال فهي دول مثل قطر وتركيا .

لكن كان هناك حديث عن ضغوط سعودية إماراتية من خلال إستثماراتهما في إثيوبيا ؟
المشروعات السعودية الإماراتية في إثيوبيا أغلبها مشروعات زراعية، بمعنى أنها تحتاج إلى مياه، وبالتالي المصالح الدولية دائما تتصالح . الصحف الإثيوبية تحدثت عن أنه في حال قيام مصر بضرب سد النهضة ستقوم إثيوبيا بضرب السد العالي .

كيف ترى هذا السيناريو ؟
هذا السيناريو مستبعد في كل الأحوال، فليس هناك حدود بين البلدين ليقوم كل منهما بضرب الأخر، بالإضافة إلى أن القدرات العسكرية للجانب الأثيوبي محدودة، وبالتالي ضرب مصر لسد النهضة أو ضرب أثيوبيا للسد العالي شئ خيالي، وهذا غير وارد على الإطلاق.

الصحف السودانية تحدثت عن أن موقف مصر يزداد ضعفا بعد أن تخلت عنها السودان .. كيف ترى ذلك ؟

هذه حقيقة، فمن الواضح تماما أن نقطة الضعف الرئيسية والخطر الأكثر هو السودان، فربما تطالب بإعادة تقاسم المياه، وتعديل إتفاقية 1959 الخاصة بتقاسم مياه النيل .