رئيس التحرير
خالد مهران

فتوى الإمام الأكبر حول تعدد الزوجات تشعل الحرب بين السلفيين والأزهر

الإمام أحمد الطيب
الإمام أحمد الطيب

أشعل حديث الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، حول تعدد الزوجات نيران الحرب بين الفقهاء، وبخاصة السفليون منهم والأزهر، وذلك على أثر فتواه بأنه لا يجب اللجوء إلى التعدد فى الزوجات؛ إلا لحل المشاكل المعقدة، التى يستعصى حلها، لافتا إلى أنه من العبث الدعوة لتعدد الزوجات، دون ضرورة أو سبب، ولغرض التعدد فقط.
 
وأضاف "الطيب"، فى لقاء له بأحد البرنامج الفضائية: "كثيرون يقولون إن التعدد فى الزوجات، أمر مطلوب فى الشرع الإسلامي، وأنا أتحدى أن يأتوا بآية، أو حديث يأمر الرجل بأن يتزوج اثنتين، أو ثلاثة، أو حتى يفضل له ذلك".

وتابع: "لا يمكن أن يُقال هذا الكلام، فى ظل نص يقول: "فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً"، وقوله: "وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ"، فلو صح ذلك فسيكون هناك تضارب، مشيرا إلى أن الإسلام ينظر إلى تكوين الأسرة بطريقة مشرفة، قائلا: "العلاقة بين الرجل وزوجته، يجب أن تقوم على المودة، والاحترام المتبادل؛ لأنهما عنصران فى بنيان الأسرة، والعادات والتقاليد فى بعض الأحيان، تقلل من شأن المرأة"، مؤكدا أن تعدد الزوجات دون أسباب "عبث وهراء".

وشدد الطيب فى فتواه، على أن الذهاب إلى تعدد الزوجات، لا يجب إلا عند استحالة الحياة مع الزوجة الأولى، والصلح بينهما لقوله تعالى: "وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ"، وقوله "فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا".

وما أن تمت إذاعة هذا الحديث للإمام الأكبر، حتى اندلعت من جديد نيران الحرب بين علماء الأزهر الشريف، والسلفيين، خاصة أن الفريق الأخير من أشد المؤيدين لتعدد الزوجات، وقل أن يوجد شيخ منهم، غير متزوج من امرأتين أو ثلاثة، وأحيانا 4 زوجات. 

المثير أنه خلال حضور الدكتور الطيب، مناسبة عامة، وجه بعض الحضور من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية، وهيئة كبار العلماء، عتابا لشيخ الأزهر على فتواه، وقدم له بعضهم أدلة على جواز تعدد الزوجات بشكل عام، سواء فى الضرورة، أو فى غيرها، طالما أن الرجل يتمتع بصفات العدل، والصحة، والمال، وقدم عدد من أعضاء هيئة كبار العلماء نصوص أبحاث، صادرة عن لجنة البحوث الفقهية بالأزهر، تخالف ما ذكره الطيب، ومنها بحوث وفتاوى صادرة منذ عهد الدكتور جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر، وعدد من مفتى مصر منذ عام 1952. 
واعتبر البعض أن هذا الخلاف سبب فى توريط هيئة كبار العلماء، فى الأزمة مطالبين بمناقشة هذه الموضوع خلال اجتماع كبار العلماء القادم، والفصل فى تلك القضية، بشكل نهائى.

ويرى أصحاب الرأى المعارض للطيب، أن فتواه، تخالف ما صدرعن دار الإفتاء المصرية، بشأن تعدد الزوجات، من فتوى رسمية صادرة بتاريخ 26 أكتوبر 2014، تحت سؤال: ما حكم تعدد الزوجات؟ وهل هناك حكمة من ذلك؟ حيث جاء بالإجابة أن "الذى يدفع العلماء إلى الحديث عن تعدد الزوجات والترغيب فيه، هو شيوع الحملات التى تعارض التعدد وتحرّمه، وتسعى إلى تجريمه ومنعه بالقانون، كما حدث فى بعض الدول، وأصحاب هذه الحملات بعضهم من المسلمين المفتونين بالحضارة الغربية، المهزومين نفسيا، الذين يتحرجون من انتقاد الغرب؛ لإباحة التعدد فى الإسلام، وبعضهم من الحاقدين المارقين عن الدين، الحريصين على إشاعة الانحلال والفساد بالمجتمعات الإسلامية". 

وأضافت الفتوى: "أثرت هذه الحملات فى كثير من البلاد الإسلامية حتى استقر فى نفوس كثير من النساء، أن التعدد جريمة أخلاقية وخيانة للزوجة. ولا شك أن تحريم ما أحله الله، أو تقييده بما لم يرد به الشرع، محادة لله ورسوله، وافتراء على شرعه، وذلك ما لا يجوز السكوت عنه، بل ينبغى للعلماء القيام بواجبهم، ببيان الحق ودفع الأباطيل، وكشف الشبهات، كما أن ما تعانيه مجتمعات المسلمين من مشاكل العنوسة، التى وصلت إلى مراحل خطيرة، ووجود أعداد كبيرة من المطلقات والأرامل، مع ما يعرف فى الإحصائيات بزيادة أعداد النساء عن الرجال، كل ذلك فى ظل أمواج الفتن التى تحيط بالمسلمين، يدفع الغيورين على دينهم، والحريصين على طهارة مجتمعاتهم، إلى حث المسلمين على تيسير أسباب الزواج الشرعي، صيانة للمجتمع عن الوقوع فى الفواحش، وتحصيلا لما يحققه الزواج من مصالح شرعية واجتماعية ونفسية".

