«مفرمة» الفصل والتسريح تُهدد الصحفيين بـ«الموت البطىء»
لم يكن أكثرُ المتشائمين تشاؤمًا يتخيل أن يصل حال العاملين بمهنة صاحبة الجلالة لهذا الحد من السوء؛ فما بين إغلاق جرائد و«تسريح» الزملاء منها، والفصل التعسفي من مواقع إليكترونية أخرى، أصبح حال الصحفيين لا يسر عدوًا ولا حبيبًا.. الجميع على الرصيف حرفيًا.
هذه الأزمة العاصفة التى تهدد بقطع أرزاق الصحفيين ليست جديدة؛ لكنّ الدافع الأساسي للحديث عنها الآن هو ما تشهده عدة مؤسسات صحفية ومواقع إليكترونية من «تسريح» للعاملين فيها؛ بدعوى توفير النفقات المالية؛ لاسيما مع عدم تحقيق هذه المؤسسات مكاسب مالية سواء من التوزيع أو من الإعلانات، الأمر الذى يجعل استمرار عملها بأعداد كبيرة من الصحفيين أمرًا مستحيلًا.
نرشح لك: لغز الاستعانة بـ«السناوى» وقلاش.. كواليس الأيام الأخيرة قبل إعلان تشكيل هيئة مكتب الصحفيين
وقبل انتهاء شهر رمضان الماضى، بدأت عملية تقليل أعداد الزملاء العاملين فى جريدة «الدستور» التى يرأس مجلس إدارتها وتحريرها الدكتور محمد الباز، وتعرض أكثر من «67» زميلًا للتسريح، مع وجود حديث عن دفعة أخرى من الزملاء ستتعرض لترك المؤسسة بعد النقل لمقر الجريدة الجديد فى «الدقى».
وفي الأسبوع الماضى، سُرح «50» ما بين صحفيين وعاملين من مؤسسة «البوابة نيوز» التى يرأس مجلس إدارتها وتحريرها الدكتور عبد الرحيم على، وسبق ذلك إغلاق جرائد وتوقفها عن الصدور من الأساس مثل «الخميس» لصاحبها الإعلامي الدكتور عمرو الليثي، و«الجماهير» التى كان يملكها الصحفى معتز الشاذلى، نجل السياسي الشهير الراحل كمال الشاذلي، فضلًا عن تسريح أعداد كبيرة من العاملين فى موقع وجريدة «فيتو»، وتخفيض مرتبات المستمرين فى العمل بنسبة 50 %.
فى نفس السياق تعرضت مواقع لـ«التجميد» مثل موقع «إعلام دوت أورج».
وظهرت حملة توقيعات على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، تُندد بفصل الزملاء في جريدة «الدستور»، مطالبة بإنهاء هذه الظاهرة الخطيرة التي أصبحت تعصف بجميع المؤسسات الصحفية تقريبًا.
وطالبت الحملة نقابة الصحفيين بالتدخل الفوري، وتفعيل قانون ولائحة النقابة وقرارات الجمعية العمومية، في إحالة أي رئيس تحرير «يتورط» في فصل الصحفيين إلى لجنة تأديب وفصله من النقابة، والتضامن مع الصحفيين في التقاضي، ووقف قيد الصحفيين بتلك الصحف لحين حل أزمتها مع المفصولين، إذا لم يتراجع عن قراره بفصل الصحفيين.
وطالبت الحملة النقابة بالتفاوض مع إدارات الصحف نيابة عن الزملاء المفصولين، وتفعيل القرار الأخير للجمعية العمومية بإلزام المؤسسات بإبلاغ النقابة بأسماء الصحفيين المتدربين، وتعيينهم والتـأمين عليهم بعد مرور ستة أشهر من عملهم في الجريدة.
ودعت الحملة الزملاء الذين أجبرتهم إدارتهم على توقيع استمارة «6» مع عقود التعيين، والذين وقعوا عقود العمل ورفضت الإدارات تسليمها لهم، أو فُصلوا تعسفيًا بالتوجه الفوري للنقابة وتقديم مذكرة ضد إدارات الصحف التي انتهجت ممارسات غير قانونية.
