رئيس التحرير
خالد مهران

وصفهم بـ«الخونة».. قصة تجهيز الأربعة الكبار لتفكيك نفوذ «أردوغان» قبل 2023

أردوغان - أرشيفية
أردوغان - أرشيفية


لم يكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتخيل أن يجد نفسه محاطًا بـ«4» ساسة «حريّفة» أصبحوا يشكلون خطرًا عليه فى الانتخابات الرئاسية التى ستجرى فى 2023 أو فى أي انتخاباتٍ مبكرةٍ مقبلةٍ، هؤلاء الأربعة أغلبهم كانوا معه منذ صعوده فى الحياة السياسية التركية؛ بل إنهم «رفقاء» مشواره السياسي، لكنّ الصراعات كانت كفيلةً بـ«انقلابهم» عليه، حتى أصبح السلطان العثمانى الجديد في وضع لا يُحسد عليه.


حالة الضعف التي يعاني منها «أردوغان» حاليًا، والتهديد بتفكيك حزبه «العدالة والتنمية» كانت نتيجةً طبيعيةً لـ«تكويشه» على كل السلطات، كما يرى المعارضون له؛ لاسيما بعد الاستفتاء على تعديل الدستور الخاص بالتحول إلى «النظام الرئاسي»، والذي أُجرى في 16 أبريل 2017، والاتهامات التي يواجهها بدعم الإرهاب فى أكثر من دولةٍ مثل مصر وليبيا، وتهاوى الليرة أمام الدولار، وهروب المستثمرين، كلها أمور تسببت فى صراعاتٍ «مكتومةٍ» داخل حزبه «العدالة والتنمية» الذي أصبح معرضًا للاختفاء من الحياة السياسية التركية على يد مجموعة الـ«4» التى تهدد بـ«شنق» أردوغان «سياسيًا»، فمَنْ هؤلاء الأربعة ولماذا أصبحوا خطرًا على «أردوغان» وما أسباب صراعاتهم معه، ولماذا يُطلق عليهم لقب «الخونة»؟


نرشح لك: عملية إيقاظ «العملاق النائم» فى نقابة الصحفيين


على باباجان.. صاروخ «الاقتصاد» الذي يُهدد بنسف «العدالة والتنمية»  

أول هؤلاء الأربعة هو السياسي والاقتصادي «على باباجان»، والذى يُعد واحدًا من أهم الساسة الأتراك الذين أسسوا حزب «العدالة والتنمية» مع أردوغان فى عام 2001، والرجل الأول في النهضة الاقتصادية بأنقرة.


بحسب السيرة الذاتية الخاصة بـ«باباجان»، فإنه وُلد فى عام 1967، وتخرج فى كلية «تيد» بأنقرة عام 1985، ودرس في جامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة 1989، وحصل على البكالوريوس في الهندسة الصناعية، ذهب إلى الولايات المتحدة بمنحة من «مؤسسة فولبرايت» لإكمال دراسته، وفي عام 1992 حصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من «معهد كيلوج» للإدارة في جامعة نورث بـ«ولاية الينوي».


تكشف السيرة الذاتية المتوفرة عن «باباجان» أنّه دخل «السياسة» بوصفه أحد مؤسسي حزب «العدالة والتنمية»، وعضو مجلس الإدارة فيه، ثم انتخب عضوًا في مجلس النواب عن مدينة أنقرة في 3 نوفمبر 2002، وعين وزيرًا للشؤون الاقتصادية في 18 نوفمبر 2002، وكان أصغر عضو في مجلس الوزراء. 


ساهم «باباجان» في إصلاح الوضع الاقتصادي بـ«تركيا» بعد سنوات من الأزمات الاقتصادية التي عانتها الدولة، وحاول دائمًا الابتعاد عن الساحة السياسية والتركيز على الإصلاح الاقتصادي.


من أكبر مميزات «باباجان» أنه يمتلك علاقات دولية قوية لاسيما مع الولايات المتحدة الأمريكية، ويتميز بعلاقاتٍ جيدةٍ مع جميع الأتراك حتى المعارضة والأكراد، فضلًا عن أنّه يرى أنّ تركيا تحتاج إلى رؤيةٍ جديدةٍ.


