شيخ الأزهر: السجون لا تولد الفكر السليم
قال الإمام الأكبرأحمد الطيب شيخ الأزهر: إن ظاهرة التكفير ليست بجديدة على المجتمعات الإسلامية، حيث بدأت مع ظهور الخوارج في خلافة علي –رضي الله عنه- لكنها اندثرت باندثارهم إلى أن أحياها أبو الأعلى المودودي وسيد قطب، من خلال فكرة الحاكمية التي تنتهي بالضرورة إلى فكرة التكفير، والحاكمية تعني عندهم أن الله هو الحاكم فقط، ومَن يدَّعي أنّ له حرية في أنْ يحكم أو يصدر قوانين يخضع لها البشر فهو كافر؛ لأنه ينازع الألوهية في أخص خصائصها وهي الحاكمية.
والذي يطيع مَن يحكم ويضع القوانين الحاكمة فهو أيضًا - وفقًا لكلام المودودي - مشرك؛ لأنه اتَّخذ من دون الله إلهًا آخر،مشيرًا إلى أن ظاهرة التكفير لم تكن معروفة في المجتمع قبل 1967م حتى على مستوى طلاب الأزهر الذي كانوا يرون أن هذه الظاهرة انحراف مفاجئ ظهر في تاريخ الفكر الإسلامي واندثر.
وأضاف فضيلته في حلقة أمس من برنامجه (الإمام الطيب) الذي يذاع يوميًّا طوال شهر رمضان المعظَّم على التليفزيون المصري وقنوات سي بي سي إكسترا، وإم بي سي مصر، وتليفزيون أبو ظبي وعدد من القنوات الفضائية الأخرى، أن فكرة الحاكمية نشأت في السجون في عام 1967 وما بعدها حينما طُلب من الشباب المسجون كتابة وثيقة لتأييد الحاكم في ذلك الوقت؛ لإخلاء سبيلهم، فبعضهم كتب هذه الوثيقة، لكن فوجئوا بالبعض الآخر يعترض اعتراضًا شديدًا، معتبرًا أن هذا تخاذل في الدين ورفض أن يكتب الوثيقة، ومن هنا أصبح في الجماعة الإسلامية نفسها مجموعة قبلت أن تؤيد الحاكم، ومجموعة رفضت.
والمجموعة التي رفضت لم تكتف بالرفض وإنما اعتبرت المؤيدين للحاكم كفارًا، حتى اعتزلوهم في السجن ورفضوا أن يصلوا معهم، بل قالوا: إنه لا فائدة لصلاتهم لأنهم كفار، ويمكن ربط هذا بفكرة التكفير عند سيد قطب حينما سخر من الذين يريدون تطبيق الشريعة حينئذ، فكان يقول لهم ساخرًا: "هذا مجتمع كافر، فكيف تريدون تطبيق الشريعة في هذا المجتمع الكافر؟ أَوْجِدوا المجتمع الإسلامي ثم بعد ذلك نادوا بتطبيق الشريعة"، فهذا ما حدث من الجماعة المنشقة التي كفرت الجماعة التي أيدت الحاكم وفصلتها شعوريًا فلم تُصلِّ وراءها ولا معها، بل هناك خطوة أبعد من ذلك قالوا: لا فائدة من صلاتها.
وأكد الإمام الأكبر أنه لا يمكن أن تولد فكرة داخل السجون وتكون سليمة؛ لأن هذه الفكرة لا تستمد من قواعد دينية واضحة، وفكر الضغوط دائما فكر أزمة، نشأ عنه تكفير المجتمع وتشكيل الجماعات والأفكار وقراءة هذه الأفكار في ضوء ضغط هذه الأزمة وفى الجو المتوتر لها.
وهذه الأفكار لا تمت إلى الإسلام بصلة على الإطلاق، وإلى جانب السجون هناك سبب آخر لنشوء ظاهرة التكفير وهو تراث الغلو والتكفير الذي ظهر في ظروف معينة، وفى ظروف هجوم التتار على المسلمين، وهذه أسباب مقبولة لكن هذا هو فقه الواقع الموجود في هذا الواقع، فإذا تحرك هذا الواقع يبطل هذا الفقه، موضحًا أن فكر ابن تيمية كان انعكاسا للتضييق عليه في الحياة والحرية ، وليس ابن تيمية هو الذي يصوغ للأمة تراثها ، فهو واحد من بين مليون، فلماذا يترك المليون الذين يرى حرمة التكفير ويرى أن آخر كلام للنبي صلى الله عليه وسلم " أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا "، ولماذا وجدنا أن هناك جزءًا من فقه عام عند فقيه واحد معين ولظروف معينة يُضخَّم ويصور على أن هذا هو الإسلام وأن بقية الأمة ضالة وأن بقية الأمة منحرفة؟، هذا هو الذي أدى بنا إلى ما نحن فيه .
وأشار "الطيب" إلى أن 99% من المسلمين يقولون إن النبي _صلى الله عليه وسلم_ حدد من هو المؤمن، وهنا أؤكد أن الكفر ضد الإيمان وليس ضد الإسلام، وهذه نقطة فنية لابد معرفتها، قال تعالى: " قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ..."؛ لأن الإيمان اعتقاد والكفر اعتقاد، أما الإسلام فهو عمل، والعمل الذي هو الإسلام يقوي الإيمان، وهذا يعني أنك إذا آمنت بالله ثم بعد ذلك عملت بالمأمورات واجتنبت المنهيات.
فإيمانك يزيد والعكس صحيح، لكن مهما كان العمل مخالفًا ومهما ارتكبت من الكبائر فهذا لا ينقض الإيمان بمعنى أنه يزيله، قد ينقصه ولكنه لا ينقضه، فكان شيوخنا يقولون ينقص ولا ينقض، ولما سئل النبي _صلى الله عليه وسلم_ ما الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر" فمن يؤمن بهؤلاء فهو مؤمن ولا يسمى كافرا حتى لو عاش حياته كلها يرتكب الكبائر ولا يفعل طاعة واحدة ومات مُصرًّا على كبائره.
وأمره مفوض إلى الله، هذا هو الفقه الذي درجت عليه الأمة، ونحن كأزهريين في سن الصغر ما بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة سنة حفظنا: "ومن يمت ولم يتب من ذنبه فأمره مفوض لربه" إذن لا يحق لأحد أن يقول لمن ارتكب أي كبيرة مهما كانت الكبيرة أنت كافر باستثناء كبيرة الشرك؛ لأن الشرك تكذيب لأي معتقد من المعتقدات .
واختتم الإمام الأكبر حديثه بأنه "لا يخرجك من الإيمان إلا جحد ما أدخلك فيه"، أي: إلا إنكار ما أدخلك فيه، فالذي أدخلك فيه الإيمان هو بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فإذا أنكرت أي ركن من أركان الإيمان بالله، تكون حينئذ كافر، مؤكدًا أن الأمة احتاطت للتكفير احتياطًا كبيرًا ، وضيقت التكفير وجعلته في أضيق نطاق.