رئيس التحرير
خالد مهران

حفلة تكريم تكشف طريقة فهم أجهزة الدولة لكلام شيخ الأزهر

السيسي والطيب - أرشيفية
السيسي والطيب - أرشيفية


لا تزال حالة الغضب داخل مشيخة الأزهر، تتصاعد تجاه الهجمة الإعلامية الشرسة ضد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، التي تهدف لتحميله تداعيات تفجير كنيستي «طنطا والإسكندرية»، واتهامه بالفشل في تجديد الخطاب الديني، ومواجهة أفكار وفتاوى التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها «داعش».


ورغم تعدد التفسيرات و«التخمينات» وراء صدام الأزهر مع مؤسسة الرئاسة مؤخرًا، ورفض الدولة الرد على الهجوم على الأزهر وشيخه «الطيب» كما حدث كثيرًا من قبل، إلا أن ما يدور في «الكواليس» يؤكد وجود حالة من الغضب الشديد لدى مؤسسة الرئاسة؛ بسبب «زلة لسان» الطيب، عندما أخطأ في كلمته أمام طلاب مدينة البعوث الإسلامية بإحدى حفلات تكريم الطلبة، وخرج بتصريح صادم جاء نصه كالتالي:«للأسف نجد من المسلمين والقيادة المسلمة، من يتهم الإسلام بأنه إرهاب؛ فلماذا لا تحملون قصوركم الأمني على دينكم وعلى الإسلام، وتساءل الطيب، لماذا لم تتحدثوا عن الإرهاب المسيحي واليهودي، الذي يمارس بشكل كبير هنا وهناك والجميع يعلم ذلك؛ ونقول لهم ألزموا حدودكم ولا تتطاولوا على إسلامنا».


وتابع شيخ الأزهر: «من المحزن والمؤلم، تصوير الدين وكأنه أداة سحقت بها أجساد الأبرياء الشرذمة الشاردة عن نهج الدين وأوشكت على أن تجيش العالَم كله ضد الإسلام». 


وأضاف: «لماذا مر التطرف المسيحي واليهودي بردًا وسلامًا على الغرب دون أن تدنس صورة هذين الدينين الإلهين؛ إذا بشقيقهما الثالث يُحبَسُ وحده في قفص الاتهام، وتجري إدانتُه وتشويه صورته حتى هذه اللحظة».


هذه الكلمات والعبارات وصلت لـ«رئاسة الجمهورية»، بعد رصدها من قبل الأجهزة الأمنية، وتم تفسيرها وتحليلها على أنها هجوم على الرئيس عبد الفتاح السيسي، وانتقاد لوزارة الداخلية لتحميلها الأزهر فشل مواجهة الدولة للجماعات المتطرفة، فتم اعتبار حديث «الطيب» على أنه رسالة يريد توصيلها إلى السيسي، الذي دعا مرارًا وتكرارًا إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني.


وكان «السيسي» قد اعتبر فى أكثر من خطاب له أن الدين الإسلامي يحوى بعض المفاهيم الخاطئة التي تساعد الإرهاب على «التوغل»، فبدأ بتوجيه دعوات للقيام بثورة دينية؛ للقضاء على ما أسماه بـ«الإرهاب».

وقال الرئيس: «مصر بحاجة إلى ثورة دينية ضد ما أسماه بالأفكار المشوشة والمغلوطة، وأن المسلمين أصبحوا يمثلون مصدر إساءة لدينهم ونبيهم حول العالم»، على حسب قوله.


الصدام بين الأزهر والرئاسة لم يتوقف على كلمات «الطيب» سابقة الذكر، فهناك تطورات جديدة شهدتها الأيام الماضية، وكانت محور غضب الرئاسة من بينها:  رفض «الطيب» تنفيذ تعليمات الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها الأمن الوطني، بتطهير المشيخة من بعض الشخصيات التي تشغل منصب مستشار الشيخ للشئون القانونية، والذي يتحكم في قرارات المشيخة، وكانت سببًا مباشرًا في حدوث وقيعة بين الطيب والبابا تواضروس، أثناء الدعوات لمؤتمر الوحدة الوطنية والمواطنة الذي نظمه الأزهر مؤخرًا، حيث فوجئ البابا بوصول الدعوة للمشاركة قبل بدء المؤتمر بساعات ما تسبب في غضب شديد لدى الكنيسة، كما أن نفس الشخصية كانت سببًا مباشرًا في «الحرب الباردة» بين «الطيب» ووزير الأوقاف، بعد أن وسوس في ذهن «الطيب»، بأن مختار جمعة، يسعى لتولى منصب شيخ الأزهر، كما طالبت التقارير الأمنية شيخ الأزهر، بالتخلص من شخصيات قريبة منه أيضًا.


