رئيس التحرير
خالد مهران

من الفيوم وحدائق المعادي والبساتين.. حكايات «الشقيانين» فى مهن «تقصف العمر» بدرى

الطفل حمصه ابن الفيوم
الطفل حمصه ابن الفيوم


لاشك أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد تؤثر بالسلب على المجتمع كله، وعلى الأسر الفقيرة بصفة خاصة، فتضطر هذه الأسر للذج بأبنائها الصغار إلى سوق العمل من أجل توفير المال للإنفاق على باقي أفراد الأسرة.

وكثيرًا ما نشاهد بعض الأطفال في سن مبكرة جدًا يعملون في بعض الحرف المختلفة سواء في الورش المتخصصة في صيانة وإصلاح السيارات أو داخل المصانع، هؤلاء الأطفال قد يتعرضون لمخاطر عديدة بحكم طبيعة عملهم ولصغر سنهم ولعدم مقدرتهم علي التصرف في المواقف الصعبة التي قد يتعرضون لها نظراً لطبيعة هذه الأعمال، وربما في بعض الأحيان تعرض حياتهم للخطر، إذا نظرنا لهذه الظاهرة من حيث خطورتها على الطفل بصفة خاصة، سنجد المخاطر كثيرة ومتعددة، منها مخاطر جسدية قد تؤدي إلى الهلاك في بعض الأحيان، ومخاطر نفسية يتعرض لها الطفل، قد تترك آثارا سلبية يظل يعاني منها الطفل مدى الحياة، وهناك بعض الأطفال يتعرضون إلى العنف الجسدي بكل أنواعه، سواء ضرب أو إهانة أو ربما قد يتعرض البعض منهم للاغتصاب من قبل أصحاب العمل وآخرين. 

وهذا مؤشر خطير جدا، لأن هذه السلوكيات تكرس لمبدأ العنف لدى الطفل وقد تدمر حياته ومستقبله، وفي تلك المرحلة بالتحديد  يكون الطفل عرضة للانحراف نظرا لعدم إدراكه الأمور الصحيحة، وبهذا التصرف  نقدمه فريسة سهلة لأشخاص آخرين غير أسوياء موجودين بكثرة في المجتمع.

أما خطورة انتشار ظاهرة عمالة الأطفال على المجتمع بصفة عامة، فلو نظرنا إليها بعين الاعتبار، سنجد أنها ظاهرة خطيرة جداً، تكرس لمبدأ الأمية وتنشر الجهل في المجتمع؛ لأن الطفل الذي يعمل لا يأخذ حقه فى التعليم أو فى الصحة، فهذا الطفل عندما يصبح رجلا في المستقبل ويتزوج ويكون أسرة، سوف تكون ثقافته محدودة، وهذا ينعكس بالسلب علي جميع أفراد أسرته.

وفي نفس السياق أكد الدكتور محمد السيد، إستشاري الطب النفسي، مدير مستشفى قصر المعادي للصحة النفسية، أن ظاهرة عمالة الأطفال باتت من الظواهر الخطيرة التي انتشرت في المجتمعات النائية والفقيرة؛ نتيجة لسوء الأحوال الاقتصادية، ما يجعل الأسر الفقيرة تضطر للدفع بأبنائها للعمل في سن الطفولة، الأمر الذي يؤثر تأثيرًا بالغًا على الاستقرار المجتمعي، ويعطل عملية التنمية البشرية والتي تعد القاطرة الدافعة لأي مجتمع إلي آفاق التقدم، لافتا إلى أن هذه الظاهرة بدأت تزداد في مصر.

وأضاف لـ«النبأ» أن الصحة النفسية في مرحلة الطفولة تحتاج إلى أن يعيش الطفل في بيئة آمنة وأن يلقى الاهتمام الكافي المصحوب بالحب والرعاية مع العمل على إشباع حاجاته الأساسية، لاسيما الطعام والشراب واللعب والأنشطة الهادفة، وكذلك غرس القيم الأخلاقية، بالإضافة إلى أهمية العملية التعليمية، فإذا توافرت كل هذه العوامل والمقومات في مرحلة الطفولة، سينتقل الطفل إلى مرحلة المراهقة ثم النضج ولديه البناء النفسي القوي، الذي يمنحه الثقة وتقدير الذات، أما إذا دفعت الأسرة بالطفل إلى مجال العمل في هذه المرحلة العمرية المبكرة، فإن الطفل يفقد كل مستويات النمو النفسي، حيث يفقد الشعور بالأمن والأمان، وقد يحرم من التعليم، ويتعرض في كثير من الأحيان للإيذاء النفسي والبدني من صاحب العمل.

