«الديون الخارجية» تُعرقل برنامج الحكومة لـ«الإصلاح الاقتصادى»
حذّرت بعض المؤسسات المالية الدولية من ارتفاع حجم الديون الخارجية في مصر، كما حذّر تقرير لقسم خدمة المستثمرين بـ«وكالة موديز» للتصنيف الائتماني العالمية، صدر مؤخرًا، من أن مصر ضمن «7» دول ناشئة معرضة لمخاطر بسبب ارتفاع تكلفة الديون وسعر الفائدة على الاقتراض.
كما اعتبرت وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني، بحسب تقرير لها صدر الشهر الجاري، أن عدم السيطرة على الدين الخارجي لمصر قد يسبب ضغوطا سلبية على تصنيفها الائتماني فيما بعد.
وقالت الوكالة في تقريرها إن الضغوط السلبية على تصنيف مصر قد ترتفع في حال تغير مسار خطة مصر لخفض الديون مقابل الناتج المحلي.
وحذر «ديفيد ليبتون»، النائب الأول لمدير عام صندوق النقد الدولي خلال إحدى جلسات مؤتمر النمو الشامل في مصر الذي نظمه الصندوق مع البنك المركزي، من أن الدين العام لا يزال شديد الارتفاع، ويتعين بذل جهود كبيرة لضبط الأوضاع المالية وإتاحة المبالغ اللازمة للإنفاق في المجالات الأساسية مثل الصحة والتعليم.
وحذرت وكالة «موديز» الائتمانية، دول الاقتصادات الناشئة، من وجود ديون ذات فترات استحقاق قصيرة، مع عدم القدرة على استيعاب ارتفاع تكاليف الديون، مشيرة إلى أن هذا الأمر سيؤدي إلى أزمات مالية، نتيجة الأوضاع الاقتصادية العالمية، وفقًا لأحد بحوث الوكالة.
وذكرت الوكالة في دراسة لها أن مصر والبحرين وباكستان ولبنان ومنغوليا معرضة بشكل خاص للخطر.
وقالت إليسا باريزي كابوني، نائبة رئيس وكالة موديز، إن الدراسة خلصت إلى أن "الصدمة المعتدلة ستكون قابلة للإدارة بشكل عام، مع تأثير محدود على تحمل الديون السيادية وأعباء الديون بخلاف الدول التي تظهر بالفعل قوّة مالية منخفضة"، وأضافت "لكن الصدمة الشديدة من شأنها الضغط على مجموعة أوسع من التصنيفات".
وحذرت الوكالة من أن إزالة البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة، الحوافز النقدية غير المسبوقة التي ضختها في الاقتصاد العالمي في أعقاب الأزمة المالية، سيؤثر على الاقتصادات الناشئة، بدرجة غير متوقعة، لكنها بشكل عام تؤدي إلى زيادة المخاطر.
هذا في الوقت الذي سلط فيه عدد من المؤسسات الاقتصادية الدولية الضوء على ديون مصر كأحد المخاطر التي تواجه الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة سواء من ناحية ارتفاع تكلفة الاقتراض أو التأثير على التصنيف الائتماني.
ووصل حجم الدين العام في مصر إلى 108% من حجم الناتج المحلي الإجمالي نهاية العام المالي الماضي، بحسب البيان المالي التمهيدي لموازنة العام المقبل.
وبحسب نشرة طرح سندات اليورو التي طرحتها وزارة المالية الشهر الماضي، قفز حجم الدين الخارجي لمصر إلى 82.9 مليار جنيه في ديسمبر الماضي، مقابل 46.1 مليار دولار في يونيو 2014.
ووصلت نسبة الدين الخارجي إلى 36.2% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية سبتمبر 2017 مقابل 15.1% منتصف 2014.
ومع ارتفاع أسعار الفائدة العالمية وتراكم الديون على دول الأسواق الناشئة، تتزايد المخاوف من احتمال تعرض تلك الدول لأزمة تمويل.
وحذر صندوق النقد الدولي في وقت سابق من هذا العام من أن 40 % من البلدان النامية ذات الدخل المنخفض تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالديون.
عن هذا الموضوع تقول الدكتورة يمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد بـ«جامعة عين شمس»، إنها وعدد كبير من الاقتصاديين حذروا من ارتفاع الديون الخارجية قبل أن تحذر منها المؤسسات الدولية، وقالوا إن الديون الخارجية تزيد بشكل مقلق، وأن ذلك يتطلب أخذ موقف واضح وصريح من قبل الحكومة، مشيرة إلى أن هذه القروض لا تمثل أي مشكلة عندما يتم استخدامها في أنشطة أو مشروعات إنتاجية تدر عملة أجنبية، لأن قدرة الدولة على سداد هذه القروض مرتبط بتوليد دخول تستطيع استخدامها في سداد هذه الديون او القروض، أو وجود إنتاج يتم تصديره، للحصول على العملة الأجنبية، وبالتالي سداد أقساط هذه الديون وفوائدها.
