عملية إيقاظ «العملاق النائم» فى نقابة الصحفيين
بدايةً مثّل اختيار عمرو بدر ليكون مقررًا لـ«لجنة الحريات» سببًا فى تفائل كثيرين؛ لاسيما أنه معروف دائمًا بالدفاع عن الحريات الصحفية، والانحياز للعاملين فى بلاط صاحبة الجلالة، بل ويضع عليه زملاء كثيرون آمالًا فى إحياء دور «لجنة الحريات» التى دخلت خلال العامين الماضيين «السرداب»؛ بسبب القائمين عليها، وعدم تفعيل دورها «كرهًا أو طواعيةً»، من الذين يرون أن هذه اللجنة قد تكون سببًا فى إثارة المشكلات مع النظام وأجهزته.
بالرجوع إلى الوراء، نجد أنّ «لجنة الحريات» كان صوتها عاليًا ومسموعًا بالندوات التي كانت تنظمها وبتقاريرها ومواقفها، وكان هذا الدور بارزًا جدًا فى الفترات التي كان الكاتب الصحفى محمد عبد القدوس مقررًا للجنة، كما تواجد على رأس هذه اللجنة الكاتب الصحفى والنقابيّ الشهير خالد البلشى من 2013 وحتى 2017، وهى فترة شهدت نشاطًا موسعًا لـ«لجنة الحريات».
وتشمل خطة الزميل عمرو بدر فى اللجنة «6» نقاط رئيسية هى أولًا: تصريح التغطية الصحفية والذي يحتاج إلى حوارٍ مع وزارة الداخلية؛ للوصول لحل فيما يتعلق بحرية التغطية بدون تصريح، والاحتكام إلى نص القانون الذي يبيح التغطية الصحفية في الأماكن غير المحظور التصوير فيها، خاصة مع تعرض العديد من الزملاء للمنع والاحتجاز بحجة عدم وجود تصريح من الداخلية، وهي أزمة كبيرة تحتاج إلى تدخل سريع وحوار جاد سيعرض فيه «بدر» أن يكون كارنيه النقابة أو كارنيه المؤسسة الصحفية كافيا للسماح بالتغطية الصحفية والتصوير في الأماكن غير المحظورة.
ثانيًا: إصدار قائمةٍ معتمدةٍ من النقابة بعدد الزملاء الصحفيين المحبوسين، على أن تستند القائمة على ما يؤكد كون المحبوس صحفيًا بالفعل، وأن يكون المعيار هو انتساب الزميل إلى مؤسسة صحفية أو امتلاكه لأرشيف صحفي، مع ملاحظة أن القائمة (في تقديري بدر)، يجب أن تشمل كل الصحفيين سواء كانوا أعضاءً بالنقابة أو لا، ومساندة جميع الزملاء نقابيًا وقانونيًا إذا ما ثبت ممارستهم للمهنة بالفعل أو انتسابهم لمؤسسة صحفية قومية أو حزبية أو خاصة.
اقرأ أيضًا:لغز الاستعانة بـ«السناوى» وقلاش.. كواليس الأيام الأخيرة قبل إعلان تشكيل هيئة مكتب الصحفيين
ثالثا: الحاجة إلى حوار مع وزارة الداخلية، وكل المعنيين بالأمر، حول مضايقات يتعرض لها الصحفيون في المطار أثناء سفرهم للخارج، وهو أمر يمكن حله بالحوار لا سيما وقد تعددت شكاوى الزملاء خلال الفترة الأخيرة من مضايقات تصل لحد الإهانة في مطار القاهرة.
رابعًا: اقترح «بدر» أن تبدأ النقابة في تنفيذ توصية الجمعية العمومية الأخيرة بتنظيم مؤتمر عن «صناعة المحتوى»، وأن يضم المؤتمر رؤساء تحرير الصحف، وعددًا من النقابيين القدامى، وصحفيين من كل الأجيال ومن كل المؤسسات، وأن يصدر عن المؤتمر توصيات يتم تقديمها لمجلس النقابة ليكون بداية حوارٍ جادٍ مع كل المعنيين حول الصحافة وهامش الحرية المتاح، وإمكانية الوصول إلى حالة من التوازن تضمن الحفاظ على المهنة وتطورها.
