شيخ الأزهر يدعو المسلمين للحوار في جميع مناحي الحياة
قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر إنه "لا يختلف اثنان في الواقع على أهمية الحوار لحل أي مشكلة من المشكلات، والحوار ببساطة هو المراجعة وترداد الكلام بين اثنين متحاورين وعبر ضوابط محددة للوصول إلى إثبات قضية أو نفيها أو الاتفاق على رأي فيها سواء كان هذا الاتفاق على سلب هذه القضية أو على إثباتها، وعلينا أن نفهم منذ البداية أن الحوار له شروط دقيقة جدًا إذا اختلت هذه الشروط أو اختل شرط منها ينقلب الحوار إلى مشاكسة ومصادمة وتضليل وتزييف للأفكار، والحوار هذا علم للمسلمين فيه إسهامات كبرى بل هو علم إسلامي في معظمه وإلى عهد قريب كنا ندرسه في الكليات للطلاب بعنوان "قواعد البحث والمناظرة" أو "أدب البحث والمناظرة" ولكن للأسف الشديد لا يلتفت إلى هذا العلم الآن، إذ الحوار يهدف إلى البحث عن الحقيقة في قضيةٍ ما ليلتقي الطرفان في البداية.
وأضاف "الطيب" في حلقة أمس من برنامجه (الإمام الطيب) الذي يذاع يوميًّا طوال شهر رمضان المعظَّم، أن القرآن الكريم هو كتاب إلهي حواري بامتياز، فالله تعالى يتحاور مع الناس في القرآن، وطلب منا أن نتحاور فيما بيننا، وكلف الرسل أن يبلغوا رسالاتهم عبر الحوار، وقد وردت مادة "حوار" في القرآن الكريم، قال تعالى في سورة المجادلة (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، وذلك أن "خوله بنت ثعلبة" أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت له : يا رسول الله ، إن أوساً "أوس بن الصامت" تزوجني وأنا شابة مرغوب فِيَّ، فلما خلا سِنِّي، ونثرت بطني، جعلني عليه كأمه، وتركني إلى غير أحد، فإن كنت تجد لي رخصة يا رسول الله فحدثني بها ،فقال - صلى الله عليه وسلم:" ما أمرت بشيء في شأنك حتى الآن"، وفى رواية أنه قال لها: "ما أراك إلا قد حرمت عليه، فقالت: يا رسول الله، إنه ما ذكر طلاقًا، وأخذت تجادل النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قالت : اللهم إني أشكو إليك فاقتي، وشدة حالي، ولي من زوجي أولادًا صغارًا، إن ضمَّهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلى جاعوا، قالت: وما برحت حتى نزل القرآن، فقال - صلى الله عليه وسلم :"يا خولة أبشر، ثم قرأ (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ...) إلى آخر الآيات الكريمة التي تبين حكم الظهار وكفارته، وفي سورة الكهف الحوار الذي دار بين غنيٍّ كانت له جنتان وبين فقير شاكر، قال تعالى:(وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا(37)، فهنا ذُكر لفظ "الحوار" بمادته وبلفظه، وهناك حوار مع آدم -عليه السلام- وحوار رب العزة مع إبليس، وبه يُعلَمُ أنه لا يوجد شخص مستثنى من الحوار، فلا يصح أن يُقال: لن أتحاور مع هذا الشخص.
وتابع الإمام الأكبر: "إثبات أدلة وجود الله والبعث والنبوة واليوم الآخر كانت عبر منهج الحوار، كالحوار في قوله تعالى في سورة النمل: )أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (64) ، والحوار مع أهل الكتاب، والحوار مع الكفار، والحوار مع المنافقين، حتى الذين قالوا بقتل المرتد اشترطوا الاستتابة بأن يكون معه حوار لأيام وقيل لشهر، وهذا من مرونة الإسلام الذي من المستحيل أن يفرض العقيدة على أي قلب، لأن القرآن الكريم قرر حقيقة اختلاف الناس، ولا يمكن أن يقرر هذه الحقيقة، ثم بعد ذلك يقرر فرض الرأي، هذا مستحيل، بل لا بد الاقتناع عن فهم.
وأوضح شيخ الأزهر أن من شروط الحوار أن يكون كل من المتحاورين على استعداد لأن يقبل الحقيقة في النهاية بقلب مفتوح، وأن يكون عبر وسائل منطقية معينة للوصول في النهاية إلى رأي هو الصواب، مؤكدًا أنه لا يصح الدخول في حوار منذ البداية وكل من المتحاورين متمسك برأيه، وإصرار على عدم الالتقاء، فهذا ليس حوارًا، وهو للأسف الشديد ما نراه الآن كثيرًا فيما يسمى بحلقات الحوار، إذ نجد أحد المتحاورين لا يُسلِّم للآخَر ويعتمد أسلوب المرواغة والسفسطة، والضحية في ذلك المشاهد والسامع، وهذا ما شجعني على عدم متابعة مثل هذه البرامج، وجعلني أعيش مع كتب الأقدمين؛ لأن تراثنا العقلي يتميز بضبط رهيب في هذه الحوارات، لا يوجد مثله في أي تراث آخر.
واختتم الإمام الأكبر حديثه بأنه لا بد من أن يكون هناك موضوع حقيقي يعرفه المشاهدون من خلال الحوار الذي يدار في الإعلام، فلا يمكن أن تدور حلقة الحوار كلها ربما على خاطرة في صحيفة أو في موقع من مواقع التواصل الاجتماعي، وكأن هناك موضوعًا حقيقيًا، كما أنه لا بد أن ينتبه المتحاوران إلى ضرورة عدم تسلل التناقض في الكلام؛ لئلا تتضاد الحقائق وتتضارب، بالإضافة إلى ضرورة الهدوء في أثناء الحوار، والاستماع للطرف الآخر حتى يعرض وجهة نظره؛ للوصول إلى الحقيقة.