رئيس التحرير
خالد مهران

كليات وأقسام الذكاء الاصطناعى.. مصروفات «تهد الحيل» ومستقبل «فى علم الغيب»

كلية الذكاء الاصطناعي
كلية الذكاء الاصطناعي بكفر الشيخ

طالبة: ما نعرفش عنها حاجة وأكيد ما لهاش مستقبل

طالب: أنا ما كنتش أعرف إنها موجودة وكان أقدم عليها قبل ما أروح تمريض عسكري

خبير تربوي: ما فيش حاجة اسمها ذكاء اصطناعي في المطلق

أولياء أمور: الساعة في الأقسام دي بـ 900 جنيهًا وصرفنا النظر عنها علشان غالية

أستاذ علوم: مسألة دراسة تخصص الذكاء الاصطناعي لا ترقى إلى تدشين كليات لتدريسه

أستاذ جامعي: لا يمكن الاستغناء عن الذكاء الاصطناعي إذا أردنا أن نتحول لبلد مُنتج
...............................................................................................................

حيرة وتخوف

حيرة وتردد وتخوف تلك المشاعر باتت تخيم على طلاب شهادة الثانوية العامة، لاسيما بعد ارتفاع تنسيق الجامعات لعام 2020، الأمر الذي حطم أحلام الكثيرين منهم، ووقفوا على أعتابها يندبون حظهم على الأمنيات التي ذهبت مع الريح، في ظل إعلان المجلس الأعلى للجامعات عن كليات جديدة في تخصصات يكاد يسمع عنها الطلبة لأول مرة، رغم أن هناك أقسام تدرس نفس التخصص في بعض الجامعات الحكومية، وتربع "الذكاء الاصطناعي" على رأس تلك التخصصات، ورغم أن هناك برامج لتدريس الذكاء الاصطناعي في عدد من كليات الحاسبات والمعلومات الحكومية من قَبل، إلا أن تخوف الطلاب وأولياء أمورهم من عدم جدوى الدراسة في هذه الكليات أو تلك الأقسام أصبح المحرك الرئيسي لعزوفهم عنها، في ظل ندرة المعلومات عنها وارتفاع مصروفات الدراسة بها.

الأمر الذي أثار مجموعة من التساؤلات على رأسها، هل أقسام وكليات الذكاء الاصطناعي لها مستقبل؟ ولماذا يتجاهل الأعلى للجامعات الترويج لها؟ وماذا عن المشكلات التي تواجه الطلبة وأولياء أمورهم بشأنها؟

ما نعرفش عنها حاجة
"ذكاء اصطناعي! ما نعرفش عنها حاجة، وأكيد ما لهاش مستقبل طالما مش معروفة" بهذه الكلمات بدأت أماني وهدان إحدى الطالبات الحاصلات على شهادة الثانوية العامة 2020، والتي تنتظر بدء التسجيل في تنسيق الجامعات علها تحصل على ما تريد، "أنا عايزة أعرف أعرف معناها إيه وإيه مستقبلها!".

وتقع كليات وأقسام الذكاء الاصطناعي في 8 جامعات، وبدأ دخول مجال الذكاء الاصطناعي، في الجامعات المصرية العام الدراسي 2019/2020 ، مع إنشاء أول كلية للذكاء الاصطناعي بجامعة كفر الشيخ، والتي تضم 4 أقسام رئيسية وهي: (برمجة الآلة واسترجاع المعلومات- والروبوتات والآلات الذكية- وتكنولوجيا أنظمة الشبكات المدمجة- وعلوم البيانات)، على اان يحصل الطالب على بكالوريوس علوم الذكاء الاصطناعي.


ولكن الحديث عن الذكاء الاصطناعي بالصورة التي عليها الآن بداية من عام 2019 الماضي، لاسيما مع اهتمام الدولة به في ظل السعي إلى
خطة تحول إلى الحكومة الرقمية لتوفير أحدث الخدمات للمواطنين، والإعداد للخطة الوطنية للذكااء الاصطناعي، الأمر الذي جعل الرئيس السيسي يوجه بإنشاء كليات للذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى برامج تدريس التخصص في كليات الحاسبات والمعلومات في عدد من الجامعات الحكومية.

