ويتطلب هذا الواقع المرير إجراء جراحة عاجلة من قبل الدولة لاستئصال الأورام السرطانية الخبيثة المنتشره في إدارة تلك الشركات إنقاذًا وحفاظًا على المال العام، ولعل شركتي «عز الدخيلة للصلب» و«والحديد والصلب المصرية» هما الأولى بالعلاج في الوقت الحالي، طبقًا للتقرير الصادرة من الجهاز المركزي للمحاسبات والتي تشخص الحالة المرضية الشديدة لتلك الكيانات.
ولما كان الإعلام المرآة الحقيقية للمسئولين، للكشف عن مواطن التقصير خاصة في الجهات والكيانات الحكومية، بهدف البحث لها عن حلول وإصلاحات، نضع هذا الملف الأسود لـ«حيتان الحديد والصلب» أمام الجهات المسئوولة في الدولة، خاصة الجهات والأجهزة الراقبية، طبقًا لما تحت يدينا من مستندات، وذلك بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
البداية مع تقرير إدارة مراقبة حسابات الصناعات المعدنية بالجهاز المركزي للمحاسبات، بشأن الفحص المحدود للقوائم المالية الدورية المستقلة لشركة «العز الدخيلة للصلب- الإسكندرية» في تاريخ 3132020، والذي كشف عن إهدار أكثر من 10 مليارات جنية في استثمارات وهمية للشركة.
وقال التقرير الراقابي الصادر بتاريخ 2972020، إن الجمعية العامة غير العادية لشركة «العز الدخيلة للصلب- الإسكندرية» المنعقدة في تاريخ 22 سبتمبر 2019 قد اعتمدت زيادة بند الاستثمارات في شركات تابعة بنحو 8.95 مليار جنيه، ليصبح إجمالي الاستثمارات المالية في الشركات التابعة نحو 10.8 مليار جنيه.
وأشار التقرير إلى أن تلك الاستثمارات تضمنت نحو 6.87 مليار جنيه تكلفة استكمال الاستحواذ على شركة العز لصناعة الصالب المسطح، بنسبة 56% من رأس المال لتصبح نسبة الملكية نحو 100%، اعمادًا على الدراسة المعدة من المستشار المالي المستقل الخاصة بتقرير الفيمة العادلة لأسهم شركة «العز لصناعة الصلب المسطح» والتي بلغت 10.09 دولار أمريكي للسهم، لافتًا إلى أن أنه سبق وأن أصدرت شركة العز الدخيلة للصلب كفالة تضامنية لشركة العز للصلب المسطح بنحو 430 مليون جنيه، وقد بلغت الخسائر المرحلة للشركة التابعة طبقًا لقوائمها المالية المدققة من مراقب حساباتها نحو 684.56 مليون دولار بنسبة نحو 79% من حقوق الملكية قبل خصم الخسائر.
وذكر تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أن الاستثمارات تضمنت أيضًا نحو 2.08 مليار جنيه تكلفة مساهمة الشركة بواقع 100% من رأس مال شركة مصانع العز للدرفلة، اعتمادًا على الدراسة المعدة من المستشار المالي المستقل الخاصة بتقرير القيمة العادلة لأسهم شركة مصانع العز للدرفلة والتي بلغت 23.07 جنيه مصري للسهم، وقد بلغت الخسائر المرحلة للشركة التابعة طبقًا لقوائمها المدققة من مراقب حساباتها نحو 2.7 مليار جنيه بنسبة 130% من حقوق الملكية قبل خصم الخسائر.
وطبقًا لتقرير وبالرغم من تلك الخسائر، إلا أن تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أشار إلى أن المستشار المالي المستقل للشركة أعد دراسة ذكر فيها أن الأمر سوف يتعكس بإيجابية للمؤشرات التشغيلية والمالية للشركات التابعة في الفترات المقبلة، ويتوقف عدم الحاجة إلى تكوين إضمحلال لهذه الاستثمارات على تحقيق الافتراضات المستقبلية التي تم على أساسها إعداد الدراسة المذكورة، إلا أن الجهاز المركزي للمحاسبات لم يبدي رأيًا على هذه الدراسة.
ولتمويل هذه الاستثمارات واقفت ذات الجمعية غير العادية للشركة على زيادة رأس مال شركة «العز الدخيلة للصلب-الإسكندرية» المرخص به والمصادر للشركة وفقًا للقيمة العادلة للسهم بناءًا على دراسة المستشار المالي المستقل والتي بلغت 1176.85 جنيه للسهم، وفي مايو 2020 تم اتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية والحصول على موافقات الجهات الإدارية لزيادة رأس المال المرخص به والمصدر كما ورد بالإيضاحات المتممة للقوائم المالية للشركة، حسب تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات.
