رئيس التحرير
خالد مهران

سر انحياز السيسي لـ"شيخ الأزهر" ضد وزير الأوقاف رغم دعم الأجهزة الأمنية لـ"جمعة"

شيخ الأزهر ومختار
شيخ الأزهر ومختار جمعة


استطاع الإمام الأكبر الدكتور «أحمد الطيب» شيخ الأزهر، الخروج منتصرًا من معركة الخطبة المكتوبة، وتوجيه ضربة قاضية لوزير الأوقاف الدكتور «محمد مختار جمعة»، في إطار جولات الحرب الباردة بين الطرفين.

وفي هذا الإطار، حصلت «النبأ» على تفاصيل غاية في الأهمية، تتعلق بأسباب تحول دفة الدولة مع شيخ الأزهر، رغم وقوف جميع أجهزتها - وخاصة الأمنية - مع وزير الأوقاف، في قراره بشأن الخطبة المكتوبة، حيث كشفت مصادر مقربة من شيخ الأزهر، أن الإمام الأكبر حمل معه - قبل ذهابه للقاء الرئيس السيسي - بعض الأوراق الهامة، التي كانت سببًا مباشرًا في التراجع عن الخطبة المكتوبة.

ومن أبرز تلك الأوراق، تقديم «الطيب» لتقرير عن أسباب تأخر التقدم في ملف تجديد الخطاب الديني، وذكر منها قيام كل مؤسسة دينية - كالإفتاء والأوقاف - بالعمل بشكل فردي في هذا الملف، وطالب شيخ الأزهر بضرورة توحيد المؤسسات الدينية تحت مظلة مشيخة الأزهر والإمام الأكبر، بحيث تكون المشيخة هي الجهة الوحيدة المسئولة عن الدعوة في مصر، بحكم المادة السابعة من الدستور، وهناك طرح فكرة إنشاء الأكاديمية المهنية لتأهيل الدعاة والأئمة، وبذلك تكون أول خطوة لإبعاد الأوقاف عن تأهيل الأئمة، وتم الاتفاق - خلال لقاء السيسي بشيخ الأزهر - على إلغاء فكرة الخطبة المكتوبة؛ لكون تطبيقها في الوقت الحالي غير مناسب، في ظل وجود نقص حاد في الأئمة المؤهلين، وأكّد شيخ الأزهر أن تطبيق الخطبة المكتوبة - حاليًا - لن يفيد ملف تجديد الخطاب الديني بشيء.

ووفقًا للمعلومات، فإن السيسي تحدث مع شيخ الأزهر عن وجود تقارير أمنية تؤيد بشدة فكرة الخطبة المكتوبة، حيث كشفت تلك التقارير عن أن القرار نوقش داخل مجلس الوزراء خلال أربع اجتماعات مختلفة، وتم مناقشة كافة التداعيات، كما أن الخطبة المكتوبة كانت أحد مطالب الجهات الأمنية، بعد التأكد من أن العديد من المساجد ليست تحت السيطرة الكاملة من قبل الأوقاف؛ مما مكن التابعين من السلفيين والجماعات الإسلامية والإخوان من استغلال المنابر في أغراض سياسية، كما لوحظ أن هناك نسبة من الأئمة يرفضون ثورة يونيو، وبالتالي يقومون بالهجوم على الرئيس والجيش والشرطة، عن طريق الإسقاط في خطبة الجمعة، ورغم تحذير الوزارة منهم، إلا إنها فشلت في التعامل معهم، وبالتالي كان السبيل الوحيد لوقف ذلك هو تطبيق الخطبة الموحدة، فضلًا عن أن هناك تعليمات صدرت للتلفزيون المصري لمساندة الأوقاف في قرار الخطبة المكتوبة، على أن يحرص التلفزيون على نقل صلاة الجمعة، بالخطبة المكتوبة.
 
الإمام الأكبر تحدث أمام الرئيس في أن هناك اعتراضًا شديدًا من جانب عدد كبير من أعضاء هيئة كبار العلماء على الخطبة المكتوبة، وهددوا بتقديم استقالاتهم  في حال تطبيقها؛ لعدم تنفيذ الدولة قرار كبار العلماء برفض الخطبة المكتوبة، مما سيترتب عليه ضياع هيبة الأزهر بعد ذلك، خاصةً وأن هناك مصالح مشتركة بين الدولة والأزهر خلال الفترة المقبلة، حيث ستحتاج الدولة لرأي الأزهر في القانون الذي سيناقش داخل مجلس النواب فيما يخص إلغاء عقوبة ازدراء الأديان، وموافقة الأزهر مهمة لتمريره، كما أن هناك قانونًا ينتظر المناقشة داخل البرلمان خلال الدورة القادمة، يخص تطبيق الصكوك الإسلامية، كذلك هناك قانون إلغاء خانة الديانة، وإذا أصرت الدولة على تطبيق الخطبة المكتوبة، فقد يكون قرار الأزهر بشأن تلك القوانين محل تشكيك من قبل الرأي العام.

وأفادت المصادر، أن السيسي اقتنع بحديث شيخ الأزهر، واتفق على تنفيذ مقترح الأكاديمية المهنية لتأهيل الدعاة، على أن يتولى شيخ الأزهر مسئولية الدعوة في مصر، وأن على الأوقاف التنسيق معها في ذلك، وأعطى الرئيس الضوء الأخضر للأجهزة الأمنية في التراجع عن فكرة الخطبة المكتوبة بصفة مؤقتة، ورفض إلزام الأئمة بها انصياعًا لقرار هيئة كبار العلماء، وعلى أساس ذلك، تمت التهدئة بين الأزهر والأوقاف بصفة مؤقتة.

