شيخ الأزهر.. يطلق سراح الإسلام
رسالة الأديان السماوية رسالة سلام إلى البشر والحيوان والنبات والطبيعة، ومن دواعى الحزن أن أصابع الاتهام باتت توجه إلى الأديان تتهمها بصنع الإرهاب. علاقة المسلمين بغيرهم من المسالمين أياً كانت أديانهم ومذاهبهم هى علاقة البر والإنصاف كما جاء فى آيات القرآن.
الإسلام يقرر أن أصل الدين واحد فى جميع هذه الرسالات، لذلك يذكر القرآن التوراة والإنجيل بعبارات غاية فى الاحترام والاعتراف، فيصف القرآن والتوراة والإنجيل بأنهما «هُدًى وَنُورٌ».
الإسلام تربطه بالأديان السماوية علاقة عضوية، ولكنه يختص المسيحيين بمنزلة شديدة الخصوصية، حيث يصفهم بأنهم «أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً».
لو نظرنا نظرة علمية منصفة إلى الدينين الإسلامى والمسيحى لوجدنا بينهما من جسور التفاهم والتقارب الكثير، بعيداً عن طغيان المادة وأطماع السياسات واختطاف الأديان والمتاجرة بقدسيتها فى سوق المصالح. مشيئة الله قضت أن يخلق الناس مختلفين حتى فى بصمات أصابعهم «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ»، وليس فى إمكان أى قوة أو حضارة أن تبدل مشيئة الله فى اختلاف الناس، أما النظريات التى تريد أن تجمع الناس على دين واحد أو ثقافة مركزية واحدة فهى أشبه بالعبث الذى يداعب أحلام الطفولة لأنها تسبح ضد إرادة الله ومشيئته فى خلقه.
لا مكان فى فلسفة الإسلام الاجتماعية لعلاقات الصراع والهيمنة الاقتصادية والثقافية والعسكرية بين الأمم والشعوب.
ما لم يتحقق السلام بين دعاة وعلماء الأديان أولاً فلا يمكن لهؤلاء الدعاة أن يمنحوه للناس، وأنَّى لفاقد الشىء أن يمنحه لغيره؟!
الإسلام الذى أعتز بالانتساب إليه ينبهنا إلى ذلك فى آية قرآنية يحفظها المسلمون والمسيحيون معاً فى قوله تعالى «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ».
هناك شرذمة شاردة عن نهج الدين أوشكت على أن تُجيِّشَ العالم كله ضد هذا الدين الحنيف، وهذه الشرذمة تتمسك بالتفسيرات المغشوشة التى تتنكَّب بها طريق الأديان، وتُخطف النصوص المقدسة لتصبح فى أيدى آخرين.
هذه كانت بعض الكلمات الرائعة التى انطلقت من قلب ونفس ولسان د. أحمد الطيب، إمام الزهد وشيخ الأزهر، فى أقوى مؤتمر عقده الأزهر وحضرته أطياف دينية كثيرة مسيحية بكافة طوائفها من كافة الأقطار وعلى رأسهم البابا تواضروس بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية مع جمع غفير من علماء المسلمين من كل البلاد مع علماء ودعاة شيعة وسنة، والمستشار عدلى منصور وأحمد أبوالغيط وعلماء من ماليزيا والهند وإندونيسيا والمشير سوار الذهب ومفتى لبنان وكتّاب ومفكرون ليبراليون مثل سمير مرقص ومفتى لبنان وآخرون. كل هؤلاء احتشدوا فى هذا العرس الرائع ليلفظوا فكر العنصرية، ويقرروا جميعاً أن المسلمين والمسيحيين فى أوطانهم أمة واحدة.
أما أروع كلمات الإمام الأكبر فكانت صيحته المدوية ضد من يرمى الإسلام بالإرهاب: «إن المتأمل المنصف فى ظاهرة الإسلاموفوبيا لا تخطئ عيناه هذه التفرقة اللامنطقية، أو الكيل بميكيالين بين المحاكمة العالمية للإسلام من جانب، وللمسيحية واليهودية من جانب آخر، رغم اشتراك الكل فى عريضة اتهام واحدة وقضية واحدة هى العنف والإرهاب الدينى».
ثم أردف قائلاً: «لقد مرت بسلام أبشع صور العنف المسيحى واليهودى فى فصل تام بين الدين والإرهاب، ومنها على سبيل المثال اعتداءات مايكل براى على مصحات الإجهاض بالمتفجرات، وتفجير ماكفى لأكلاهوما سيتى وأمثلة كثيرة».
صدقت يا مولانا، وأزيدك الكثير، فهذا هتلر الذى تسبب فى قتل 16 مليون إنسان فى العالم كله، وهذان الطياران الأمريكيان اللذان ألقيا القنابل الذرية على المدنيين فى هيروشيما ونجازاكى وقتلا فى يومين فقط أكثر من 150 ألف يابانى برىء، وهؤلاء الجنود الفرنسيون الذين احتلوا الجزائر بغير حق وقتلوا مليون جزائرى ظلماً وعدواناً، وأمريكا التى قتلت أكثر من مليون فيتنامى أكثرهم مدنيون.
كل هؤلاء مسيحيون ولكننا لم ولن نخلط يوماً بينهم وبين تعاليم المسيح عليه السلام التى تدعو للرحمة و«أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم»، ولم نخلط يوماً بين جرائم إسرائيل الوحشية وبين اليهودية وتعاليم موسى عليه السلام الذى مكث أكثر حياته محارباً للظلم والبغى والعدوان.
فلماذا الإسلام وحده يُدان بجرم بعض الذين انتسبوا إليه زوراً وبهتاناً ولم يعرفوا تعاليمه، هل نسب أحدنا يوماً هتلر أو أحد هؤلاء إلى المسيح والمسيحية؟ كلا.. لكن الكل يريد اليوم رقبة الإسلام، يريد إعدامه وذبحه وشنقه فى ميدان عام.
إلى الأمام يا شيخنا، نريد منك المزيد من الصدع بالحق فى وجه الدنيا كلها، فهذه رسالتك، والله معك.
نقلًا عن «الوطن»