خامسًا: اقترح «بدر» إصدار تقرير كل ثلاثة أشهر حول «حالة الحريات الصحفية» يرصد صور انتهاكات ضد الصحفيين مثل «المنع من الكتابة أو المنع من التغطية الصحفية أو حجب المواقع أو حذف التقارير والأخبار»، ويرصد أيضا كل تقدم طرأ على الحريات الصحفية وكل ما يضيف للصحافة وحريتها.
سادسًا: فتح حوار واسع حول ظاهرة «المنع» سواء منع التقارير والأخبار والمقالات، أو حجب المواقع الذي تكرر كثيرا خلال الفترة الأخيرة.
وشهد أول اجتماعٍ عقدته اللجنة حضورًا كبيرًا من الزملاء المهتمين بـ«الحريات الصحفية»، الأمر الذي رآه عمرو بدر دليلًا على إحساس الزملاء بالخطر الكبير الذي يهدد المهنة، واعدًا بالعمل على إحياء الدور التاريخي لهذه اللجنة من خلال العمل المنظم الحقيقي، والدعوة لعقد مؤتمر حاشد عن الحريات الصحفية، والتوسع فى مراقبة أداء اللجنة القانونية في نقابة الصحفيين؛ خاصة مع زيادة حالات القبض على الزملاء.
الحقيقة أنّ مصدر التفاؤل بإعادة الدور المفقود لـ«لجنة الحريات» لا يتعلق فقط بوجود الزميل عمرو بدر مقررًا لهذه اللجنة؛ لكن لأنّها تضم فى عضويتها مجموعةً من الزملاء المهمومين بالفعل بقضايا الحريات والمدافعين عنها بـ«شراسة»، أبرزهم «3» كانوا ضمن قوائم المرشحين لعضوية مجلس نقابة الصحفيين الماضية، وحصدوا كتلًا تصويتيةً كبيرةً بالنظر إلى عدم وقوف مؤسساتٍ صحفيةٍ كبيرةٍ وراءهم وهم: تامر هنداوي «782» صوتًا، إيمان عوف «726»، حازم حسنى «497» صوتًا، الأمر الذى يُعطى زخمًا أكثرَ لهذه اللجنة.
وقال يحيى قلاش، نقيب الصحفيين الأسبق، إنّ تطور ونمو مهنة الصحافة يرتبط بـ«سقف الحريات»، وأنّه خلاله العامين الماضيين غابت لجنة الحريات، مؤكدًا أن هذا الأمر استثناء لا يمكن البناء عليه، فضلًا عن أنّ «تقليص الحريات» يضر بالبلد كلها وليس نقابة الصحفيين فقط.
وأضاف «قلاش» لـ«النبأ» أنّ طرح الحريات فيه مصلحة عامة، وأحد الأفكار المهمة بالعمل النقابي، مشيرًا إلى أنّ لجنة الحريات لابدّ أن تحظى بالدعم والرعاية، وأنه يجب إعادة الروح لها.
وأكدّ نقيب الصحفيين الأسبق، أنّ عمل لجنة الحريات لا يرتبط طول الوقت بقضايا لها طبيعة سياسية؛ بل هناك موضوعات ترتبط بـ«حرية القلم»، وضمان حياة كريمة للصحفى، وحصوله على أجر مناسب.
وتابع: «جزء من عمل اللجنة أيضًا تعظيم سقف الحريات فى القوانين الإعلامية، والحصول على ضماناتٍ معينةٍ عند التحقيق مع الصحفي، وعدم اقتحام مكانه إلا بشروط».
وبشأن المكاسب الخاصة بوجود عمرو بدر مقررًا للجنة الحريات، أكدّ «قلاش» أنّ هذا الزميل العزيز له تجربة فى «الحبس»، ما يجعله الأقرب لفهم دور «لجنة الحريات»، والعمل على عدم تعرض الزملاء لـ«وقائع مماثلة»، كما أنّه يعرف جيدًا قيمة الدعم والمساندة والتواصل مع أسرة الزميل المحتجز.
