محمد مازن يكتب من بكين: قناة السويس والتجارة العالمية وكورونا
بقدر التحديات التي تفرضها الأزمة الصحية الراهنة، إلا أنها تمثل فرصة حقيقية للمجتمع الدولي لدفع التعددية والعمل المشترك في مواجهة التحديات والأزمات العالمية وخلق بيئة أفضل للبشرية.
إن الأزمة الصحية الحالية الناجمة عن كوفيد-19 هي أزمة إنسانية في المقام الأول. ويكمن الآن التحدي العالمي في كل من الصحة والجبهة الاقتصادية، فكوفيد-19 هو أسوأ وباء عالمي يصيب العالم منذ قرن، لا يتفوق عليه سوى فيروس الإنفلونزا الأسبانية عام 1918، الذي أودى بحياة 50 مليون شخص.
حتى الآن، انتشر الفيروس في معظم دول العالم أصاب ما يقرب من نصف مليون شخص وأودى بحياة أكثر من 20 ألفا، لم يستثن دولة فقيرة أو غنية، نامية أو متقدمة، صغيرة أو كبيرة الحجم. وحتى الأماكن النائية والمعزولة نسبيا مثل بويرتو ويليامز في تشيلي، وهي أكبر مستوطنة بشرية في أقصى جنوب العالم، وجزيرة نانتوكيت، قبالة سواحل ماساتشوستس، لم تسلم من ضربته وتداعياته.
وقبل ساعات قليلة، في كلمته عبر تقينة الفيديو في قمة مجموعة العشرين الاستثنائية التي انتهت لتوها برئاسة المملكة العربية السعودية، حذر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس من أن "الوباء يتطور بشكل سريع وقد يموت بسببه الملايين". وبينما يتحدث بعض المتخصصين عن أفق زمني من ثلاثة إلى ستة أشهر، يتنبأ آخرون بموجات من الحالات قد تستمر لمدة عامين.
ومنذ بداية هذه الفاشية، اضطلعت الصين بدورها كدولة رئيسية في الحرب ضد كوفيد-19 من خلال تبني استراتيجية التعاون الدولي. ردت بقوة وبسرعة على الأزمة الصحية على أراضيها. وأجرت التعاون الدولي بشكل جيد مع المجتمع الدولي ومع منظمة الصحة العالمية، مما مكن الدول المختلفة من الاستعداد قدر الإمكان.
كما شاركت الصين خطط التشخيص والعلاج مع أكثر من 180 دولة ومنطقة ومنظمة دولية، وعقدت ما يقرب من 30 مؤتمرا بالفيديو مع خبراء من أكثر من 100 دولة ومنطقة لتبادل الخبرات بشأن مكافحته، وتلقت مساعدات من 79 دولة و10 منظمات دولية وقدمت دعما طارئا لـ89 دولة و4 منظمات دولية لمساعدتها على مكافحة الفيروس.
وتستمر الصين في التعاون بإخلاص مع المجتمع الدولي في أبحاث العلاجات وتطوير اللقاحات. وقد حظيت جهودها باعتراف المجتمع الدولي. وبشهادة الكثيرين، قدمت الصين تجربة مفيدة للغاية لجميع أنحاء العالم في مكافحة الوباء.
وأمس الخميس، جاءت قمة قادة مجموعة العشرين الاستثنائية الافتراضية بشأن فيروس كورونا الجديد بفرصة جديدة لدفع العمل المشترك والتعددية في مقابل الأحادية والانعزالية في مواجهة التحديات العالمية المشتركة. ولا تكمن فرصة الاجتماع في إطلاق التعاون الدولي في مجال الصحة فحسب، وإنما أيضا في إظهار منافع التعددية للناس في كل مكان.
الثابت أن الهدف الأساسي من مواجهة التحديات العالمية هو تطوير حلول عالمية. وسابقا، لعبت مجموعة العشرين دورا حاسما في تجنب أسوأ آثار أزمة 2008 المالية. والآن تقف المجموعة الأكثر تمثيلا للحقائق الجديدة للقرن الـ21 أمام اختبار جديد صحيا واقتصاديا.
فالصحة تمثل أولوية أولى للأفراد وكذا العمل العام، وهي ليست موضوعا سياسيا أو اقتصاديا أو حتى اجتماعيا يمكن الخلاف عليه. وسيحظى كل جهد دولي يبذل في هذا المجال بشعبية كبيرة، لأنه يتعلق بإنقاذ أرواح وسلامة وصحة مجتمعات وأوطان وشعوب.
وبينما ينتشر الوباء بسرعة في أوروبا والولايات المتحدة حاليا، تتزايد مخاطر تفشيه في اقتصادات الأسواق الناشئة والنامية، مما يؤكد على حتمية تسريع التعاون لتطويق الآثار الاقتصادية. ويعد تطوير آليات للكشف المبكر عن الأوبئة المحتملة والبحث عن علاجات ولقاحات مهمة حاسمة الآن للبشرية، إلا أنه من أجل المصالح المشتركة العالمية، فإنه يتعين أيضا اتخاذ ترتيبات تطلعية للتجارة والاقتصاد العالميين.
هناك حاجة لإظهار مسؤولية كبيرة للحفاظ على التشغيل الطبيعي لنظام التجارة العالمي. التعبئة المالية الضخمة التي اتخذتها مجموعة العشرين إشارة قوية على تصميم أعضاء المجموعة على مواجهة الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الأزمة الصحية.
وهنا تبرز أهمية التعاون الدولي للمساعدة في الحفاظ على التشغيل الطبيعي لمحاور التجارة والخدمات اللوجستية العالمية وعزلها عن الاضطرابات الناجمة عن فيروس كورونا الجديد. وتعد قناة السويس وقناة بنما ومضيق ملقا من بين الممرات المائية التي تعتبر من هذا المحاور، والحفاظ على إبقاء كوفيد-19 في هذه الدول المعنية تحت السيطرة يخدم التجارة العالمية، ويحافظ على استمرار الخدمات اللوجستية، مما يصب في مصلحة الاقتصاد العالمي.
إن أبرز تناقض في مواجهة الوباء الحالي رغم تصنيفه بأنه وباء عالمي، إلا أنه يتم محاربته بأقل درجة من التعاون والتنسيق الدوليين. ويمكن أن يصب كل جهد دولي يبذل في هذا الصدد في مصلحة كافة الدول ويخدم الحيوية الاقتصادية، وينضم بذلك إلى مفهوم مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
التحديات مشتركة والمسؤوليات مشتركة. وكما أن الأحادية سببت هزة للنظام الدولي وحكم القانون الدولي، فالتعددية تخلق منبرا للعالم لمواجهة جميع التحديات التي تواجهه وبيئة أفضل للدول والأمم لتلعب دورها.