أصبح على باباجان حاليًا أخطر منافسٍ سياسي لـ«أردوغان»، خاصة بعد أن أعلن خروجه من «العدالة والتنمية»، ويستعد حاليًا لإطلاق حزب جديد معروف باسم «الأمان»، الأمر الذي يهدد بتفكيك «حزب أردوغان» لاسيما مع وجود عددٍ كبيرٍ من النواب الذين سينضمون لـ«باباجان» فى تجربته السياسية الجديدة.


نرشح لك: لغز الاستعانة بـ«السناوى» وقلاش.. كواليس الأيام الأخيرة قبل إعلان تشكيل هيئة مكتب الصحفيين


داود أوغلو.. البروفيسور الهادئ يعود مجددًا لـ«صخب السياسة» 

أما الرجل الثاني فهو البروفيسور أحمد داود أوغلو، ولد فى 26 فبراير 1959، وهو سياسي وخبير في العلاقات الدولية والرئيس الثاني لـ«العدالة والتنمية» في الفترة ما بين 2014 - 2016 خلفًا لـ«أردوغان»، وكان وزيرًا لـ«خارجية تركيا»، ثم رئيسًا لوزرائها.


استقال أحمد داود أوغلو من منصبي رئيس الوزراء ورئيس حزب العدالة والتنمية بعد خلافاتٍ حادةٍ مع «أردوغان»، وهجوم ميليشيات الأخير عليه، واتهامه بـ«الخيانة»، ثم كشفت تقارير عن أنه يسعى لتأسيس حزب جديد، لكن «أوغلو» لم يؤكد هذا الأمر، ويطالب دائمًا بضرورة إجراء إصلاحات سياسية داخل حزب «العدالة والتنمية».


فى مارس الماضى، وبعد الهزائم السياسية التي تلقاها «العدالة والتنمية» في الانتخابات المحلية، خرج أحمد داود أوغلو ببيانٍ انتقد فيه «أردوغان»، منددًا بسياسات حزبه الاقتصادية والقيود التي يفرضها على وسائل الإعلام.


نرشح لك: «أحداث 15 مايو.. شيء من المراجعة».. تفاصيل مقال «السناوي» الممنوع من النشر فى «الشروق»


عبد الله جول.. التلميذ النجيب لـ«أربكان» 

أما الرجل الثالث فهو عبد الله جول، وبحسب السيرة الذاتية له فإنه ولد في 29 أكتوبر 1950 في قيصري، وهو اقتصادي وسياسي تركي، والرئيس الحادي عشر للجمهورية التركية من 28 أغسطس 2007 حتى 10 أغسطس 2014، وخلفه فى المنصب رجب طيب أردوغان.


تخرج في كلية الاقتصاد جامعة إسطنبول عام 1972 ثم حصل على درجة الماجستير، وذهب بين 76-1978 لـ«جامعة لندن»، وحصل على درجة الدكتوراه في موضوع «تطور العلاقات الاقتصادية».


بدأ «جول» حياته السياسية فى حزب «الرفاه الإسلامي» الذي رأسه نجم الدين أربكان، وفي عام 1991 انتخب نائبًا في البرلمان عن حزب الرفاه لمنطقة سكاريا، وتربى على أفكار «أربكان». 


في 2001 أسس مع «إردوغان» حزب «العدالة والتنمية» بمشاركة مجموعة من المنشقين عن حزب «الرفاه»، تسببت احتجاجات «غيزي بارك» فى مايو 2013 فى نشوب الخلافات بين الاثنين، فبينما كان «جول» رئيسًا للدولة، كان إردوغان رئيس الوزراء وصاحب السلطة التنفيذية، وأعطى أوامره للشرطة بضرب المحتجين، فقتل 11 وأصاب نحو 8 آلاف آخرين، جول رفض سحق شرطة إردوغان للمتظاهرين، ما اعتبره الثاني «مؤامرة على حكمه».  


عارض عبد الله جول التعديلات الدستورية التى أجراها «أردوغان» قائلًا إنّ تركيا تحتاج إلى نظام برلماني أفضل لا مؤسسة رئاسية أقوى، و«جول» فكر في الترشح لانتخابات الرئاسة الأخيرة يونيو 2018، ما وضعه في مرمى سهام إردوغان.