وأضاف أن وجود «بدر» مقررًا للجنة الحريات سيكون مميزًا لأنه «معجون بالتجربة»، لكن هذه اللجنة تحتاج إلى دعمٍ من أعضاء الجمعية العمومية، ومن مجلس النقابة، ومن «النقيب».
وأشار «قلاش» إلى أنّ لجنة الحريات من الممكن أن تتجاوز «التوازنات» الموجودة فى مجلس نقابة الصحفيين؛ لأن هامشها مختلف بسبب طبيعة دورها فى الدفاع عن الحريات، ولكن لا يعنى أنها تعمل بمعزل عن النقابة.
ويرى أسامة داود، عضو مجلس نقابة الصحفيين الأسبق، أنّ «لجنة الحريات» هي الرئة التى تتنفس من خلالها نقابة الصحفيين، وأنها تلعب دورًا كبيرًا فى حماية الزملاء، لافتًا إلى أنّ دور اللجنة يرتبط أيضًا بما يحدث فى المجتمع، لا النقابة فقط.
وأضاف لـ«النبأ» أنّ سقف الحريات تقلص جدًا؛ فالمقالات تتعرض للمنع من النشر وليس مجرد الحذف أو الإضافة، والصحف القومية والحزبية أصبحت «نشرة»، لافتًا إلى أنّ الدفاع عن الحريات يبدأ دائمًا من «اللجنة» ومن نقابة الصحفيين.
وهاجم «داود» مجلس نقابة الصحفيين، قائلًا إنّ له دورًا فى تقليص عمل لجنة الحريات، متسائلًا: هل يستطيع مجلس النقابة تنظيم فعاليات مثل الوقفات الاحتجاجية على سلم النقابة وهل يستطيع عقد مؤتمر يتحدث عن الوضع المذري حاليًا، لافتًا إلى أنّ هناك وجهات نظر ترى أنّ «تكميم الأفواه» هو الحل الأمثل لاستقرار البلد، ولكن العكس هو الصحيح.
وأضاف: «هذا الوضع يساعد على نشر سرطان الفساد فى المجتمع، النقابة أصبحت خالية من أي فعالية تناصر المجتمع؛ بحجة أن البلد مش مستحملة، فضلًا عن وقائع القبض على الصحفيين».
وعن القدرة على إعادة «لجنة الحريات» إلى الوجود مرة ثانية فى ظل وجود النقيب ضياء رشوان المعروف بقربه من السلطة، أكدّ «داود» أنّ «رشوان» هو اختيار الصحفيين حتى إذا كان النظام يريده فى هذا المنصب، متابعًا: «ولكن للأمانة فى الفترة التى كنت فيها عضوًا بمجلس النقابة كان رشوان يوظف علاقته بالنظام لخدمة الزملاء، وبعد ثورة 30 يونيو كان يتسبب فى إلغاء ضبط وإحضار للزملاء، فضلًا عن تواصله مع المقبوض عليهم، وزيارتهم».
وطالب «داود» الزميل عمرو بدر، بمناقشة كل الأمور الخاصة بالحريات، والضغط على المجلس لاتخاذ قرارات تكون فى صف الزملاء؛ لاسيما المقبوض عليهم، ومتابعة شئون أسرهم، ولابد أن يكون فى النقابة فعاليات فى هذا الأمر.
وتابع: «على اللجنة أن تنظم ندوات وفعاليات لمناقشة الأمور الخاصة بحريات الصحفيين على أن يُستعان فى تلك الفعاليات بالحكماء والنقابيين السابقين، فضلًا عن ضرورة وجود اعتصام ولو «رمزيًا» لافتًا إلى أنّ كل هذه الأمور تجعل «النقيب» يضغط على السلطة؛ لإحداث «انفراجة».
وكشف مصدر - رفض الكشف عن هويته - عن أنّ أعضاء الجمعية العمومية قادرون على انتزاع «حقوقهم وحرياتهم» حتى فى وجود نقيب قريب من «السلطة» قد يتحرك لإحداث توازنات، أو منع فعاليات نقابية قد تغضب الأجهزة.
نرشح لك: مريم ناعوم.. «حرّيفة» كتابة تبحث عن «السيناريو» فى روايات المشاهير (بروفايل)