وتابع: تنامي هذه الظاهرة يعني ازدياد معدل الجريمة في مصر، وتوفر أرضية خصبة لنمو الإرهاب والتطرف، والذي يؤدي بدوره إلى إعاقة التنمية الاقتصادية، فضلا عن افتقاد الشعور بالأمن الأمان داخل المجتمع.

وقال؛  لكي نكون موضوعين في البحث عن حلول لهذه الظاهرة، فإنه لابد وأن نقر بأن أي حلول ناجحة، لابد أن تشارك فيها الدولة والمجتمع جنبا إلى جنب إذ أن الدولة بمفردها لا تستطيع أن تتحمل تكلفة هذه الحلول، إلا بوجود مجتمع مدني يؤمن بخطورة هذه الظاهرة علي أفراده ومن ثم يساهم في حلها.

أما الدولة في الوقت الحالي فعليها تفعيل القوانين الرادعة التي من شأنها أن تمنع هذه الظاهرة، وفرض عقوبات صارمة على كل من يسمح بعمل الأطفال في أي مؤسسة، إضافة إلى تطوير العمل بمؤسسات الرعاية وتأهيل العاملين فيها وزيادة عددها، وأن تقوم وزارة التضامن الاجتماعى بتفعيل دور الإحصائيات الاجتماعية.

"هادي أ.ع." يعمل "ميكانيكي" سيارات بإحدى الورش بمنطقة البساتين بالقاهرة، من مواليد محافظة المنيا، يحكي لـ"النبأ" معاناته منذ طفولته التي لم يعشها مثل أقرانه من الأطفال في تلك المرحلة، وقال: قضيت طفولتي في هذه المهنة، وأخذت اتنقل من ورشة إلى أخرى وتعرضت لكثير من المواقف الصعبة سواء  من أصحاب الورش أو غيرهم، إلا أنني صمدت أمام هذه المواقف، وتحملت كل هذه الضغوط وصممت على أن أتعلم هذه المهنة، مشيرا إلى أنه بعد وفاة والدته تزوج والده من امرأتين وأنجب منهما، ونظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تمر بها الأسرة، تركت دراستي بالمرحلة الابتدائية، وأتجهت للعمل كصبي ميكانيكي بإحدي الورش لمساعدة والدي وإعانته على ظروف الحياة، ثم توفيّ والدي وترك الجميع.

واستكمل: بعدما اشتد عودي وبدأت أعتمد على نفسي، ولكن أصابنى مرض في قدماي الاثنين وبالتحديد في الأطراف، فذهبت إلى أحد الأطباء، وبعد إجراء الفحوصات اللازمة، أكد لي الطبيب بأن هذا المرض غير معروف ونادر، ثم تسبب لي المرض في بتر أحد أصابع قدماي، وشخصه الأطباء بأنه مرض مزمن يؤدي إلى تآكل العظام ونسبة الإصابة به بين الأشخاص قليلة للغاية.

«حماصة» طفل يبلغ من العمر 9 سنوات، ويقيم بمحافظة الفيوم، هذا الطفل توفي والده منذ عدة سنوات إثر تعرضه لحادث، وبعدها ترك دراسته واتجه إلى العمل بإحدى الورش المتخصصة في صيانة السيارات بمدينة الفيوم من أجل الإنفاق على والدته وأشقائه.

"أحمد. ع" 14 سنة، طالب بالصف الأول الإعدادي، يعمل صبي "ميكانيكي" بورشة والده بمنطقة حدائق المعادي، اقتربنا منه وعندما سألناه عن سبب نزوله إلى مجال العمل في هذه السن الصغيرة، قال إنه نزل إلى العمل من أجل مساعدة والده المسن، ومن أجل أن يتعلم مهنة "الميكانيكا" لإكمال مسيرة والده وفتح ورشة فيما بعد.