سعد الدين إبراهيم يكتب: لماذا لم يقم الأزهر.. ولن يقوم بتجديد الخطاب الدينى؟!!
رغم أن الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى بداية عهده، توجّه برجاء إلى شيخ الأزهر، وكبار عُلمائه، أن يقوموا بتجديد الخطاب الدينى، إلا أنه بعد أكثر من سنتين، لم يتم شىء فى هذا الصدد. بل أكثر من ذلك، أننى سمعت الشيخ الجليل، د. أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، فى تصريح له، أورده الإعلامى النابه إبراهيم عيسى فى برنامجه، على قناة القاهرة والناس، يتهم فيه من ينتقدون الأزهر لتلكؤه فى تجديد الخطاب الدينى، بأنهم:
إما جُهلاء، أو سُفهاء، أو عُملاء، أو مدفوعون لتدمير الأزهر، أو على الأقل لإضعافه، سواء بقصد أو بغير قصد (القاهرة والناس، ليلة الثلاثاء 1/11/2016). بل وأضاف الشيخ الجليل ما يُفيد «أن الخطاب الدينى لا يحتاج إلى إصلاح أو تجديد»!
طبعاً من حق الشيخ أحمد الطيب أن يكون هذا هو رأيه، وربما هو نفس ما رآه معظم شيوخ الأزهر من زُملائه وتلاميذه. فمؤسسة الأزهر، مثل معظم المؤسسات، لا تُبادر بأى تغيير، بل وتُقاوم أى تغيير يقترحه شبابها أو صِغار العاملين فيها!
ولنا فى التنكيل بإسلام بحيرى أقرب مِثال. فهذا الشيخ الأزهرى الشاب لم يفعل أكثر مما نادى به رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى. فهل ارتكب بحيرى جُرماً باجتهاده؟ وهل ارتكب إثماً بنقده لبعض الأوائل من أساطين التُراث، مثل البُخارى ومُسلم، من رواة الحديث؟
إن ما كان يدعو إليه إسلام بحيرى هو مُماثل لما كان يدعو إليه المُجدد المسيحى مارتن لوثر، فى مواجهة الكنيسة الكاثوليكية فى روما، مما اعتبره هو صحيح الدين المسيحى ـ أى العلاقة المُباشرة بين الإنسان المؤمن وربه، دون وساطة أو سُلطان، بعد أن تحالفت الكنيسة مع الأباطرة حيناً، ومع النُبلاء والإقطاع حيناً آخر. وهو ما أدى إلى جمود وانحراف الفكر، وتدهور المُمارسة، واستغلال البُسطاء والتدليس عليهم بشراء صكوك للغُفران وشراء مساحات فى الجنة.
إن أوروبا لم تنهض من ظلام العصور الوسطى إلا بتأثير الفلاسفة والعُلماء المسلمين فى الأندلس، وعلى رأسهم الوليد محمد ابن رُشد (1126-1198م)، الذى أعلى قيمة العقل فى المعرفة بشؤون الدُنيا والدين. وكان بذلك ابن رُشد هو الامتداد الأمين لفلسفة أرسطو. بل ومن خلاله، هو وغيره من كوكبة مُفكرى الأندلس فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر، أعادت أوروبا اكتشاف واستيعاب الفلسفة اليونانية، وهو ما مهّد لعصر التنوير، فى القرنين السادس عشر والسابع عشر، وللثورة العِلمية فى القرن الثامن عشر، والثورة الصناعية فى القرن التاسع عشر، وثورة التكنولوجيا فى القرن العشرين، والثورة المعلوماتية فى القرن الحادى والعشرين. وقد علّمنا أستاذنا د. مُراد وهبة الشىء الكثير عن ابن رُشد، بل هو بدوره امتداد له، أطال الله فى عُمره ليزيدنا من حكمته.
وتنطوى الثورة الأخيرة، أى الثورة المعلوماتية، على التجديد والتراكم الدائم للمعارف والابتكارات، ومُضاعفتها كل سبع سنوات. أى أن ما تراكم من هذه المعارف فى العقدين الأخيرين (2000-2020)، يتجاوز كل ما تراكم فى القرنين السابقين (1800-2000). بل وأصبحت المُشكلة الآن هى القُدرة الاستيعابية للعقل البشرى ومواكبته للتدفق الهائل والسريع للمعلومات.
خُلاصة القول فى هذا الصدد أن شيوخ الأزهر الأجلاء، وقد تجاوز كبار عُلمائهم العِقد السادس من أعمارهم يصعب عليهم استيعاب مُستجدات العصر، أى القرن الحادى والعشرين. فالمنظومة التى تمرّسوا عليها هى منظومة فى معظمها من نتاج القرون الوسطى. وهى منظومة مُقفلة لا تُرحب بالتجديد. بل وتشعر بالتهديد من المُجددين. أى أن التجديد بالنسبة لهم هو تهديد لهم كأشخاص ولمؤسّستهم ككيان. ولذلك يتمرّسون خلف واجهة الأزهر الشريف وكأنه هو الإسلام نفسه، ويكتفون بواحد فقط من تقاليده وهو «النقل»، أى ما يُشبه استنساخ الموروث من عصور سابقة، بدلاً من أن يرفعوه بإعمال «العقل»، لاستيعاب مُستجدات العصر، أى الاجتهاد وتأويل النصوص المدروسة. ويكاد يكون لسان حالهم هو أن كل جديد بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار.
وأظن أن هذا الموقف الرافض للتجديد والإصلاح الدينى، ليس موقفاً فردياً من الشيخ الجليل د. أحمد الطيب. ولكنه على ما يبدو موقفاً «مؤسسياً»، أى يُشاركه فيه معظم إن لم يكن كل شيوخ الأزهر، بما فيهم دار الإفتاء. وقد شهد القرن الماضى اضطهاد الأزهر لمُفكرين أجلاء مثل مصطفى عبدالرازق، وطه حسين، وخالد محمد خالد، ونصر حامد أبوزيد، وسيد القمنى. بل ولم ينج من ذلك الاضطهاد مُبدعنا الكبير نجيب محفوظ.
فعلى امتداد أكثر من ألف سنة لم ير المسلمون من الأزهر ورجاله أى بوادر إصلاحية فى هذا الفكر! ويُقال فى علم الاجتماع الدينى إن القائمين على أى دين يعتبرون أنفسهم حرساً وحُراساً لمنظومة العقائد والمُمارسات والفتوى الخاصة بهذا الدين وأتباعه.
وفى المرات القليلة التى حاول البعض منهم أى تجديد أو إصلاح، تم اتهامهم بمُحاولة هدم الدين، وتم إقصاؤهم من الجماعة، وإخراجهم من المِلة. هذا إن لم يُتهموا «بالعصيان»، وتتم مُحاكمتهم وسجنهم. ففى كل دين هناك أغلبية من التابعين، المُقلدين، وفقط قِلة من الخوارج، المُجدّدين.
فاللهم ارزقنا بكثير من المُجدّدين، فأنت الرازق الكريم، واحمهم، يا رب من الغوغاء، حتى لو كانوا من البرلمانيين، فأنت على كل شىء قدير.
وعلى الله قصد السبيل.
نقلًا عن جريدة المصري اليوم