ومن جهة أخرى، كشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أنه بحسب ما ورد تفصيلًا بالإيضاحات المتممة للقوائم المالية لشركة عز الدخيلة للصلب- الإسكندرية، فإن هناك خلافات بين الشركة ومصلحة الضرائب ومصلحة الجمارك وهيئة ميناء الإسكندرية، حيث بلغت قيمة المطالبات الضريبية التي تطالب بها مصلحة الضرائب الشركة مبلغ 219 مليون جنيه، بخلاف مقابل التأخير، وذلك عن قيمة الضريبة على مشروع مسطحات الصلب، إلا أن إدارة الشركة ترى أنه قد سبق محاسبة الشركة ضريبيًا عن تلك السنوات.
ومن ناحية أخرى، كشف تقرير إدارة مراقبة حسابات الصناعات المعدنية بالجهاز المركزي للمحاسبات الصادر بتاريخ 1462020، بشأن الفحص المحدود للقوائم المالية لشركة الحديد والصلب المصرية، عن مخالفات وديون وخسائر ووقائع تزوير واختلاسات هزت أركان الشركة، وتستوجب المحاسبة والمسائلة القانونية حفاظًا على المال العام.
وقال التقرير، إن الشركة تعاني من عدم القدرة على سداد الالتزامات والمتطلبات المالية، وهو ما يظهر جليًا في تراكم المديونيات للموردين الرئيسين للشركة، والبالغة نحو 6 مليارات جنيه.
وأضاف التقرير، أن تلك الديون المتراكمة على شركة «الحديد والصلب المصرية» تخص 4 وزارات حكومية هي: «البترول والكهرباء، والنقل، والإسكان»، الأمر الذي يمثل إهدارًا وضياعًا للمال العام تحت مظلة تلك الجهات الحكومية.
وأشار التقرير، إلى أن تلك المبالغ تتمثل في نحو 3.9 مليار جنيه لشركة الغاز، و1.4 مليار جنيه لصالح شركة الكهرباء، و138 مليون جنيه لصالح سكك حديد مصر، و140 مليون جنيه لصالح شركة مياه القاهرة، بالإضافة إلى 327 مليون جنيه لصالح شركة الكوك.
وأوضح التقرير، أنه استمرارًا لحالة التعثر المالي قامت الشركة بالحصول على مبلغ 302 مليون جنيه من الشركة القابضة للصناعات المعدنية خلال الفترة من 172019 حتى 3132020 لتدبير مرتبات شهر نوفمبر وديسمبر ويناير وإبريل ومايو منحة للعاملين؛ نظرًا للعجز الشديد في السيولة النقدية.
وطبقًا للتقرير، لم يوف الجهاز المركزي للمحاسبات بأية مستندات لما تم الإشارة إليه بالجمعيات العمومية للشركة بخصوص سداد تلك المديونيات عن طريق نقل ملكية أراضي مملوكة للشركة للدائنين، وهو ما لم يتم حتى تاريخه، ويرتبط بما سبق عدم تضمين نتائج الأعمال عن المركز المالي في 3132020 الأثر المالي المترتب على ذلك.
ووفقًا للتقرير، توقف الإنتاج بصورة متكررة نتيجة تقادم الآلات والمعدات وعدم توافر الخامات اللازمة، وهو ما انعكس في نسبة الأعطال والتوقفات المرتفعة، حيث بلغت نحو 94% خلال العام المالي الحالي، مما يعني أن نسبة استغلال الزمن المتاح بلغت 6% فقط، لافتًا إلى أن صافي الخسارة المحققة خلال الفترة من 172019 حتى 313 2020 بلغت نحو 784 مليون جنيه، مقابل صافي خسارة بنحو 531 مليون جنيه للفترة المثلية من العام الماضي.
ولفت التقرير إلى أنه بالرغم من الديون التي تعاني منها الشركة إلا أنه منحت 65.4 مليون جنيه قروض لصندوق الزمالة للعاملين بالشركة وبدون ضمانات، بالرغم من أن تلك القروض ليست من أنشطة الشركة طبقًا للوارد بنظامها الأساسي، فضلًا عما تعانيه الشركة والصندوق من تعثر وخلل في الهيكل التمويلي، مطالبًا بضرورة تحديد أسباب ذلك والجدولة الزمنية لسداد تلك المبالغ.