وبدأت قصة تدشين كليات الذكاء الاصطناعي من المنوفية بعدما وافق مجلس الوزراء في أبريل 2019 على تعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972، بشأن إنشاء كلية الذكاء الاصطناعي بجامعة المنوفية، إلا أنه لم يتم الانتهاء منها حتى الآن، كما وافق المجلس مشروع قرار بشأن تغيير مٌسمي كلية الحاسبات والمعلومات بجامعة القاهرة، لتصبح كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي.

 

"طيب أنا واحد من الناس ما أعرفش حاجة عن الأقسام ولا الكليات دي ولا مجال العمل فيها هيكون عامل إزاي، احنا من مفروض يتقدم لما معلومات عنه وبيدرس في محافظات إيه!"، بنبرة صوت حائرة تحدث الطالب أحمد عادل، الحاصل على مجموع 90% في شهادة الثانوية العامة لهذا العام.
أزمة أحمد فيما يتعلق بعدم تواعر معلومات كافية عن كليات وأقسام الذكاء الاصطناعي، جعلته يُقدم على الالتحاق بمعهد التمريض العسكري، "أنا لو كنت أعرف حاجة عن كليات وأقسام الذكاء الاصطناعي كنت قدمت فيها".

أما الطالبة سلمى مجدي مشكلتها الرئيسية بالنسبة لكليات وأقسام الذكاء الاصطناعي تتمثل في تأخر المنظومة التعليمة والمؤسسات في الدولة وعدم اهتمامها بالتطور، على حساب الروتين والوساطة والغش، الأمر الذي جعلها ترى أن دراسة التخصص وتدشين كليات مستقلة خاصة به لا جدوى منه، "وهشتغل إيه في دولة مالهاش علاقة أصلًا بالحجات دي! لما يبقوا يخلصوا من الوسطة والغش ويصلحوا التعليم يبقوا يفضوا بقى للتطور والعلم والكلام دا".

الذكاء الاصطناعي والمصروفات المرتفعة
بخلاف كلية الذكاء الاصطناعي بجامعة كفر الشيخ، هناك كليات وأقسام أخرى في بعض الجامعات تدرس التخصص ذاته، وجميعهم ترتفع مصروفات الدراسة بهم عن المصروفات الدراسية ببقية كليات الجامعات الحكومية  المعروفة، لاسيما وتصل سعر الساعة الواحدة في بعض الجامعات في برامج الذكاء الاصطناعي إلى 900 جنيهًا.

وكليات وأقسام الذكاء الاصطناعي التي من المُقرر الدراسة بها خلال العام الدراسي المُقبل2020/2021 تشمل 6 كليات وأقسام بخلاف الكلية التي تم تدشينها بكفر الشيخ، وهي:

- كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي بجامعة القاهرة، والتي تضم 3 برامج (ب
رنامج هندسة البرمجيات وبرنامج تكنولوجيا الشبكات) لطلبة علمي رياضة و(برنامج الحوسبة المعلوماتية) لطلبة علمي علوم.

وتعتمد الكلية على نظام الدراسة بالساعات المعتمدة والتي تبلغ 141 ساعة، وتصل رسوم الساعة المعتمدة في كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي بالقاهرة 770 جنيهًا، بالإضافة إلى الرسوم الإدارية بقيمة 1800 جنيهًا للعام الدراسي، ولا تشتمل تلك الرسوم على مصروفات المراجع الدراسية ولا أية رسوم أخرى تقررها إدارة الجامعة فيما بعد، على أن تزيد رسوم الساعة المعتمدة في الفصل الصيفي بنسبة 25%.

- برنامج الذكاء الاصطناعي جامعة عين شمس، ويتكون البرنامج من 141 ساعة، على أن يدفع الطالب 900 جنيهًا للساعة.

- كلية الذكاء الاصطناعي فى جامعة حلوان، وتضم برنامجين (هندسة البرمجيات- وبرنامج المعلومات الطبية).
وتشترط جامعة حلوان على الطلبة الرغبين في التقدم لبرنامج المعلومات الطبية شحن الفيزا بمبلغ 13.200 جنيه للطالبات و13.250 جنيهًا للطلاب، وتبلغ مصروفات الساعات المعتمدة للعام الدراسي 2020/2021 12.600 جنيهًا للفصل الدراسي الواحد، على أن تزيد مصروفات الفصل الدراسي الأول لعام 2022/2023 لتصبح 12.600، في حين تبلغ قيمة مصروفات الفصل الدراسي الثاني 6.300 جنيهًا.