ومن ضمن أسباب غضب الرئاسة من شيخ الأزهر: إهمال تعليمات الرئاسة بالاستعانة بالدكتور أسامة الأزهري، مستشار الرئيس للشئون الدينية، ضمن ملف تجديد الخطاب الديني، خاصة أن «الطيب» لم يدع «الأزهري» لاجتماع واحد لمناقشة ملف تجديد الخطاب الديني، إضافة إلى رفض شيخ الأزهر تكفير «داعش».


على الجانب الآخر، طالبت قيادات الأزهر، بوقف الهجوم الذي يتعرض له شيخ الأزهر، والذي يكون برعاية جهات بالداخل والخارج، ما يؤكد وجود حالة من الغضب الشديد دخل الأزهر من تلك الهجمات الإعلامية، ووصل الأمر لتنظيم العاملين بالأزهر، حملات عبر «فيس بوك» لمساندة «الطيب» تحت عنوان: «الطيب خط أحمر»، كما أعلن علماء الأزهر، وهيئة كبار العلماء، مساندة شيخ الأزهر، والتهديد بالاستقالة الجماعية في حالة وقف الدولة تلك الهجمات.


في الوقت نفسه، وعلى غير العادة، أكدت مصادر داخل مشيخة الأزهر، وجود حالة من الإصرار لدى «الطيب» بالمضي قدمًا في تنفيذ ما يراه في صالح الدعوة الإسلامية دون النظر لتلك الحملات، وأنه لن يُقدم استقالته، مهما حدث، خاصة أن الدستور يعطي له حصانة كاملة من «العزل».


من جانبه، أكد الشيخ نبيل نعيم، مؤسسة تنظيم الجهاد، أن «الحرب الباردة» بين مؤسسة الرئاسة والأزهر، تصب في صالح الجماعات الإرهابية، مطالبًا الرئيس السيسي بالتدخل الفوري لوقف حملات الإعلام المدبرة ضد الأزهر والخروج لنفى المزاعم التي قيلت حول هذا الخلاف، وذلك إذا كانت الدولة تريد نجاح مجلس مكافحة الإرهاب والتطرف الذي أعلن السيسي تشكليه مؤخرًا، مؤكدًا أنه بدون الأزهر، لن يكون هناك تجديد لـ«الخطاب الديني».


وقال الشيخ «نبيل»، إن الواقع يؤكد وجود غضب شديد من جانب «السيسي» وجهات بالدولة، عقب تصريح «الطيب»، الخاص بفشل الأمن في التصدي للإرهاب، والاكتفاء بالهجوم على الأزهر من قبل الرئيس، وهذا الأمر لن يمر مرور الكرام على «الطيب»، منوهًا إلى أن هناك تفكيرا قويا لدى الدولة للتخلص من «الطيب»، ولهذا يتم تضييق «الخناق» عليه؛ لإجباره على الاستقالة، كما حدث مؤخرا بتولي المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب ملف تجديد الخطاب الديني وسحبه من الأزهر.


وتابع: «الإمام الطيب يحظى بشخصية عنادية للغاية.. ولن يستسلم بسهولة للضغوط.. ولن يُقبل على تقديم استقالته من منصبه.. كما ترغب الدولة».


وانتقد الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الأزهر من قبل بعض المنابر الإعلامية، مؤكدًا أن ذلك يسيء لمصر خارجيًا لكون الأزهر يحظى باحترام جميع دول العالم، خاصة أنه ممثل المذهب السني والمدافع الحقيقي عن وسطية الإسلام في مواجهة التنظيمات الإرهابية، متابعًا: «من غير المعقول احترام الأزهر خارجيًا.. والهجوم عليه داخليًا».


وأضاف «شومان»، أن الأزهر يسير بقوة نحو تحقيق مصلحة الدين والمسلمين دون الالتفاف لهذا الهجوم الذي لا يدرك أصحابه مدى خطورته على البلاد، وقوة نسيج الوحدة الوطنية التي وصلت ذروتها بفضل الأزهر ووعي الكنائس بلا ريب، مؤكدًا أن مصلحة الوطن تمنع الأزهر عن الرد علي من لا يدركون حجمه.


وأوضح «شومان»، أن الأزهر شكل أكبر لجنة متخصصة لـ«تنقية» المناهج من الأفكار المتشددة، وتم ذلك مع بداية العام الدراسي الحالي، مطالبًا الجميع بالنظر لمناهج الأزهر حاليا، قبل الحديث كذبًا بحاجتها إلى التنقية والتطوير، فهؤلاء شخصيات تهدف من وراء هجومها على الأزهر إلى تحقيق مصالح خارجية وداخلية، تصب في صالح التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش»