رئيس التحرير
خالد مهران

حرب الإمام والرئيس.. «زلة لسان» تكشف الخلاف بين السيسي والطيب

السيسي والطيب - أرشيفية
السيسي والطيب - أرشيفية


"أنا بقول لفضيلة الإمام كل لما أقابله أنت بتعذبني؟.. فيقولي أنت بتحبني ولا لأ ولا حكايتك إيه؟، أنا بحبك وبحترمك وبقدرك وإياكم تكونوا فاكرين غير كده تبقى مصيبة، انا بحب الإمام وعارف ومقدر دور الأزهر في مصر والعالم كله"، خرجت زلة اللسان والكلمات بعفوية من الرئيس عبد الفتاح السيسي أثناء الاحتفال بالمولد النبوي لتكشف أن ثمة شقاق قد حدث بين مؤسستي الرئاسة والأزهر في مصر خلف الغرف المغلقة. 


رغم أن الرواية الرسمية احتفظت بقدر كبير من التحفظ وعدم التطرق إلى القضية في أي من المناسبات السابقة إلا أن السيسي أماط اللثام عنها رسميا في الاحتفال الكبير. 


قصة الخلاف بين الطيب والسيسي ربما تعود حسب البعض لفترة اعتصامي رابعة والنهضة عام 2013 حين اعتبر الإمام الأكبر أن طريقة فض الاعتصامين "إهدارًا للدماء الذكية" وطريقة غير سليمة لحل الخلافات السياسية، في وقت كانت تحشد الدولة كل أجهزتها للإجهاز على "فلول الإخوان" بعد الفض. 


إلا أن موقف شيخ الأزهر لم يتم التطرق له كثيرًا في تلك الآونة، إلا أن البعض حفظه في ذاكرته لـ"الطيب" لتبدأ تصفية الحساب في وقت لاحق. 


ومع انطلاق العام الدراسي 2013-2014 بجامعة الأزهر، التزمت المشيخة الصمت على الاقتحام المتكرر لقوات الأمن الذي كان ضروريا للسيطرة على المظاهرات الإخوانية التي بلغت أوجها في تلك الفترة ورفضت الجامعة تحت كل الضغوط غلق الجامعة او تعليق الدراسة. 


انقضى العام الدراسي سريعا ومع حلول العام الجديد صدر قرار جمهوري بتعيين الدكتور عبد الحي عزب رئيسا للجامعة بعد فترة من إقالة الدكتور أسامة العبد من ذات المنصب. 


كان "عزب" يحظي بدعم جميع الأطراف سواء داخل مشيخة الأزهر أو خارجها إلا أن صدامه مع شيخ الازهر بدأ منذ الأسبوع الأول بعد إصدار عزب قرارًا بإقالة محمود شعيب الأمين العام للجامعة والذي كان يعتبر"رجل الشيخ الأول" لشبه تتعلق بالفساد المالي والإداري. 


خلال فترة رئاسته للجامعة التي تعدت العام بقليل تقرب "عزب" من الأجهزة السيادية بصورة واضحة خاصة مع الاستقرار الذي شهدته الجامعة بعد القضاء على "كتلة الإخوان الصلبة" فيها لكن كان هذا التقرب على حساب علاقته مع المشيخة. 


في أيامه الأخيرة بدأ "عزب" يستقل بإدارة الجامعة ويحاول الابتعاد عن المشيخة في عدد من الأمور، وهو ما أثار حفيظة الشيخ وعدد من المقربين منه فقرروا إقالة عبد الحي عزب. 


قبيل أسبوع من الإقالة اجتمع المجلس الأعلى للأزهر وأقال رئيس الجامعة، الذي غاب عن الجلسة بعد تفاقم أزمته مع المشيخة، وبعدها بعدة أيام أعلنت الجامعة أن عبد الحي عزب تقدم باستقالته لشيخ الازهر الذي قبلها على الفور وكلف الدكتور إبراهيم الهدهد بتسيير أعمال الجامعة لحين تعيين رئيس جديد، ثم راجت بعد ذلك قصص حول تزوير عزب في الأوراق الخاصة بترشحه لرئاسة الجامعة رغم تأكيد عدد من المصادر أن القصة كانت معروفة لدي قيادات المشيخة وفضلوا التجاوز عنها. 


مع تولى "الهدهد" مهمته الجديدة في رئاسة الجامعة، بدأ الخلاف بين المشيخة وبين الأجهزة السيادية تتسع، وفي الربع الأول من العام الجديد كانت القاهرة تتزين بالأعلام السعودية استعدادا لزيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز للقاهرة. 


وكانت زيارة الأزهر ولقاء قيادته محطة رئيسية في جولة الملك بالقاهرة إلا أنها تحولت بعد ذلك لمعركة أخرى بين عدد من الجهات وبين الأزهر. 


