بالأرقام والدلائل.. انخفاض إيرادات قناة السويس يضع السيسي في "ورطة"
لعبت «الماكينة الإعلامية» الداعمة لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، دورًا كبيرًا في تصوير مشروع قناة السويس الجديدة بأنه «مشروع القرن»، الذي سيخرج مصر من كل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها الدولة.
لكن ما حدث بعد ذلك، كان «كابوسًا حقيقيًا» يطارد نظام السيسي؛ حيث حققت إيرادات القناة في سبتمبر 2015 عقب افتتاحها مباشرة 448.8 مليون دولار، مقابل 462.1 مليون دولار فى أغسطس من نفس العام، بتراجع قدره 13.3 مليون دولار؛ بعد انخفاض عدد السفن المارة.
وواصلت إيرادات القناة انخفاضها، لتسجل 33.1 مليون دولار خلال شهر أكتوبر2015، مقارنة بنحو 482.3 مليون دولار فى أكتوبر 2014، حيث بلغ عدد السفن المارة بقناة السويس خلال أكتوبر الماضى 1500 سفينة، وبمتوسط 50 سفينة يوميًا، وبنسبة تراجع 3.7%، مقارنة بأكتوبر 2014، الذى سجل مرور 1558 سفينة.
ومع بداية العام الحالى 2016، شهدت إيرادات القناة تراجعًا، فى شهرى يناير وفبراير، قبل أن ترتفع فى مارس بنحو 11.8%، وبلغت الإيرادات خلال مارس 3 مليارات و477 مليون جنيه مقارنة بـ3 مليارات و108 ملايين جنيه فى فبراير من نفس العام، فى حين أن هيئة قناة السويس، أشارت فى بيان لها إلى أن القناة شهدت خلال شهر مارس عبور 1454 سفينة بحمولة 80 مليونًا و495 ألف طن، مقابل 1437 سفينة فى مارس 2015 بحمولة 82 مليونًا و528 ألف طن.
وأفادت بعض التقارير الموضحة للحصيلة النهائية بعد مرور عام على افتتاح قناة السويس الجديدة، بأن إجمالى إيرادات هيئة قناة السويس الجديدة فى عام واحد بلغت 2.646 مليار دولار، فى مقابل مديونيات بلغت 1,4 مليار دولار، بينما وصلت نسبة القروض الداخلية للقناة 13.3 مليار دولار، حتى وصل إجمالى خسائر القناة بعد عام واحد من العمل 8 مليارات جنيه.
وفيما يتعلق بالإيرادات الناتجة عن مرور السفن بالقناة، ذكر مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، أنه يتوقع ارتفاع إيرادات القناة لتصل إلى 13.3 مليار دولار حتى 2030، بمعدل نمو اقتصادى عالمى 10%.
لكنه عاد ثانية في يناير 2016، وقال إن قيمة إيرادات القناة بالدولار تراجعت بنسبة 5.3% لتبلغ 5.175 مليار دولارعام 2015، مقارنة بـ 5.465 مليون دولار عام 2014.
وعندما أعلن السيسي عن مشروع قناة السويس، تزايدت روح الأمل عند المصريين، وخاصة بعد الإعلان عن مشاركة المواطنين ومساهمتهم فى الجانب المالى للقناة عن طريق شراء شهادات الاستثمار، بنسبة فوائد تصل إلى 12%، ومساندة المشروع ودعمه؛ من أجل بناء النهضة المصرية الحديثة التى وعد بها فى خطاباته، لكن انخفاض إيرادات القناة أطاحت بكل تلك الآمال.
ولم يكن انخفاض إيرادات القناة، بالأمر الجديد أو المفاجئ، فقد توقع عدد كبير من الخبراء حدوث ذلك ومنهم «عمر الشنيطي»، الخبير الاقتصادي، والذي قال: «لقد بنى النظام حسابات الأرباح على توقع تضاعف عدد السفن المارة بقناة السويس من 48 حاليًا لـ97 في سنة 2023، والحقيقة أن هذا مستحيل؛ لأن التوقعات بزيادة حجم التجارة العالمية، أقل بكثير جدًا من تلك الأرقام.
