اشتعال «فتنة النقاب» بين الطيب وشيوخ السلفية
جدد الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، الجدل حول شرعية النقاب، ودخل في صراع ديني مع التيارات السلفية والجماعات الإسلامية، وكذلك مشايخ الأزهر، حيث قال الإمام الأكبر، إن النقاب ليس فرضًا ولا سنة، ولكنه ليس مكروهًا أو ممنوعًا، وهو أمر مباح ومن لا ترتدي النقاب لا شئ عليها، ومن ترتديه لا يمكن أن نقول لها أنك تفعلين أمرًا شرعيًا، ولكنه أمر في دائرة المباح.
الغريب أن رأى «الطيب» يتعارض تمامًا مع ما يدرس داخل جامعة الأزهر حاليا حيث يدرس على الطلاب أن النقاب «فرض»، ففي كتاب «الوسيط»، المقرر علي الصف الثاني الثانوي، جاء في دراسة تفسير قوله تعالى، صفحة 296،: أن الله أمر رسوله، صلى الله عليه وسلم، أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين عامة، بالاحتشام والتستر فى ملابسهن، فقال - تعالى - { يا أيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ }.
وذكر الكتاب، أن الآية تطالب النبي بأن يبلغ نساء المؤمنين كافة، قل لهن: إذا ما خرجن لقضاء حاجتهن، فعليهن أن يسدلن الجلابيب عليهن، حتى يسترن أجسامهن سترا تاما، من رءوسهن إلى أقدامهن، زيادة في التستر والاحتشام، وبعدا عن مكان التهمة والريبة، قالت أم سلمة - رضي الله عنها -: لما نزلت هذه الآية، خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها، وقوله: {ذلك أدنى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ}، بيان للحكمة من الأمر بالتستر والاحتشام.
أيضا ما قاله «الطيب»، يتعارض مع فتوى له أثناء توليه رئاسة جامعة الأزهر، حيث أكد أن النقاب لم يرد به أي نص قرآني أو حديث نبوي وليس مباحا أو فضيلة بل هو عادة وأجمع الفقهاء أن كشف الوجه والكفين جائز شرعا، مشيرا إلى التزام الجامعة بقرار مجمع البحوث الإسلامية بحظر ارتداء النقاب داخل قاعات الدراسة وفى الامتحانات بالنسبة للطالبات، لاحظ الخلاف في الرأي، فحاليا يرى «الطيب»، أن النقاب «مباح» في حين قال سابقا إنه «غير مباح».
كما أن ما قاله «الطيب» يتعارض مع فتوى صادرة عن شيوخ الأزهر، ومفتي الجمهورية السابقين، فقد أفتى الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق، بأن المرأة إذا لم تأمن الفتنة «وجب عليها ستر الوجه والكفين سدا للذرائع إلى المفاسد»، وفي فتوى للشيخ محمد متولي الشعراوي، إبان توليه وزارة الأوقاف في السبعينيات قال، إن رفض النقاب أمر عجيب وغريب، وأبدى غضبه وسخطه على من يهاجمون النقاب والحجاب تحت شعار الحرية الشخصية، قائلًا: «أهناك حرية بلا ضوابط تمنع الجنوح إلى غير الطريق الصحيح»؟.
كما أفتى الشيخ عطية صقر، رئيس لجنة الفتوى الأسبق، بأنه لا يوجد دليل يستثني وجه المرأة والكفين من التغطية.
وفي فتوى صادرة عن لجنة الفتوى بالأزهر عام 2011، أكدت خلالها ردا علي المشككين، بأن النقاب من الإسلام وليس بدعة منكرة، وأنه محل خلاف بين الفقهاء من حيث وجوبه أو عدم وجوبه، مدللة بآيات من القرآن الكريم وأحاديث من السنة النبوية، وآراء المذاهب الأربعة.