وتصل ساعات برنامج هندسة البرمجيات إلى 36 ساعة، مقسمة على 24 ساعة مواد دراسية و12 ساعة للرسالة، ويبلغ سعر الساعة المعتمدة 500 جنيهًا.


- الحاسبات والذكاء الاصطناعي بجامعة بني سويف، وتبلغ المصروفات الدراسية للبرنامج 20 أألف و500 جنيهًا، تدفع على دفعتين، 11 ألف و500 جنيهًا للفصل الدراسي الأول، ويستكمل باقي المبلغ بالفصل الدراسي الثاني.

- الحاسبات والذكاء الاصطناعي بجامعة بنها، وتضم 3 برامج  في تخصصات مميزة (تكنولوجيا الشبكات والمحمول- أمن المعلومات واكتشاف الأدلة الجنائية الرقمية- المعلوماتية الطبية)، ويستغرق البرنامج الأول والثاني 141 ساعة معتمدة، في حين يستغرق البرنامج الثالث 140 ساعة دراسية معتمدة فقط، وتبلغ رسوم الساعة الواحدة 750 جنيهًا.

- كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي بجامعة مطروح، وتضم ثلاثة أقسام (علوم الحاسب- قسم نظم المعلومات- قسم تكنولوجيا المعلومات)، ويشمل البرنامج الدراسي 136 ساعة معتمدة.

ضاع الحلم مرتين

أولياء الأمور كان لهم وجهة نظر بشأن المشكلات المتعلقة بكليات وأقسام الذكاء الاصطناعي، "الأقسام دي مش بس مش معروف مستقبلها، ولا متوافر معلومات عنها، لا دي كمان مصاريفها عالية جدًا" كانت تلك وجهة نظر (داليا. م) ولية أمر أحد طلاب شهادة الثانوية العامة علمي رياضة، لاسيما وأنها خلال رحلة البحث عن معلومات عن تلك الأقسام، صُدمت لارتفاع المصروفات الدراسية.

"أنا مشكلتي ما كانتش مع عدم توافر المعلومات قد ما كانت مع ارتفاع المصروفات، لأننا كدا كدا عرفنا المعلومات عن الأقسام دي من السوشيال ميديا ولكن بصعوبة، لأن الوزارة ما اتعودتش تهتم بتعريف الطلبة وأولياء أمورهم بكل شيء"، عزوف (داليا) عن الاستمرار في البحث عن معلومات عن دراسة الذكاء الاصطناعي كان سببه رسوم التقديم والمصروفات الدرسية المبالغ فيها –بحسب وصفه-

باتت مصروفات دراسة أقسام وكليات الذكاء الاصطناعي لها دور كبير في تحطيم حلم ابن داليا، بدارسة تخصص متعلق بالإلكترونيات، بعدما صدمه التنسيق وحرمه من الالتحاق بكلية الهندسة قسم الإلكترونيات.

بروباجندا وغموض
منذ لحظات إعلان الأعلى للجامعات عن تدشيين كليات للذكاء الاصطناعي استنكر بعض المختصين الأمر، على رأسهم الخبير التربوي وأستاذ العلوم والتربية بجامعة عين شمس، الدكتور محمد عبد العزيز، لاسيما وأنه يرى أن مسألة دراسة تخصص الذكاء الاصطناعي لا ترقى إلى تدشين كليات لتدريس التخصص، خصوصًا وأن على مستوى العالم لا يوجد كليات مستقلة للذكاء الاصطناعي.

ويؤكد عبدالعزيز أن الاكتفاء بأقسام محددوة للذكاء الاصطناعي في كليات الحاسبات والمعلومات كان من شأنه أن يؤدي الغرض من دراسة التخصص، على أن تختص بالتطبيق العملي بكل ما يتعلق باستخدام الكمبيوتر ومشتقاته.