وتابعت: "أما عن حكم التعدد فهو الإباحة بشرط القدرة عليه والعدل بين الزوجات، أما أن يقال إن حكمه مندوب، أو أنه أفضل من الاقتصار على زوجة واحدة، هكذا على الإطلاق، فهذا ما لا يدل عليه دليل معتبر من الشرع، لكنه قد يكون فى أحوال معينة مندوبًا، وقد تعتريه الأحكام الشرعية من الوجوب والكراهة والتحريم، اعتبارًا بحال الرجل، أما عند الإطلاق فهو مع تحقق شروطه مباح فقط. قال الماوردى الشافعي: فَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعًا بِقَوْلِهِ: مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، وَنَدَبَهُ إِلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى وَاحِدَةٍ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً وَذَهَبَ ابْنُ دَاوُدَ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَسْتَكْمِلَ نِكَاحَ الْأَرْبَعِ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ بِهِنَّ وَلَا يَقْتَصِرَ عَلَى وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهَا، وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى وَاحِدَةٍ وَإِنْ أُبِيحَ لَهُ أَكْثَرُ: لِيَأْمَنَ الْجَوْرَ بِالْمَيْلِ إِلَى بَعْضِهِنَّ أَوْ بِالْعَجْزِ عَنْ نَفَقَاتِهِنَّ، وَأَوْلَى الْمَذْهَبَيْنِ عِنْدِى اعْتِبَارُ حَالِ الزَّوْجِ؛ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تُقْنِعُهُ الْوَاحِدَةُ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُقْنِعُهُ الْوَاحِدَةُ لِقُوَّةِ شَهْوَتِهِ وَكَثْرَةِ جِمَاعِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الْعَدَدِ الْمُقْنِعِ مِنَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ لِيَكُونَ أَكْنَى لِبَصَرِهِ وَأَعَفَّ لِفَرْجِهِ".

واستطردت الفتوى: "كما ان الفتوى تتعارض أيضا عما صدر من رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف الأسبق الشيخ على أبو الحسن عندما طالب بتعدد الزوجات لعلاج أزمة العنوسة مطالبا اى رجل قادر ماليًا وصحيا أن يتزوج بأكثر من واحدة وبدون موافقة الزوجة الأولى طالما قادر على العدل بين زوجاته بشأن أمور الحياة".

ويقول الدكتور محمد عبد الرحمن أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر إن شرط إباحة التعدد هو القدرة عليه بدنيا وماليا، والعدل المقصود فى الآية الكريمة "فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة"، وهو ما يتعلق بأمور الحياة من ملبس ومأكل ورعاية، لكنه لا يتعلق بالعدل فى الحب؛ لأنه صعب، فإذا آنس الرجل فى نفسه القدرة البدنية والمالية والقدرة على العدل أبيح له الزواج والتعدد. 

وأضاف أن ما يسببه الزواج بأخرى من إيذاء نفسي، وتوتر عصبي، وغير ذلك، بالنسبة إلى الزوجة الأولى، يجعل الزوج مطالبا، على جهة الاستحباب، بأن يتلطف بزوجته، ويقنعها بالأمر، وأن يبذل لها ما يجبر خاطرها؛ لأن هذا من العشرة بالمعروف، وإن ترك التعدد حفاظا على مشاعرها، فيؤجر على ذلك. 

وأوضح أن الزوج ينبغى له أن يوازن بين المصالح والمفاسد من هذا الزواج، فيفعل الأصلح، وهذا يختلف باختلاف الناس، لكن لا نقول إن التعدد مفاسده أعظم من مصالحه، بدعوى أنه يدمر البيوت ويشتت الأبناء، وغير ذلك؛ لأن الذى شرع التعدد أدرى بالمصالح، وأعلم بالعواقب، قائلا: "نعم يقع هذا أحيانا، لكن نادرا ما يقع، وأما مجرد الغيرة الطبيعية لدى النساء، وما يحصل بها من إيذاء نفسى ومشقة على المرأة فليست مفسدة تعادل مصالح التعدد الكثيرة".
 
وقال الدكتور عبد الرحمن إن منع التعدد أو تقييده ظلم للرجل وللمرأة؛ فمنعه قد يدفع إلى الزنا؛ لأن عدد النساء يفوق عدد الرجال فى كل زمان ومكان، ويتجلى ذلك فى أيام الحروب، فَقَصْر الزواج على واحدة؛ يؤدى إلى بقاء عدد كبير من النساء دون زواج، وذلك يسبب لهن الحرج، والضيق، والتشتت، وربما أدى بهن إلى بيع العرض، وانتشار الزنا، وضياع النسل.

وأشار إلى أن نظرة الإسلام عادلة متوازنة قائلا: "الإسلام ينظر إلى النساء جميعهن بعدل، والنظرة العادلة تقول ما ذنب العوانس اللاتى لا أزواج لهن؟ ولماذا لا يُنظر بعين العطف والشفقة إلى من مات زوجها، وهى فى مقتبل عمرها؟ ولماذا لا ينظر إلى النساء الكثيرات اللاتى قعدن دون زواج؟

فالأفضل للمرأة أن تنعم فى ظل زوج معه، زوجة أخرى فتطمئن نفسها، ويهدأ بالها، وتجد من يرعاها، وترزق بسببه الأولاد، أم تقعد بلا زواج البتة؟!