وتابع:«حجم السفن المارّة من قناة السويس مرتبط بشكل أساسيّ بحركة التجارة العالميّة والتي تزيد بنسبة 2 : 3% في الفترات العاديّة من دون فترات الركود، وهو ما يثير القلق في حقيقة تحقيق الأرقام والإيرادات المرجوّة.. النتيجة الأرجح أن المشروع لن يغطي حتى تكاليفه.. هل يعقل أن تسحب عشرات المليارات من السوق المصري فى مثل هذا التوقيت الحرج للاقتصاد الوطني لتضعها فى مشروع من هذا القبيل ؟؟!!!..
واستكمل: «العائد الماليّ من شهادات الاستثمار سيتمّ تمويله من أرباح قناة السويس.. وبالتالي، هناك مشكلة في الجدوى الاقتصاديّة، والتي ستؤثّر على صافي الدخل للقناة الذي كان يخصّص لسدّ العجز، وتمويل جزء من الموازنة العامّة للدولة».
وذكر «أورس مول»، العضو المنتدب لخط سفن «PIL» السنغافورى فى مصر، أن الفكرة من مشروع قناة السويس الجديدة ضد الأسس العلمية للنقل البحري، وتناقض التوجهات العالمية فى هذا المجال؛ لأن الاتجاه المعروف لجميع المتخصصين هو تقليل عدد السفن وتقليل عدد مرات العبور تدريجيا لا تكثيرها من خلال الاعتماد على سفن عملاقة.
وتابع:«تنمية القناة بالصناعات والخدمات اللوجستية هى المشروع القومي الحقيقي لمصر، ولكن النظام المصري أنفق عشرات المليارات على الحفر، والأولى كان تأسيس البنية التحتية للصناعة والخدمات».
وأكد «نيل ديفيدسون»، محلل بشركة «دروري» للاستشارات الملاحية، في تصريحات صحفية، أنه لزيادة العائدات.. يجب أن تمر سفن أكبر عبر القناة، أو يتم رفع رسوم العبور، أما كثافة المرور فهي تعتمد إلى حد كبير على التجارة الدولية».
وتابع: «يُفترض أن يشجع تخفيض عدد ساعات الانتظار على مرور عدد أكبر من السفن، ولكن ذلك مجرد عامل واحد وسط عوامل كثيرة، خارج إطار سيطرة مصر».
وختم:«ورغم أن مصر قادرة على تحديد قيمة رسوم عبور القناة من جانبها، إلا أن زيادتها قد تؤدي إلى ترجيح كفة الطرق الملاحية البديلة، خطوط الملاحة حساسة تجاه المستوى الحالي للرسوم، وبشكل واضح هناك مرونة في الطلب على استخدام القناة».
قضية انخفاض إيرادات القناة، تثير العديد من الجدل خاصة مع تحول إدارة الهيئة لإعلان إيرادات القناة بالجنيه بدلا من الدولار؛ للتغطية على أزمة انخفاض دخل «مشروع القرن المزعوم»، وهو ما يمثل نوعًا من أنواع «الخداع» للشعب.
وفي هذا الإطار، أكد مجدي عشماوي، الخبير الاقتصادي، أن هدف حفر قناة السويس الجديدة، كان «ساسيًا» أكثر من كونه «اقتصاديًا»، موضحا أن النظام نجح فى إحداث صدى سياسي لهذا المشروع، وتضخيم الآمال والفوائد من وراء هذا المشروع.
وتابع «عشماوي»:«إحنا عشمنا نفسنا بعوائد وهمية فى زمن وهمي لمشروع قناة السويس التي لم تحقق الإيرادات التى تم الإعلان عنها من جانب المسئولين حتى الآن»، موضحًا أن تنفيذ مشروع قناة السويس الجديدة لم يتم تنفيذه بناءً على دراسة جدوى، مشيرًا إلى أنه من الضرورى تنمية محور القناة بمشروعات لوجيستية مثل إنشاء وتطوير الموانئ، وإنشاء مناطق تجارية حرة، للعمل على جذب العملة الصعبة.