خلال الزيارة سطع نجم المستشار محمد عبد السلام المستشار القانوني لشيخ الأزهر والمقرب منه، فتولى هو شرح عدد من النقاط الخاصة بتطوير الأزهر للملك وهو ما أثار حفيظة عدد من أساتذة الأزهر، فضلا عن الأجهزة السيادية التي تعتبر عبد السلام "من الإخوان المغضوب عليهم". 


وتم تسريب كل ما دار في اللقاء بين الملك والإمام الأكبر إلى خارج الغرف المغلقة واستقر به المقام في يد عدد من الأجهزة السيادية التي بدأت تمتعض من موقف الأزهر وبعده عنها في عدد من الأمور فاستغلت القصة لإعلان الحرب على الأزهر ومستشاري شيخه. 


بعد الزيارة تواصلت بعض الأجهزة مع صحفي بمؤسسة شهيرة، وطلبت منه كتابة عدد مقالات عن "فساد الأزهر"، وبالفعل وافق الصحفي على العرض وكتب عدد من المقالات تعرض فيها لعدد من الوقائع حول الأزهر وطالت بالطبع المستشار القانوني للشيخ ووكيله، ولم "تخبو" تلك الحملة التي توجت برفع الأزهر قضية ضد الصحيفة وتقدمه بشكوى ضدها في نقابة الصحفيين. 


اشتعلت الحرب الباردة من جديد مع انتهاء العام الدراسي، بعد إرسال شيخ الأزهر لعدد من الأسماء المرشحة لمنصب رئيس الجامعة والتي جرى استبعادها جميعا في رئاسة الجمهورية بعد تقارير من أجهزة سيادية بأن هؤلاء المرشحين غير مفضلين لأنهم من "رجال الشيخ" ولن يتعاونوا مع الدولة وأجهزتها بالصورة المطلوبة، كما رفضت الرئاسة أيضًا إصدار قرار بتعيين الدكتور إبراهيم الهدهد بالرغم من أنه يتمتع بعلاقة جيدة مع جميع الأطراف إلا أنه تم رفضه بسبب عمل أحد أقربائه في إحدى الجامعات في دولة قطر. 

بقيت الجامعة بدون رئيس فيما وصل الصحفي الشهير كتابته مقالاته مستعينا بالذخيرة الكبيرة التي قٌدمت له، وفي وقت لاحق بدأت صحف أخرى في الدخول على "خط النار" بإيعاز من عدد من الجهات. 


شنت الصحف المعروفة بميولها للنظام حملة ضد المشيخة والمستشار محمد عبد السلام إلا أنها تحاشت الطعن في الإمام الاكبر ملتزمة بالتعليمات التي تلقتها. 


ما أن انقشع الغبار بعد معركة الأزهر والصحف، حتى شبت أخرى بين الأزهر والأوقاف بسبب توحيد الخطبة المكتوبة التي أقرها الوزير محمد مختار جمعة بتعليمات هو الآخر. 


أعلن الأزهر على الفور رفضه للخطبة الموحدة مؤكدًا أن وعاظه وأئمته لن يلتزموا بها، وقاد خطباء الجامع الأزهر الثورة على قرار الوزير بشأن الخطبة الاسترشادية الموحدة، وتفاقمت الأمور حتى اضطر الرئيس نفسه لتهدئتها باجتماع جمع قيادات المؤسسات الدينية أوصى فيه السيسي الجميع بالتزام تعليمات شيخ الأزهر. 


لم تكن الأمور الداخلية وحدها هي التي أشعلت الصراع مع الأزهر وغيره؛ فموقف الأزهر من الدول الخليجية ومما يدور في دول المنطقة جلب عليه بعض النقم أيضًا، فتسبب موقف الدكتور أحمد الطيب من عدم تكفير تنظيم داعش والنصرة والتنظيمات المسلحة المنخرطة في الثورة السورية، بأن جلب عليه نقمة أطراف داخل النظام المصري كانت تطمع في وقوف المؤسسة الإسلامية الأكبر معها في "المعركة ضد الإرهاب"، كما أن تقارب الأزهر مع المملكة العربية السعودية الذي لم يعكره مؤتمر أهل السنة والجماعة في مدينة "جروزني" ساهم في تشكيل صورة سلبية عن علاقاته الخارجية، في الوقت الذي تشهد العلاقة بين مصر والسعودية فتورا غير مسبوقا، كما اتجه الأزهر بصورة أكبر إلى الإمارات وبإيعاز من أحد مستشاري شيخ الأزهر حتى أن الإمام الأكبر رفض إلغاء سفره للإمارات للمشاركة في القمة العالمية لرؤساء البرلمانات، بالرغم من تزامنها مع تشييع جنازة ضحايا تفجير الكنيسة بالبطرسيةـ والذي تقدمه رئيس الجمهورية وقيادات الدولة.