وأضافت «الحماقي» أن حديث وزارة التجارة والصناعة عن وجود استراتيجية للتصدير حتى 2030، غير واضحة وغير مرتبطة بالواقع، وهذا ليس جديدا في مصر، فعندما كانت في مجلس الشورى ناقشت استراتيجيتين للتصدير على ورق فخم ومطبوع وكلام جميل، لكنه بعيد تماما عن الواقع.
وأكدت «الحماقي»، أن خطورة المديونية تكون أكبر في ظل وجود ظروف سياسية متقلبة، وأنه من الأفضل في تلك الظروف تقليل هذه المديونية أو تأمين سدادها، لأن المنطقة العربية في حالة عدم استقرار وعلى فوهة بركان، كما أن الجهود التي تتم من أجل التصدير غير كافية، معبرة عن قلقلها الشديد من الديون الخارجية، لاسيما وأنه سيكون لها تأثير سلبي على برنامج الاصلاح الإقتصادي، لأنها تمثل عبئًا على ميزانية الدولة.
وبشأن مقارنة البعض بين مصر وأمريكا من حيث المديونية قالت «الحماقي»، إن هناك فروقا جوهرية بين الدولتين تجعل المقارنة بينهما ليس في محلها على الإطلاق، مشيرة إلى أن الاقتصاد الأمريكي أقوى اقتصاد في العالم، وأمريكا هي التي تقوم بطباعة الدولار، لافتة إلى أن كل مؤشرات الاقتصاد المصري إيجابية، وهناك مشروعات قومية كبرى يتم تنفيذها، ولكن الإطار الاقتصادي لا يتمتع بالقوة والكفاءة الكافية، وأن هذه المشروعات لم تنعكس حتى الآن على واقع الإنسان المصري، الذي أصبح يئن من ارتفاع الأسعار، ولم يصبح في وسعه تحمل المزيد من هذه الأعباء.
من ناحيتها، تقول الدكتورة عالية المهدي، أستاذ الاقتصاد بـ«جامعة القاهرة»، إنه كلما زادت القروض والتزامات سدادها، فإن ذلك يمثل قيدًا أساسيًا على الموازنة العامة للدولة، فهناك بندين في الموازنة العامة للدولة يتعلقان بالقروض، الأول هو البند الخاص بفوائد القروض، والبند الثاني خاص بسداد أقساط القروض، هذان البندان كانا يمثلان 25% من الإنفاق العام قبل الثورة، الآن يمثلان حوالى 50% من حجم الإنفاق العام، رغم تخفيض حجم الدعم من 30% إلى 18% من حجم الإنفاق العام، وهذا أثر بالسلب على الإنفاق على الاستثمار والبنود الجارية الأخرى، وبالتالي ارتفاع الديون يمثل قيدًا على الموازنة العامة للدولة، وقيد على ميزان الدفوعات، لأن هناك التزامات مالية بالعملة الأجنبية بصفة دورية، وهناك ديون بالعملة الصعبة يتم تسديد أقساطها وفوائدها.
وتابعت: «وبالتالي لابد من وجود عائد من العملة الأجنبية يغطي كل احتياجات الدولة، منها سداد أقساط الديون وفوائدها، والواردات، وأي التزامات أخرى بالعملة الأجنبية للخارج، وبالتالي كلما زادت الديون كلما زادت هذه الالتزامات، وهذا يمثل عبئًا أكثر على الميزانية العامة للدولة».
ولفتت «المهدي»، إلى أن زيادة الديون سيكون لها تأثير سلبي على الاستثمار المحلى العام، لأنه كلما زادت أقساط الديون وفوائدها في الموازنة العامة للدولة، كلما قلل ذلك من قدرة الدولة على عمل استثمارات، كما سيكون لها تأثير أيضا على برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة، مؤكدة عدم وجود وجه للمقارنة بين مصر والولايات المتحدة، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة أكبر دولة مديونية في العالم، لكن لديها القدرة على السداد، مشيرة إلى أن زيادة الإحتياطي النقدي يعطي إشارة إيجابية للخارج عن الاقتصاد المصري، وبأن هذه الدولة لديها القدرة على تغطية احتياجاتها لمدة خمسة أو ستة أشهر، ولكن مشكلة الاحتياطي النقدي في مصر أن نصفه عبارة عن ودائع عربية سعودية وإماراتية وكويتية.