علي الجانب الآخر، خرجت فتاوى من داخل علماء الأزهر، تؤيد رأى الطيب بأن النقاب «عادة»، ففي واقعة شهيرة أجبر شيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوي إحدى طالبات الأزهر المنتقبات على خلع نقابها وقال لها أمام الجميع «النقاب مجرد عادة لا علاقة له بالدين الإسلامي من قريب أو بعيد»، فخلعت الطالبة نقابها مكرهة أمام إصرار شيخ الأزهر فلما كشفت وجهها نظر إليه وقال: «لما إنت كده أمال لو كنت جميلة شوية كنت عملتي إيه؟!!.
ثم طلب منها شيخ الأزهر عدم ارتداء النقاب مرة أخرى طوال حياتها، فقالت إنها تقوم بارتدائه حتى لا يراها أحد، فرد طنطاوى منفعلًا: «قلت لك إن النقاب لا علاقة له بالإسلام وهو مجرد عادة، وأنا أفهم في الدين أكتر منك ومن اللي خلفوكي».
وعلى الفور، أعلن طنطاوي إصدار قرار رسمي بمنع ارتداء النقاب داخل المعاهد الأزهرية، ومنع دخول أي طالبة أو مدرسة المعهد مرتدية «النقاب».
كما خرج الدكتور محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، ليعلن أن النقاب ليس من الإسلام بشئ، وهي عادة يهودية، وطبع «زقزوق»، إبان توليه وزارة الأوقاف، كتيبات وجرى توزيعها على المساجد، يحرم فيها ارتداء النقاب.
ورأى مفتي الجمهورية الأسبق الدكتور نصر فريد واصل، أن النقاب ليس فرضا أو واجبا إلا في الضرورة، وأن وجه المرأة وكفيها باتفاق كل الأئمة في القديم والحديث ليس بعورة، موضحا أن ارتداء النقاب لا يتعلق بالعبادة ولا يؤمر بتركه أو العمل به إلا للضرورة ولدرء الفتن.
ومن ناحيته، أكد مفتى الجمهورية السابق، الدكتور على جمعة، أنه من المقرر شرعا أن الحجاب هو فرض إسلامي ورد الأمر به نصا في القرآن الكريم وفى السنة النبوية، أما النقاب الذي يستر الوجه فالصحيح أنه ليس واجبا، وأن عورة المرأة المسلمة الحرة جميع بدنها إلا الوجه والكفين فيجوز لها كشفهما وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية.
من جانبه، أكد الشيخ تامر صلاح، الداعية السلفي، أن العلماء اختلفوا في وجوب تغطية الوجه والكفين من المرأة أمام الأجانب، فمذهب الإمام أحمد والصحيح من مذهب الشافعي، يرى أنه يجب على المرأة ستر وجهها وكفيها أمام الرجال الأجانب، لأن الوجه والكفين عورة بالنسبة للنظر، ومذهب أبي حنيفة ومالك، يقول إن تغطيتهما غير واجبة، بل مستحبة، لكن أفتى علماء الحنفية والمالكية منذ زمن بعيد أنه يجب عليها سترهما عند خوف الفتنة بها أو عليها، والمراد بالفتنة بها: أن تكون المرأة ذات جمال فائق، والمراد بخوف الفتنة عليها أن يفسد الزمان، بكثرة الفساد وانتشار الفساق، ولذلك فالمفتي به الآن وجوب تغطية الوجه والكفين على المعتبر من المذاهب الأربعة؟.
وعن الأدلة الشرعية لفرضية النقاب، ذكر الداعية السلفي قوله تعالى ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين )، وقرر أكثر المفسرين أن معنى الآية: الأمر بتغطية الوجه، فإن الجلباب هو ما يوضع عتلى الرأس، فإذا اُدنِي ستر الوجه، وقيل: الجلباب ما يستر جميع البدن، وهو ما صححه الإمام القرطبي، وأما قوله تعالى في سورة النور ( إلا ما ظهر منها ) فأظهر الأقوال في تفسيره: أن المراد ظاهر الثياب كما هو قول ابن مسعود رضي الله عنه، أو ما ظهر منها بلا قصد كأن ينكشف شيء من جسدها بفعل ريح أو نحو ذلك.
كما روى الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان»، وهذا دليل على أن جميع بدن المرأة عورة بالنسبة للنظر.