ووفقًا للمعلومات، فإن رئاسة الجمهورية سعت لترضية شيخ الأزهر على حساب وزير الأوقاف، بحكم أن الإمام الأكبر وأعضاء كبار العلماء هم الباقين، ولأن هناك مصالح مشتركة بينهم بحكم الدستور، في حين أن الوزير منصب يمكن التخلص منه في أي وقت.

بدأ الصدام بين وزارة الأوقاف وهيئة كبار العلماء حول الخطبة المكتوبة، يطفو على السطح، بعد كثير من الشائعات حول الخلافات التي كان سببها الحقيقي هو إصرار وزير الأوقاف على الخروج من عباءة شيخ الأزهر، وهو الأمر الذي لم يكن في حسبان الشيخ، الذي جعله يصدر قرارًا بإخراج وزير الأوقاف من عضوية المكتب الفني للإمام الأكبر، وإسناد رئاسة المكتب للدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر؛ مما دفع الوزير للرد بعزل «شومان» من رئاسة مجلس إدارة مسجد الحسين.

وصدرت الأزمة للمشهد العام، عقب انطلاق فعاليات المؤتمر الإسلامي الدولي الرابع والعشرين، دون حضور الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في سابقة تعد الأولى من نوعها، حيث يُشارك في المؤتمر وفود ووزراء أوقاف وعلماء من جميع دول العالم الإسلامية، مكتفيًا بإنابة عباس شومان وكيل الأزهر لحضور المؤتمر.
 
كما تبدو الصورة من الخارج، فإن وزير الأوقاف هو من بدأ بالهجوم، عبر ما يعرف بـ«أزمة المستشار القانوني لشيخ الأزهر»، الذي تواترت الأخبار حول اتهام وزير الأوقاف له بأنه ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، لكن الكثير من المقربين يرون أن المشيخة هي التي بدأت بالهجوم على وزير الأوقاف؛ للحد من ظهوره الإعلامى المكثف، الذي يبدو أنه مدعوم بضوء أخضر، حتى أن البعض بدأ يتندر أن وزير الأوقاف هو صاحب أكبر مساحة للحديث في السياسة بين الوزراء.
 
في الوقت ذاته، حالة الرغبة والاستحواذ، من قبل شيخ الأزهر، كانت محل انتقاد العديد من الشخصيات العامة والشخصيات الإعلامية، حتى أن بعضهم رأى الحرب الدائرة مع وزير الأوقاف فرصة للحد من هذه الحالة، وهو ما يفسر تأكيدات البعض بأن وزير الأوقاف ليس وحده في هذه المواجهة، ولكن جبهة ما تشكلت؛ بهدف تفكيك نفوذ الشيخ في المؤسسة الدينية، حيث تردد إن بوادر هذه الجبهة تمثلت في الهيئة العالمية لضمان جودة الدعوة في بروكسل، في أغسطس 2014، حيث تم تشكيل مجلس إدارتها من علماء في مجال الدعوة الإسلامية وتقييم الأداء وإدارة الجودة الشاملة؛ بهدف تطوير الأداء الدعوي وضبطه بعيدًا عن خطاب التطرف، وذلك بمباركة ومشاركة شخصيات أزهرية، لتكون.

وفقًا للبيانات الصادرة عنها، أول كيان عالمي متخصص في التأسيس لمفهوم الجودة في منظومة الوظيفة الدعوية، ولتكون - أيضًا - أول مؤسسة علمية مستقلة غير ربحية، كما إنها تعد جهة رقابية بل جهة لوضع معايير واعتماد مواصفات وتقديم استشارات للمؤسسات.
 
واعتبر الكثيرون أن وجود الدكتور مختار جمعة، في هذه الهيئة يعد تحديًا وتهديدًا واضحًا للأزهر ودوره العالمي، كما اعتبروا انضمام الدكتور محمد أبو هاشم نائب رئيس جامعة الأزهر، لها، اختراقًا لهيمنة شيخ الأزهر على جامعة الأزهر؛ وهو الأمر الذي ربما يكون قد عمق الخلافات بين شيخ الأزهر ووزير الأوقاف، لدرجة أن شائعات سرت في الوسط الدعوي بأن هذا الانضمام كان سببًا لسعي شيخ الأزهر للتخلص من الدكتور مختار جمعة.
 
كما وصل الأمر إلى درجة قيام شيخ الأزهر بترشيح خليفة لوزير الأوقاف في التعديل الوزاري الأخير، لكن يبدو أن الشيخ تعجل في هذه الخطوة، وأخطأ عندما قام بها دون أن تطلب منه، لكنه اعتمد على شائعات الفساد التي طالت الوزير وقتها، واعتقد أنها كافية لإزاحة الرجل عن منصبة، لكن المشيخة كلها فوجئت فيما بعد ببقاء الوزير في منصبه؛ مما سبب للشيخ حرجًا بالغًا.
 
ويبدو أن شيخ الأزهر استطاع أن يخرج منتصرًا من معركته، بدليل انسحاب وزير الأوقاف الدكتور مختار جمعة، ونائب رئيس جامعة الأزهر الدكتور محمد أبو هاشم من عضويتها، بل وصل الأمر إلى درجة أن جامعة الأزهر أصدرت بيانًا يحذر أبناءها من الانضمام للهيئة أو التعامل مع أعضائها، مؤكدة أن الأزهر هو المؤسسة العالمية التي ارتضاها العالم لتمثل المرجعية الأساسية لمفهوم الدين الإسلامي الصحيح، ومشددة على أن الانضمام لتلك الهيئة أو غيرها يعد خروجًا على رسالة الجامعة، ويعرض من يقوم بذلك للوقوع تحت طائلة القانون.