دَيْن الطيب فى رقبته..
فى «كوكس بازار» من أعمال بلاد البنغال، هناك على الحدود البنجلاديشية/ البورمية، هناك الملايين ينتظرون حضور الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بفارغ الصبر، وعدهم الإمام الطيب بالزيارة، ولما همّ بها وكاد أن يطير فى السماء إلى «دكا» عاصمة بنجلاديش، ضرب الإرهاب ضربته فى مسجد «الروضة» فى بئر العبد بسيناء، فلم يكمل مشواره إلى المطار، وعاد إلى المشيخة ليحرر بياناً ينعى فيه الشهداء حزناً، وينعى على الإرهاب تفحشه قتلاً للمصلين.
الإمام الأكبر اعتذر عن زيارته التاريخية إلى معسكرات لاجئى روهينجا داخل الحدود البنجلاديشية/ البورمية (ميانمار) فى توقيت حرج وقبيل زيارة بابا روما فرنسيس للمعسكرات، لتجمع معسكرات اللاجئين كما كان مخططاً بين أكبر زعامتين دينيتين عالمياً بعد لقائهما التاريخى فى روما قبل أسابيع قليلة، كل فى جهة من الحدود لتطويق الأزمة عرقياً ودينياً وطائفياً فى وقت تتحرك المصالحة السياسية بين الجارين اللدودين على خطوط التماس.
فى العاصمة «دكا» يبحثون عن موعد جديد لزيارة الإمام الأكبر، ويعولون كثيراً على زيارته لإعلان حالة الغوث الإنسانى عالمياً بعد أن ضربت الأوبئة والأمراض والمجاعات نحو المليون من اللاجئين الذين زحفوا على المعسكرات الحدودية من كل فج عميق، بعد تفشى المذابح الجماعية التى ارتكبتها السلطات البورمية لإجلاء الأقلية الروهينجية عن موطنها الأصلى، موطن الآباء والأجداد.
نظرية «الأرض المحروقة» مطبقة هنا تماماً، البورميون يحرقون كل شىء، لا يخلفون فى أثرهم أثراً للروهينجيبن يستندون إليه فى «حق العودة»، لا يملكون فى خروجهم الكبير أوراقا ثبوتية، حُرقت ديارهم وسويت قراهم بالأرض، ونفوا فى أقصى الأرض، دون حتى شهادات ميلاد، وكأنهم لم يولدوا قط، أو شق عنهم خليج البنغال الذى يطوقهم حتى الرقاب.
قسوة الحال أن العاصمة البنجلاديشية (دكا) أيضاً لا تقبل بهم حتى كلاجئين، وترفض تسمية محال إقامتهم بمعسكرات اللاجئين، وعلى مضض تقبل بوجودهم أحياء يرزقون من خلال ما تجود به المنظمات الإغاثية العربية والغربية، ولا حتى ترقمهم أو تحصيهم، فصاروا كالنفايات البشرية ملقين فى عرض الطريق بلا اسم ولا رقم ولا عنوان، يأكلون من خشاش الأرض كالهوام.
زيارة الإمام الأكبر وإن تأجلت لأسباب إرهابية قهرية، يجب ألا تُنسى فى لجة موج الحزن أو تُلغى تماما، والإلحاح هنا على إتمام زيارة الإمام لأسباب، وخلاصتها أن الاستعدادات البنغالية التى سبقت زيارة الإمام شهدت حضوراً مصرياً غير مسبوق، وتصدرت صور الإمام وأخبار الزيارة ووصول المساعدات الإنسانية الأزهرية مقدمة النشرات الإخبارية والصفحات الأُوَل من الصحافة الوطنية التى صحت على خبر مجزرة مسجد سيناء، فتلونت باللون الأسود حداداً.
لفتة معتبرة من الإمام الأكبر أن تستمر فعاليات الزيارة كما خُطط لها، وزيادة وتعويضاً عن الغياب القهرى لشخصه تقرر فى مجلس حكماء المسلمين مضاعفة الكميات المقدمة من المساعدات الإنسانية، وهو ما لقى استحساناً هائلاً ولكن لايزال الإلحاح قائماً على زيارة الإمام الأكبر، ولو تالياً لزيارة بابا الفاتيكان.
طريف ما يتداول البعض من أن هذه الزيارة مكتوب لها ألا تتم وكلما همّ الإمام الأكبر بالزيارة تتأجل لأسباب قدرية، وتوقعات ألا تتم فى القريب العاجل، ولكن وعد الإمام دين فى رقبته، ومليون لاجئ روهينجى يتطلعون إلى خطبة جمعة تاريخية من الإمام الأكبر يصبّرهم على بلوى النفى والتهجير القسرى، ويدافع عن حقهم فى العودة الآمنة إلى أطلال الديار.
نقلًا عن "المصري اليوم"