شيخ الأزهر: «الخلافة» لم يرد بها نص في القرآن الكريم
قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إنَّ "الخلافة" لم يرد بها نص فى القرآن الكريم، ونحن أهل السنة نعتقد تمام الاعتقاد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك أمر الإمامة أو الخلافة للشورى واختيار المسلمين يحددون فيه ما يرونه، حيث لم يحدد لنا النبي-صلى الله عليه وسلم- صورة معينة أمرنا أو حتى نصحنا بأن نلتزم بها، وتنعقد الإمامة ببيعة أَهْل الحَلِّ وَالعَقْدِ من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم، كما حدث في سقيفة بني ساعدة.
وأضاف في حلقة أمس من برنامجه (الإمام الطيب) الذي يذاع يوميًّا طوال شهر رمضان المعظَّم، أن الأمة كما قال الله تعالى في سورة المؤمنون "وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ" لا تعني الدولة الواحدة وإنما أمة المسلمين يجمعها دين واحد وشريعة واحدة، بغض النظر عن تفرقهم جغرافيًّا أو كأنظمة في عدة دول، فالكل أمة مسلمة، ولذلك لا يمكن عزل إندونيسيا مثلًا عن أمة الإسلام أو ماليزيا أو مصر..، لافتًا إلى أن أمة الإسلام في ذلك الوقت كانت مثل أمة الرومان أو أمة الفرس، وكان لها خليفتها الأول سيدنا أبو بكر ثم الخليفة الثاني سيدنا عمر ثم الثالث سيدنا عثمان ثم الرابع سيدنا عليّ، بعد ذلك تغير شكل الحكم ثم عاد بعد ذلك إلى الخليفة، وهذا النمط في سياسة الحكم لا أستطيع أن أقول إنه نمط قرآني أو نمط نبوي، وإنما هو نمط واقعي في إطار أحكام الإسلام، جاء ليلائم الواقع لأن الأمم آنذاك كانت عبارة عن تكتلات، فكان على المسلمين أن يكونوا تكتلا واحدًا مواجهًا لهذه التكتلات يرأسه أو يديره خليفة.
وتابع الإمام الأكبر: "الدكتور السنهوري باشا قال: إن الظروف الآن لا تسمح لاستعادة الخلافة، ولكن لا شك أن الخلافة حلم جميل يحقق وحدة المسلمين ويضمن لهم القوة؛ فمَن يرفض أن يكون له خليفة كسيدنا أبي بكر الذي كان يقول "إن أحسنت فأعينونى وإن أسأت فقوموني" ومن يرفض أن يعيش في أمة على رأسها سيدنا عمر الذي كان يقول " لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها لِمَ لَمْ تُمهد لها الطريق ياعمر "، وهو مَن قال: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا "، وهذه أول مرة تستعمل كلمة "أحرار"؛ لأن كل الأنظمة المحيطة بالإسلام لم يكن الناس فيها أحرارًا.
وأشار "الطيب" إلى أن بعض أنظمة الخلافة الإسلامية لم تكن عادلة، وهذا لا مفر من الاعتراف به، ولكن الأنموذج الأمثل عندنا هو الخلافة الراشدة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ الذي كان يقبض على لحيته ويخاطب الدنيا ويقول "يا دنيا غُرِّي غيري قد طلقتك ثلاثاً" حتى إن الشيخ على عبد الرازق لما طعن على الخلافة وقال إنها استبداد، استثنى فترة الخلافة الراشدة؛ لأنها نموذج عجيب لم يتكرر، إذ لا يزال هو النموذج والمثال الذي نحلم به، ولا نحلم بالأمثلة الأخرى؛ لأن كثيرا من الخلفاء استبدوا ووقع منهم ظلم، مؤكدًا أن الخلافة ليست نصا في القرآن الكريم وإنما هي فقه واقع، هل الظروف تسمح أو لا تسمح؟ والظروف الآن لا تسمح؛ لأنه لم يعد للمسلمين دولة واحدة جغرافيًّا وإنما أصبحت دولًا، كما أن لكل دولة نمطا معينا من أنظمة الحكم تختاره، وكان من توفيق الله أن الإسلام فتح للمسلمين أن يختاروا النمط الذي يناسبهم، فلو أنه قيدنا بنمط معين وتغيرت الدنيا فماذا كنا نعمل الآن، وهذه المرونة تعد من إعجاز الإسلام؛ لأنه لو جاء بصورة محددة وتجاوزها الزمن لأصبحنا بين أمرين: إما أن ترفض إسلامك وتشكك فيه، وإما أن تعيش منقطعًا عن الواقع والحياة.
وأوضح الإمام الأكبر أن هناك هيئات كثيرة هذه الأيام معنية بالشأن الإسلامي، وهي قريبة مما اقترحه العلامة الدكتور/ السنهوري باشا بتطور الخلافة لتصبح عصبة أمم شرقية؛ لأنه انتهى إلي أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل الآن في ظل تعدد القوميات وانقسام العالم الإسلامي إلى دول قُطرية أن يُنادَى بالخلافة الإسلامية الآن، مضيفًا "هذا أمر يكاد يكون مستحيلَ الحدوثِ الآن؛ لأنك إذا أردت أن تجمع العالم الإسلامي في دولة واحدة فعليك أن تغير أمورا وثوابت وقوانين دولية.
وأكد شيخ الأزهر أنه ليس مع الشيخ علي عبد الرازق في وصفه الخلافة بأنها أمر فيه تعدٍّ وفيه تضييق على الناس، فالإسلام ترك لنا الحرية في اختيار أي شكل من أشكال الحكم ما دام يحقق لنا فلسفة الإسلام فى الحكم، وعلى رأسها العدل والمساواة، وتحقيق مصالح الناس، ودفع الضرر عنهم، والفقه الذي هو أنسب للعصر الذي نعيش فيه.
واختتم "الطيب" كلامه بأن حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية ) إنما هو تشجيع للمسلمين على الاجتماع، الذي لا يُعيِّن صورة واحدة لهذا الحكم، مضيفًا "رسالتي للشباب ولكل المهمومين بقضية "الخلافة" ألا يهدروا طاقتهم ويضيعوا أوقاتهم في الجري وراء حلم بعيد يصعب كثيرا أن يتحقق، وعليهم أن يصرفوا جهودهم إلى أمر قابل للتحقيق كـأن يكون هناك اتحاد للدول الإسلامية يشبه الاتحاد الأوروبي ولا يقل عنه"