وكشف التقرير عن وجود حالة تلاعب وتزوير واختلاس المال العام من قبل رئيس قسم حسابات الاعتمادات المستندية ومنتدب مدير إدارة التمويل، وكاتب ثالث ومنتدب رئيس قسم حسابات الشيكات، حيث أصدروا شيكات لأقاربهم وذويهم بدون وجه حق، حيث أنهم لا يمثلوا موردين لأي سلع أو خامات للشركة، وقاموا بالاستيلاء على مبلغ بلغ ما أمكن حصره 3 مليون و294 ألف و790 جنيهًا، مقابل إصدار عدد 14 شيكًا خلال الفترة من 12017 حتى 112019، وهو يمثل ما تمكنت إدارة الشركة من اكتشافه حتى تاريخه، وذلك عن طريق إصدار شيكات والحصول على توقيع المفوضين بالتوقيع عليها، ويقوم بتسليم الشيك لأقاربه أو زويه، وبعد ذلك يقوم بكتابة أن الشيك ملغي في حافظة الشيكات الشهرية، وكذلك كعب الشيك بدفتر كعوب الشيكات دون إرفاق أصل الشيك الملغي أو تزوير الشيك وإلغاءه وإرفاقه بدفتر الكعوب، ويقوم بالتلاعب في حوافظ إشعارات البنك، وحوافظ الشيكات وذلك لإظهار مطابقات البنك مضبوطة.
وتطرق التقرير إلى قيام كاتب ثالث ومنتدب رئيس قسم حسابات الشيكات بتوريد ما تحصل عليه قريبه بمبلغ 62259 جنيهًا بتاريخ 2022020، وهو ما يعد اعترافًا بالتلاعب والتزوير والاختلاس، مؤكدًا أن الشركة لم تبلغ الجهاز المركزي للمحاسبات بتلك المخالفات المالية حتى تاريخه، واكتفت بالتحقيق الداخلي الذي لم ينتهي حتى الآن، وقامت بإبلاغ الرقابة الإدارية بتاريخ 832020، ودون إبلاغ نيابة الأموال العامة، وتبين أن الموظفين مازالوا على رأس العمل بإدارة الشئون الإدارية بمصانع الشركة بالتبين.
وطالب التقرير الرقابي بضرورة موافاة الجهاز المركزي للمحاسبات بكافة المستندات المؤيدة والقرارات الصادرة بشأن تلك الواقعة، إعمالًا لنص المادة 15 من القانون رقم (144) لسنة 1988 المعدل بالقانون رقم (157) لسنة 1998 بشأن الجهاز المركزي للمحاسبات والتي تقضي بأنه: «على رؤساء الجهات الخاضعة لرقابة الجهاز إبلاغه بوقائع الاختلاس أو السرقة أو التبديد أو الإتلاف أو الحريق أو الإهمال يوم اكتشافها، وعليهم أيضًا أن يوافوا الجهاز بالقرارات الصادرة بشأنها فور صدورها».
وكشفت تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن مخالفات بئية بمصانع شركة الحديد والصلب المصرية بالتبين، حيث أكد أنه تم إجراء القياسات البئية لمصانع الشركة بالتبين، والتي تبين منها وجود تجاوز للحدود المسموح بها لشدة الضوضاء، والأتربة المستنشقة، والوطأة الحرارية، وتركيز الملوثات الغازية ببيئة العمل ببعض المواقع.
وذكر التقرير، أن جهاز شئون البيئة منح مهلة لتصحيح أوضاح الشركة بدأت منذ تاريخ 1 12 2016، وتنتهي في 30 6 2018، وقد تقدمت الشركة بطلب لجهاز شئون البيئة بتاريخ 2 9 2018 تلتمس فيه مد المهة حتى تاريخ 31 12 2018 وهو ما تم الموافقة عليه من قبل جهاز شئون البيئة في 18 10 2018، كما تقدمت الشركة بطلب لجهاز شئون البيئة بتاريخ 28 7 2019 بمنح الشركة مهلة عام لبدء التنفيذ في الإجراءات المطلوبة بمجرد اعتماد قرار التطوير أو إلغاؤه، حيث لم يرد تحديد مصدر التمويل للمشاريع من قبل الجهات المخصصة في الدولة، ولم يتم موافاة الجهاز المركزي للمحاسبات بما يفيد قبول أو رفض جهاز شئون البيئة بمد المهلة المشار إليها حتى تاريخه.
ولفت التقرير إلى أنه تم رفع عدد 3 قضايا على الشركة ناتجة عن وجود مخالفات بيئية خلال العام المالي 20182019 طبقًا لبيانات الشركة، وقد خسرت الشركة قضيتين منها وتغريمها بمبالغ مالية، ومازالت القضية الثالثة متداولة.
وطالب الجهاز المركزي للمحاسبات في تقريره الشركة بضرورة الالتزام بوسائل الصحة والسلامة المهنية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة مصادر التلوث والالتزام بالمدد المنصوص عليها بالقانون رقم (4) لسنة 1994 بشأن قانون البيئة المعدل بالقانون رقم (9) لسنة 2009، ولائحته التنفيذية، منعًا من استمرار تعرض الشركة للغرامات المشار إليها.