كارثة.. نقص أطباء المستشفيات الجامعية والحكومية يهدد بـ«تشريد» المرضى
تواجه وزارة الصحة أزمة كبيرة، كانت سببًا مباشرًا في إعلان عدد من المستشفيات العامة غلق العديد من الأقسام المهمة بداخلها؛ نتيجة وجود عجز في الأطباء والتخصصات.
الأزمة ليست وليدة اللحظة، لكنها بلغت ذروتها فى الآونة الأخيرة، الأمر الذى أدى إلى غلق وحدات صحية وأقسام كاملة فى كثير من المستشفيات.
وفى سبتمبر الماضي، اعترفت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة أمام البرلمان، بوجود عجز كبير فى عدد الأطباء بمستشفيات الوزارة لعملهم بالخارج أو فى القطاع الخاص، مشيرة إلى أن أطباء التكليف يتوزعون كل عام على مديريات الصحة فى جميع أنحاء مصر، لكن يمكن للأطباء تعديل تكليفهم، والانتقال من المحافظات البعيدة إلى محافظاتهم بعد مرور عام، مؤكدة وجود 60% من الأطباء المصريين يعملون فى السعودية و50% ممن بقوا فى مصر يعملون بالقطاع الخاص، وعدم تخريج كليات الطب عددًا كافيًا، مشيرة إلى أنها تواصلت مع وزير التعليم العالي لبحث هذا الأمر، واتخاذه قرار وقف الإجازات، ضمن عدد من القرارات لمواجهة هذه الأزمة.
الدكتور محمد العماري، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب قال إن منظمة الصحة العالمية تحدد طبيبًا لعدد يتراوح ما بين 300 إلى 500 شخص، لكن في مصر هناك طبيب لكل 1330 شخصًا، مؤكدًا أن مصر تعانى من نقص في الأطباء بنسبة 33%، وفى التمريض بنسبة 43%، وهي المشكلة المطروحة على طاولة مناقشات مجلس النواب بشكل شبه يومي.
وقال الدكتور محمد عبد الحميد، أمين صندوق نقابة الأطباء، إن هناك إحصائيات موثقة من النقابة تفيد باستقالة 1044 طبيبًا في عام 2016، و2549 طبيبًا في عام 2017، و2397 طبيبًا في 2018 حتى 30 نوفمبر، ليبلغ عدد المستقيلين 6 آلاف طبيب خلال 3 سنوات.
وأضاف، أن ظاهرة استقالة الأطباء فى تزايد مستمر، متوقعًا أنه إذا لم تُحل مشكلة الأطباء ستكون السنوات أو الشهور المقبلة لن يكون هناك أطباء بمصر، في ظل الخدمة الطبية السيئة بمصر التي تدفع الأطباء إلى السفر للعمل بالخارج.
وذكرت إحصائيات سابقة أن المتوسط العالمى لعدد الأطباء بالنسبة لعدد السكان يبلغ طبيبًا واحدًا لكل 350 مواطنًا، بينما فى مصر ينخفض بشكل كبير إلى طبيب واحد لكل 970 مواطنًا.
ووفقًا للإحصائيات، فإنه من المفترض أن يكون هناك طبيب مقابل 800:1000 مواطن، ولدينا 250 ألف طبيب مصري، موضحًا أن المشكلة تكمن فى وجود أكثر من 100 ألف طبيب مصري يعملون فى دول الخليج، والدول الأخرى، فضلا عن وجود عدد آخر يعمل في القطاع الخاص والعمل الإداري، ومهن أخرى، ولا يمارس المهنة.
وهناك 65 ألف طبيب بوزارة الصحة، منهم عدد كبير حاصلون على إجازات بدون مرتب تصل نسبتهم إلى أكثر من 25%، ويعملون بالقطاع الخاص، مشيرًا إلى وجود عجز شديد فى العديد من التخصصات، أبرزها العناية المركزة، والتخدير، والكلي الصناعي، والأطفال المبتسرين، والجراحات الدقيقة، والقلب.
أزمة نقص الأطباء في المستشفيات العامة بمراكز المحافظات تسببت في ارتباك شديد للمرضي، وشهدت المستشفيات العامة في بعض المحافظات نقصًا شديدًا فى بعض التخصصات وخاصة رعاية القلب.
وتعاني الوحدات الصحية والمستشفيات بالوادي الجديد من عجز في معظم التخصصات الطبية ونقص الأجهزة والإمكانيات، وبالرغم من وجود وحدات صحية بمعظم القرى النائية، إلا أنها خالية من الأطباء والأجهزة الطبية على حد سواء.
ونفس الأمر في محافظات الشرقية والدقهلية والقليوبية والمنوفية، الأزمة وصلت إلى أن هناك أزمات في أقسام كاملة بالمستشفيات خاصة التعليمية، فمثلا وجود بعض الأقسام بها نحو 30 نائبًا أصبحوا حاليًا 3 نواب فقط، خصوصًا في الأقسام التي لها طبيعة خاصة وبها معدل مخاطر مثل الطوارئ والتخدير وبها عجز "رهيب".
هذه الأزمة عندما تزايدات وصلت للمستشفيات الجامعية.