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن قناة السويس الجديدة تسببت في وجود «دين محلي»، فى حين أن إيرادات القناة لا تستطيع سداد هذا الدين؛ بسبب انخفاض الإيرادات بنسبة كبيرة، مقترحا ضرورة تحقيق تسويق دولى للقناة فى الدول المختلفة.
وفي نفس السياق، قال رضا عيسى، الخبير الاقتصادى: «لايوجد قناة يطلق عليها اسم قناة السويس الجديدة، وإنما الصحيح هو إطلاق اسم التفريعة الجديدة عليها».
وأضاف رضا عيسي، لـ«النبأ»، أن الملاحة العالمية وانخفاض تداول الاقتصاد الصيني من أهم العوامل الأساسية فى انخفاض وتدمير إيرادات قناة السويس الجديدة، مشيرًا إلى أن الملاحة العالمية لا يستطيع أحد التحكم فى تحريكها بشكل مباشر.
وتابع أن الشهادات الادخارية للقناة أصدرتها وزارة المالية، وهي المسئولة عن سداد فوائدها للمواطنين.
وأشار إلى أن قيمة مدخرات المواطنين في الشهادات الاستثمارية بقناة السويس، انخفضت؛ بسبب الدولار، موضحًا أن الدولار كان قيمته 7 جنيهات، ولكن فجأة وصل الدولار إلى 13 جنيهًا، ومع خفض قيمة الجنيه، سيؤثر سلبًا على قيمة مدخرات الشهادات.
وفي المقابل قال المهندس خيري الخولي، خبير الملاحة البحرية، إن إيرادات قناة السويس انخفضت نتيجة عوامل خارجية، منها حالة الكساد العام الذي حدث في النقل البحري عمومًا وفي الملاحة على مستوى العالم، بالإضافة إلى هبوط سعر البترول، ما أثر بشكل كبير على عمليات النقل، والاستيراد والتصدير.
وأكد مختار الشريف، الخبير الاقتصادي، أن المتحكم الأول والأساسي فى إيرادات قناة السويس هى حركة التجارة العالمية، مشددا على أن التحكم المحلي ليس له أى وجود مؤثر يساهم فى زيادة إيرادات القناة بشكل مباشر وفعال.
وأضاف مختار الشريف، أن قناة السويس الجديدة تتميز بتقديمها خدمات للعديد من الدول وساهمت فى تقليل مدة المرور، وخاصة بعد زيادة الخدمات اللوجيستية بها، موضحا أن مصر تحاول تقديم أقصي ما تستطيع من الخدمات والعمل على تطوير المحور، ولكن الركود الدولى لحركة التجارة يبقي هو صاحب الكلمة العليا فى تحديد عدد السفن المارة ونسب إيرادات القناة.
وبشأن فوائد استثمار القناة، قال صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، إن قناة السويس عليها تسديد فوائد الـ63 مليار جنيه قيمة الشهادات الادخارية للمواطنين، متوقعًا مشاركة البنك المركزي في هذا الأمر؛ لأن عائدات القناة لا تكفي احتياجات ومصروفات الدولة.
وأضاف لـ«النبأ»، أن تدخل البنك المركزي في سداد تلك الفوائد سيحمل الدولة أكثر من طاقتها، مشيرًا إلى أن هناك عددًا من المشروعات التنموية التي يتم إقامتها في قناة السويس مثل مشروع تنمية محور القناة، سيزيد من إيراداتها.
وأشار إلى أن التباطؤ في النمو الاقتصاد العالمي، أدى إلى ضعف الإيرادات القادمة من القناة، موضحًا أن مشروع تنمية المحور لم يتم إقامته؛ بسبب خروج بعض المستثمرين من المشروع، بالإضافة إلى عدم وجود قانون واضح للاستثمار.
وأوضح "فهمي"، أن إيرادات قناة السويس انخفضت خلال السنتين الماضيتين أكثر من النسبة التي أقرتها دراسات الحكومة، مضيفًا، أن ارتفاع سعر الدولار خلال الفترة الماضية أثر بشكل كبير على قيمة الشهادات الادخارية للقناة، بنسبة تصل إلى 20%.