وبحسب المادة «3» من قانون نقابة الصحفيين، فإن النقابة تستهدف العمل على الارتفاع بمستوى المهنة والمحافظة على كرامتها والذود عن حقوقها والدفاع عن مصالحها، وضمان حرية الصحفيين في أداء رسالتهم وكفالة حقوقهم، والعمل على صيانة هذه الحقوق في حالات الفصل والمرض والتعطل والعجز، فضلًا عن السعي لإيجاد عمل لأعضاء النقابة المتعطلين وتشغيلهم أو تعويضهم تعويضًا يكفل لهم حياة كريمة، والعمل على مراعاة الالتزام بتقاليد المهنة وآدابها ومبادئها، وتسوية المنازعات ذات الصلة بالمهنة التي تنشأ بين أعضاء النقابة أو بينهم وبين الهيئات والمؤسسات والدور الصحفية التي يعملون فيها.
وبعد طرح أزمة «التسريح» وكذلك المادة السابقة من قانون نقابة الصحفيين فإنّ الأسئلة المطروحة الآن: ماذا ستفعل نقابة الصحفيين للحفاظ على حقوق الزملاء الذين تعرضوا للتسريح من مؤسساتهم؟ وكيف يعمل النقيب ضياء رشوان على مواجهة هذه الأزمة التى تعد أخطر أزمة تواجهه منذ تنصيبه نقيبًا للصحفيين.
فى هذا السياق، قال حماد الرمحي، عضو مجلس نقابة الصحفيين، ومقرر لجنة التسويات، إنّ اللجنة مهمتها إنهاء المشكلات التى تنشأ بين الصحف والزملاء العاملين بها، مضيفًا أنّ اللجنة تلقت شكاوى عديدة من جريدتي «الدستور» و«البوابة نيوز» وصحف أخرى.
نرشح لك: مدير تحرير «إعلام دوت أورج» يتحدث عن تجميد الموقع: «عندنا أمل نرجع تانى»
وأضاف «الرمحى» فى تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن 67 زميلًا تقدموا بشكاوى من جريدة «الدستور»، اثنان منهما فقط أعضاء بـ«نقابة الصحفيين»، فى حين أنّ الآخرين متدربون فى الجريدة.
وأكدّ عضو مجلس نقابة الصحفيين أنّ العضوين حُلت المشاكل الخاصة بهما، ورجعا لممارسة عملهما، أما بقية المتقدمين بشكاوى فقد لجئوا للقضاء؛ لأنه لا يجوز للنقابة التدخل فى أى قضية عمالية إلا في ما يخص أعضائها فقط.
وتابع أنّه في ما يخص الشكاوى المتقدمة من الزملاء بـ«البوابة نيوز»، فتبين أنّ هناك عضوًا واحًدا مقيدًا بالنقابة من ضمن المتقدمين بشكاوى، وصُفيت الخلافات الخاصة به وسيعود للعمل، في حين أن الباقين سيلجئون أيضًا للقضاء.
وأضاف «الرمحى» أنه لن يسمح لصحيفة أن تفصل صحفيًا طالما يؤدي عمله فى إطار القانون، وطالما أنه لا يمارس «بلطجة» أو مخالفات.
وبشأن إغلاق الصحف قال «الرمحى» إنّ هذه الأزمة تتعلق بالمشكلة الاقتصادية التي تعاني منها الدولة، نافيًا وجود ضغوط سياسية من الدولة وراء إغلاق الجرائد أو حجب المواقع الإليكترونية.
وتابع: «الأزمات الاقتصادية يتبعها عجز الإدارة عن دفع المرتبات وبالتالي تُغلق»، مؤكدًا أنّ نقابة الصحفيين تكون فى هذه الحالة أمام مشكلة خطيرة؛ لأننا أمام غلق مؤسسة صحفية بالكامل، وليس فصلًا تعسفيًا لزملاء يمكن مثلًا التدخل لإنهائه.
وفي وقت «سخونة» عملية «تسريح» الزملاء من «الدستور»، تواصلت «النبأ» مع الزميل محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحفيين، والذى قال إنّ النقابة جزء أساسي من عملها التدخل فى حل المنازعات بين الزملاء والمؤسسات العاملين بها.
وأكدّ «عبد الحفيظ» أنّ مجلس النقابة لن يترك زميلًا وقّع على إجازة بدون مُرتب، أو فُصل من غير إبداء أسباب، بدون التضامن القانوني والنقابي معه.
نرشح لك: «أحداث 15 مايو.. شيء من المراجعة».. تفاصيل مقال «السناوي» الممنوع من النشر فى «الشروق»