خبايا محاولة «تواضروس» لتوريط مؤسسات الدولة في قضية «تعداد الأقباط»
على مدار السنوات الماضية، بقي الحديث عن التعداد الفعلي للأقباط في مصر، حبيس تقارير إعلامية، وتكهنات غير رسمية، إذ لم يسبق للكنيسة الأرثوذكسية، أن أفصحت عن عدد محدد للمسيحيين المصري، وهو النهج ذاته الذى اختارت المؤسسات الرسمية بالدولة السير عليه.
وصار الحديث عن أعداد الأقباط المصريين، مجرد محاولة لإثارة الفتنة، والتفرقة بين جناحى الأمة، على أساس الكم، أو بالأحرى العدد، وحتى في أعقاب اندلاع أعمال العنف الطائفي التي تلت ثورة 25 يناير، ظل الحديث عن أعداد الأقباط بعيدا عن أي تقارير رسمية، تتحمل مسئوليتها الدولة المصرية.
الجديد هو ما جرى مؤخرا حين أعلن البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ولأول مرة، خلال حديث إعلامي مع بعض الصحفيين الأفارقة أن تعداد الأقباط المصريين 15 مليون فرد.
ومن المعروف أن الكنيسة يمكنها معرفة أعداد الأقباط، عن طريق كشوف الافتقاد، التي تعد بمنزلة تعداد داخلي لكل أسرة، كما أنها تعتمد على شهادات المعمودية لتوثيق تعدادهم.
وينظر البعض إلى إعلان البابا تواضروس الثاني لأعداد الأقباط بتلك الطريقة، على أنه محاولة لمواجهة تخاذل الدولة، تجاه هذا الملف، وهو ما أثار التساؤلات حول توقيت إعلان البابا، والهدف الحقيقى من وراء ذلك؟ وهل يريد البابا إيصال رسالة مفادها أن أقباط مصر ليسوا أقلية؛ مما يمثل ضغطا على مجلس النواب، بالتزامن مع المناقشات الدائرة الآن حول قانون دور العبادة الموحد، وحتى يقطع الطريق على المعارضين لصدوره.
اللواء أبو بكر الجندي، رئيس الهيئة العامة للتعبئة والإحصاء، يؤكد أنه لا يوجد أى إحصائية رسمية، حتى الآن، تفيد بتعداد الأقباط فى مصر، مضيفا أن آخر إحصائية للمصريين طبقًا للخصائص الدينية أجريت عام 1986.
وأضاف الجندي في تصريح خاص لـ«النبأ»، أنه لم يصرح نهائيا، ولم يصدر من جهازه أرقاما عن تعداد الأقباط، مشددا على أنه منذ التسعينيات، لم تعلن أي أرقام تتناول تعداد الأقباط، خلال العام الحالي، والأعوام القليلة الماضية، مشيرا إلى أن التوجيهات من لجنة الإحصاء التابعة للأمم المتحدة، تقضي بأن هذا السؤال اختياري لمن يرغب في إجابته، موضحا أنه هذه الاتفاقية جعلتهم غير قادرين على إصدار أى أرقام طبقا للخصائص الدينية، وبالتالي لم يعد هناك أى بيانات تكشف التعداد الحقيقي للأقباط في مصر.
وطالب الجندي بعد الحديث عن تعداد الأقباط، حتى لا تقع مشاكل قائلا: «المجتمع المصري ليس له طاقة لأن يقع في مشاكل طائفية»، لافتا إلى المجتمع المصري نسيج واحد، ويتمتع بقدر كبير من الوحدة، ولا يوجد أى تفرقة على أساس ديني، إلا فى بعض الحالات الشاذة التي ينبذها المجتمع.
من جانبه قال جرجس بشرى، الناشط القبطي، إن الأقباط هم أكبر أقلية دينية في الشرق الأوسط، لدرجة أن البابا شنودة الثالث، عندما قابل الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، في السبعينيات من القرن الماضي، قال له الأخير: أنت رئيس لأكثر من 7 ملايين قبطي، مضيفا: "في الحقيقة فإن الحكومة المصرية عارفة عدد كل شيء في مصر، لكنها تصمت ويصيبها البلاده السياسية، عندما يتم سؤالها عن تعداد الأقباط في مصر.
وأضاف بشرى فى تصريح خاص لـ«النبأ»، أن الأنظمة السابقة حكوماتها تتخوف من إظهار العدد الحقيقي للأقباط؛ تفاديا للمتشددين الإخوان، والتيارات السلفية، ولتهميش الأقباط في المناصب، وصناعة القرار، وكانوا يخشون الإعلان عن العدد الحقيقي، كي لا يأخذوا حقوقهم وفقا لكتلتهم العددية، كحق أصيل وشرعي لهم، كمواطنين مصريين يتمسكون بمصر ووحدتها، موضحا أن العدد الحقيقي للأقباط في مصر يتجاوز الـ15 مليون نسمة، مشيرا إلى أن البابا استند في إعلانه عن هذا الرقم إلى شهادات المعمودية، على حد قوله.
وأوضح الناشط القبطي أن تعداد الأقباط في مصر يقترب من 18 مليون فرد، وذلك وفقا لما أعلنه من قبل الكاتب الصحفي، نبيل شرف الدين، استنادا لبطاقات الرقم القومي، مضيفا أنه من المؤسف حقا بعد ثورتين عظيمتين أن يتم تهميش الأقباط في المناصب العليا للدولة.
من ناحية أخرى يرى حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن تصريح البابا عن تعداد الأقباط، هو الأول من نوعه، معتبرا هذا اعترافا رسميا من الكنيسة، موضحا أن عددا الشخصيات الكنسية تحدثت عن أن تعداد الأقباط يصل إلى 15 مليون نسمة.
وأضاف أبو سعدة في تصريح خاص لـ«النبأ»، أن تعداد الأقباط دائما ما يكون محل خلاف منذ سنوات طويلة، خاصة أن الكاتب الصحفي فهمى هويدي، أعلن من قبل، أن أعداد الأقباط الحقيقية فى مصر 5 ملايين فقط.
وأضح أبو سعدة أن تصريحات البابا عن التعداد الحقيقي للمسيحيين، ليس لها علاقة بأى مطالب فئوية تتعلق بحقوقهم فى تقلد المناصب الوزارية، أو كمحافظين، أو أى مشاركات فى السلطة، مشيرا إلى أن الكنيسة لا تريد ان تقحم نفسها في العمل السياسي.
وأشار رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إلى أن تصريحات البابا تواضروس لن تثير ضجة نهائيا؛ لأن مضمون هذا الحديث ليس جديدا، ويتم تداوله منذ سنوات، موضحا أن تصريح البابا لا يهدف لإيصال رسالة إلى الخارج بأنهم ليسوا أقلية، كما سيتصور البعض، منوها بوطنية البابا وحبه لبلده، قائلا: «لما تلاقى حد بيقلل من حجمك الحقيقى بتعترض وبتقول لا أنا كذا».
وحول عدم إعلان الدولة عن عدم الإعلان الحقيقي عن تعدادات الأقباط في مصر، أوضح أبو سعدة، أن هذا موقف غير دقيق، وهو لا يتفق معه، مشددا على أنه مع إعلان الاحصائيات بشكل رسمى دون والتعامل معها بفخر؛ لأنه من قيم المجتمع المصرى التنوع الموجود فيه.