ورصدت تقارير وزارة الصحة عن أزمة نقص الأطباء بوجود نقص حاد في أطباء التخدير المقيمين بـ«نوبتجيات» مستشفى الجلاء للولادة وتم تحويل الكثير من حالات الولادة إلى مستشفيات أخرى، وملاحظة وجود أطباء كبار السن في «النوبتجيات» الليلية لعدم وجود نواب ببعض الأقسام، وعدم تسلم الكثير من الأطباء لنيابات التخدير بمستشفى الدمرداش مؤخرًا.
كما توجد أزمة أمام الصحة بسبب المستشفيات التكاملية وعدم تشغيلها،نتيجة نقص القوة البشرية، وتحديد وجود عجز شديد فى أطباء التخدير والرعاية المركزية، ويوجد نقص شديد جدا فى أطباء التخدير والرعاية المركزية، وهناك عزوف من الأطباء فى هذا التخصص، وهناك 180 طبيبا فى قصر العينى سافروا استراليا.
وقالت الدكتورة سعاد عبدالمجيد، رئيس قطاع الرعاية الصحية الأساسية، إنه يتم سد العجز فى الوحدات والمراكز عبر تسيير القوافل الطبية العلاجية بالمناطق النائية والمحرومة.
وأوضحت أنه تم فتح باب الانتداب بنظام "الشيفتات"، حيث تمت مخاطبة القطاع العلاجى بالوزارة لتكليف الأطباء الأخصائيين ومساعدى الأخصائيين بمأمورية للعمل يومين فى الأسبوع بأحد مراكز ووحدات الرعاية الأساسية للإدارة الصحية والمنطقة الطبية التى يتبع لها المستشفى، والتى لا يتوافر بها أخصائيون فى تخصصات الباطنة، والأطفال، والنساء والتوليد، على أن يعمل الأطباء باقى أيام الأسبوع بالمستشفى، ويكون هذا بالتناوب بين الأطباء الأخصائيين ومساعدى الأخصائيين.
وأشارت إلى أنه من ضمن تلك التحركات إبرام بروتوكول تعاون مع المحافظات ذات الكثافة، ليتم استقدام أطباء للعمل لمدة شهرين بالوحدات التى بها عجز فى الفريق الطبي، وعمل مكافأة شهرين لهم، بالإضافة إلى ما يتقاضونه من مميزات بمديرياتهم، مع تكريمهم من الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان.
وكشفت عن دراسة إمكانية التعاقد مع أطباء متفرغين أو محالين على المعاش من موازنة المحافظات، مع العمل على إعادة توزيع الأطباء داخل المحافظة ومنع التكدسات فى الإدارات والمنشآت المركزية بالمحافظة، والاستعانة بنواب طب الأسرة بوحدات الرعاية الصحية الأساسية وبعد الترقية إلى مساعد أخصائي، والاستعانة بالحاصلين على الزمالة المصرية لطب الأسرة (والدارسين) والتوسع فى برنامج الزمالة المصرية بالمحافظات النائية.
وكشف الدكتور ياسر عبد المنعم، طبيب تخدير، أن الوزارة لا تتعامل مع أزمة نقص الأطباء بالشكل المطلوب، مدللا على ذلك بترك الكثير منهم للعمل، والسفر إلى الخارج، وذلك بسبب الظروف المادية القاسية.
وأكد أن بيئة العمل لا تليق بالأطباء، سواء سكن الأطباء، والذي وصفه بغير الآدمي بالمرة، والإعاشة، والتعرض للاعتداءات بدون ذنب اقترفوه، بسبب أخطاء الغير.
وتابع: لا بد للحكومة أن تحافظ على أطبائها لأنه بالطبع لن تستطيع استيرادهم من الخارج، تحسين ظروفهم المادية، من رواتب وحوافز، وبدل العدوى، وتحسين بيئة العمل، وعمل تدريب طبي مستمر، والدراسات العليا، وتطوير سكن الأطباء، لتشجيع الأطباء على العمل.
وصرح بأن إعلان الوزارة بوجود عجز فى الأطباء، ينبغي أن يتبعه إجراءات قوية وعملية، مستنكرا قيامهم بمنع الإجازات، لأن ذلك سيضطره لتقدم استقالته، وهذا ليس حلالًا.
وتابع: «نطالب الحكومة بالالتزام بتنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة برفع بدل العدوى من 19 جنيهًا شهريًا إلى ألف جنيه، فضلًا عن اتخاذ إجراءات فعلية لتحسين أوضاع الأطباء، ومنحهم حقوقهم العادلة تنفيذًا للدستور».
وقال الدكتور ياسر، إن "تدنى أجور الأطباء التى تبدأ بـ2300 ولا تزيد على 6000 جنيه عند الخروج على المعاش، هو أحد أبرز أسباب ظاهرة هجرة الأطباء، لأن الطبيب لن يستطيع بهذا الراتب أن يلبى احتياجات الحياة اليومية العادية، وكذلك في ظل الاعتداءات المستمرة على الأطباء بسبب تدنى الخدمة الطبية المقدمة، ومنع الإجازات بدون مرتب، ما يضطر الطبيب الراغب فى الزواج أو شراء شقة وتكوين أسرة إلى تقديم استقالته حتى يتسنى له العمل بالخارج لعدة سنوات".