نرشح لك: مريم ناعوم.. «حرّيفة» كتابة تبحث عن «السيناريو» فى روايات المشاهير (بروفايل)


أكرم إمام أوغلو.. النجم الصاعد فى الحياة السياسية التركية

أما السياسي الرابع فى قائمة الشخصيات التى تهدد «أردوغان» فهو أكرم إمام أوغلو وهو من النجوم الصاعدين في سماء السياسة التركية، انضم إلى حزب «الشعب الجمهوري» فى 2008، وبعدها أصبح رئيسًا لـ«بلدية بيليكدوزو».


ولد إمام أوغلو في مدينة «طرابزون» شمالي تركيا عام 1970، وتخرج فى كلية إدارة الأعمال بجامعة إسطنبول، وينحدر من أسرة متدينة ومحافظة من الناحية الاجتماعية لكن لها تاريخ طويل في العمل السياسي.


فاز مجدًا فى 23 يونيو الماضى، برئاسة بلدية إسطنبول، وهو الفوز الذى كان ضربةً قاصمةً لـ«أردوغان» بعد سقوط حزبه «العدالة والتنمية» في الانتخابات المحلية، وخسارة كبريات المدن التركية، وعلى رأسها العاصمة أنقرة.


نرشح لك: «إصلاح سياسي» أم خطة جديدة لـ«التصفية».. ماذا وراء مبادرة ياسر رزق لـ«دمج الأحزاب»؟


التاريخ يُعيد نفسه

ويرى إسحاق إنجى، رئيس تحرير موقع «زمان» التركي، أنّ التاريخ يكرر نفسه؛ فكما خرج «أردوغان» وعبد الله جول من حزب نجم الدين أربكان «الرفاه»، أبو الإسلام السياسي في تركيا، خرج كذلك على باباجان ورفاقه من حزب «العدالة والتنمية». 


وأضاف «إنجى» فى تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أنّ أسلوب نجم الدين أربكان كان يعتمد على «الاستقطاب»، والتقليل من شأن المعارضين، ويرى أن مَنْ يصوت له فهو «مسلم»، ومن لا يصوت له «فهو غير مسلم»؛ ولذلك خرج أردوغان وعبد الله وقتها جول لتأسيس حزب جديد يحتضن الجميع، وبالفعل دُشن حزب «العدالة والتنمية».


وأكدّ رئيس تحرير جريدة «زمان»، أنّ «أردوغان» عاد إلى أسلوب أستاذه نجم الدين أربكان فأصبح يهاجم مَن لا يصوت له فى الانتخابات، واعتقل 200 صحفي، وأكثر من 150 ألف مواطن منذ الانقلاب، فضلًا عن رفع الحصانة عن 150 نائبًا معارضًا، وإلقائهم في السجون، متابعًا: «أردوغان ابتعد عن مبادئ حزبه العدالة والتنمية وأصبح يعتقل المواطنين بمجرد إبداء آراءهم على وسائل التواصل الاجتماعي».


واستكمل: «أكرم إمام أوغلو مستقل عن على بابان وأحمد داود أوغلو وعبد الله جول؛ فهو يساري معتدل، وظُلم فى انتخابات إسطنبول، ولكن الشعب التركي تعاطف معه فى الإعادة، ففاز بفارق كبير.. والشعب التركي سينتظر إنجازاته، فإذا حقق نهضة كبرى فمن المتوقع أن يكون بديلًا لأردوغان».


وأكدّ أن الشعب التركي سيتعاطف مع على باباجان وأحمد داود أوغلو وعبد الله جول، وأنه فى حالة نجاحهم فى التجربة الحزبية فلن يشكلوا الحكومة بمفردهم، ولكن من الممكن أن تكون الحكومة «ائتلافية».


وعن تغير العلاقات التركية المصرية فى حالة نجاح الثلاثي السابق (بابا جان وأغلو وجول)، قال «إنجى» إنه لابد من تغيير العلاقات وتحسينها مع مصر؛ لأن أردوغان فى الفترة الأخيرة عادى البلاد العربية جميعها مثل سوريا والعراق ومصر والإمارات والسعودية، والشعب التركي لا يؤيد ذلك.


نرشح لك: عملية صناعة «أخطبوط سياسي» جديد على طريقة حزب «مستقبل وطن»


خطوة سياسية جريئة

وقال محمد حامد، الخبير فى الشأن التركي، إنّ علي باباجان هو رجل شجاع استطاع تحدي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وسطوة حزب «العدالة والتنمية»، وانشق ليصنع حزبًا جديدًا.