بدلًا من البروباجندا التي قامت بها وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للجامعات بشأن تدشين كليات للذكاء الاصطناعي، كان أولى بها أن تعرف الطلبة وأولياء أمورهم معلومات عن تلك الكليات والأقسام ومجال العمل فيها، لكشف الغموض عنها، من خلال إصدار كُتيبات للتعريف بالكلية سوء ورقية أو إلكترونية عبر المواقع الرسمية للجامعات، كان ذلك رأي الدكتور محمد عبدالعزيز، الذي لفت إلى أن الوضع الراهن يشير إلى أن تلك الكليات ستكون صورة من كليات الهندسة مع اختلاف الشكل، لاسيما وأن البنية التحتية لهذه الكليات لم يتم تأسيسها –على حد قوله- ولم توضح الوزارة طاقم التدريس، وهل لدينا مختصين في التخصصات المُقرر تدريسها في تلك الجامعات والأقسام؟

تخوفات في محلها

تخوفات الطلبة من أن الدراسة بكليات وأقسام الذكاء الاصطناعي لا جدوى منها وأن التخصص لا مستقبل له، سببه من وجهة نظر "عبدالعزيز" تجاهل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والمجلس الأعلى للجامعات وضع خطة متكاملة للتعريف بالكلية وهيئة التدريس، وإيضاح المعايير الدولية التي تم الاعتماد عليها، وهل هناك شراكات تعاون مع جامعات خارجية تدرس نفس التخصص؟ وإلا فإن الشهادة التي يحصل عليها الطلبة لا قيمة لها.

ويتابع الدكتور محمد عبدالعزيز، انه لا يوجد شيء اسمه بكالوريوس ذكاء الاصطناعي دون تحديد، ولكن على سبيل المثال هنك تطبيقت عملية في مجال علوم الكمبيوتر، وأخرى في مجال الهندسة، ولذلك لابد من إيضاح مجال الشهادة وهل لها نظائر في العالم؟

الذكاء الاصطناعي المستقبل

كليات الذكاء الاصطناعي هي المستقبل نفسه، بل مرتبط ومتداخل مع كافة التخصصات الآخرى، بهذا الرأي يخالف عضو هيئة التدريس بكلية التربية الموسيقية جامعة حلوان، الدكتور وائل كامل، "عبدالعزيز"، مُشيرًا إلى أن برنامج برمجة الآلة واسترجاع المعلومات، والروبوتات والآلات الذكية، وتكنولوجيا أنظمة الشبكات المدمجة، وعلوم البيانات، وهندسة البرمجيات وغيرها تطبق في كافة المجالات سواء الصناعية أو الزراعية أو الطبية حتى المجال الموسيقي أيضًا.

ويرى "كامل" أنه لا يمكن الاستغناء عن الذكاء الاصطناعي إذا أردنا أن نتحول لبلد مُنتج، مُستشهدًا بقصة نجاح الهند في مجال البرمجيات والتي أصبحت ثني أكبر مصدر للبرمجيات في العالم بعد أمريكا، بعدما أنشأت  معهد الهند للتكنولوجيا وتخرج منها أجيال من الموهوبين.

ويؤكد وائل كمال أن تخصص الذكاء الاصطناعي موجود بجامعات عالمية كُبرى، على رأسها جامعة  ستانفورد وواشنطن وكاليفورنيا ومعهد ماساتشوستس، مُشيرًا إلى أن ذلك جعل أمريكا هي المصدر الأول للبرمحيات على مستوى العالم.

أزمات مصر مع الذكاء الاصطناعي
"طالب الثانوية العامة بمصر مؤهلاته لا تتساوى مع نظيره بالدول المتقدمة، بشأن معلوماته حول الذكاء الاصطناعي"، بهذه الكلمات سلط كامل الضوء على مُعضلة حقيقية من شأنها أن تؤثر بالسلب على دراسة التخصص، مُشيرًا إلى أنه لا يمكن الحديث عن الذكاء الاصطناعي في التعليم الجامعي ونتجاهله في التعليم ما قبل الجامعي، لاسيما وأن هناك قصور في تعليم ما قبل الجامعي بشأن أساسيات الحاسب الآلي.

واختتم كامل تصريحاته بأنه لابد وأن يكون هناك وكالات لخدمة المجتمع وشؤون البيئه بكليات الذكاء الاصطناعي، تقوم بدور تعريف المجتمع بأهمية هذا التخصص ومجالاته وخدمة المجتمع وإثبات وجود وإسهامات داخل المجتمع من تخصصهم، لأن هذا هو دورها الأساسي.