وأضاف «حامد» فى تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أنه إذا ظلت هذه الأوضاع الاقتصادية السيئة فى تركيا، فإننا قد نذهب إلى انتخابات رئاسية مبكرة، ولكن يظل هذا الاحتمال ضعيفًا.


وأكدّ الخبير في الشأن التركي، أن «باباجان» هو مهندس الطفرة الاقتصادية في تركيا، لافتًا إلى أنه قرأ نتائج الانتخابات الأخيرة جيدًا، وأنّ تحركه لإنشاء حزب جديد «خطوة سياسية جريئة».


وأضاف أن التحركات الحالية خطوة لتغيير شكل الحياة السياسية فى تركيا، التى دائمًا ما تكون ثرية وبها منافسة شديدة، لافتًا إلى أنّ كل الأحزاب التركية تريد عودة العلاقات مع مصر باستثناء «العدالة والتنمية» الذي يكتفي فقط بالعلاقات الاقتصادية.


وتابع: «كمال كليتشدار أوغلو ضد قطع العلاقات مع مصر، وعبد الله جول هنأ السيسي عندما انتخب رئيسًا فى 2014».


نرشح لك: من رصد التطرف الدينى إلى الرقابة والصحافة.. رسائل مخفية فى «أهو ده اللى صار»


احتقان داخل «العدالة والتنمية»

من ناحيته قال محمد حمادة، الباحث فى الشئون الدولية، إن هناك حالةً من الاحتقان داخل حزب «العدالة والتنمية»؛ لاسيما بعد انسحاب عدد من رموز الحزب منه؛ بسبب سيطرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على مقاليد السلطة بعد تحول الدولة من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.


وأضاف «حمادة» في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أنّ أردوغان مُنىّ بهزائم ثقيلة بعد فوز أكرم إمام أوغلو بالانتخابات فى بلدية إسطنبول، وهى هزيمة تاريخية لـ«الرئيس التركي» الذي كان يرى أن هذه معركة شخصية وله مقولة شهيرة: «من يحكم إسطنبول.. يحكم تركيا».


وتابع: «كما خسر حزب العدالة والتنمية مدنًا كبرى مثل أنقرة وأزمير، فضلًا عن وجود حالة من عدم الرضا من قبل الأحزاب الكردية في الجنوب التركي»، لافتًا إلى أنّ حلفاء حزب العدالة والتنمية غير راضين أيضًا عن التوجهات السياسية الحالية لـ«أردوغان».


واستكمل: «أكرم إمام أوغلو قال إن إسطنبول تعاني من ديون بقيمة 6 مليارات دولار، ما يؤكد وجود شبهات فساد فى إدارة إسطنبول التي تمثل ثلث الاقتصاد التركي»، مشيرًا إلى أنّ تحكمات أردوغان في تغيير محافظ البنك المركزي من الأمور التي أثارت الغضب ضده.


وقال «حمادة» إنّ أردوغان يصدر المشكلات الداخلية للدولة خاريجًا، عن طريق دعم التنظيمات المسلحة في إدلب السورية، فضلًا عن التدخل التركي في الشمال العراقي لمحاربة حزب العمال الكردستانى، بالإضافة إلى محاولة التواجد فى منطقة النفوذ القبرصية للتنقيب عن الغاز والنفط فى قبرص الشمالية، رغم أنها مياه إقليمية.


وأكد أن الاتحاد الأوروبي أدان هذا التدخل، وهدد بفرض عقوبات على تركيا، وتخفيض الدعم المقدم لها بقيمة 148 مليون دولار فى 2020، فضلًا عن ارتفاع حجم الدين الداخلى لتركيا، ومشكلة أنقرة مع الولايات المتحدة بسبب منظومة الصواريخ «إس 400».


وأشار الخبير في العلاقات الدولية إلى أنّ إنشاء حزب جديد في تركيا مثل «الأمان» للسياسى الشهير علي باباجان، وتعاونه مع الأحزاب الأخرى مثل «الجمهوري الشعبي»، سيُحرج «العدالة والتنمية» في الانتخابات المقبلة، وسيقضي على آمال أردوغان السياسية في البقاء على رأس الحكم، متابعًا: «المشهد سيتغير».


نرشح لك: وائل الإبراشى.. قنّاص «يُروض» ملائكة «الإعلام» وشياطينه (بروفايل)