أعلى سلطة فيها.. كيف تستعيد الجمعية العمومية لـ«الصحفيين» سيطرتها على النقابة؟
تمثل انتخابات نقابة الصحفيين المقبلة فرصةً حقيقيةً، ومسألة حياةٍ أو موتٍ، أمام الزملاء لاستعادة الدور الحقيقي للجمعية العمومية للنقابة، باعتبارها السلطة الأعلى فى هذا الكيان، والجهاز الرقابي والإشرافي على مجلس النقابة، لتقويم قراراته، ومراقبة تنفيذها، وحائط الصد لتحصين الصحفي من مخاطر عدة، أو سيطرة فصيلٍ واحدٍ على الأمور النقابية.
لكن كل هذه الأهداف النبيلة يُعيق تحقيقها الغياب الكبير الآن للجمعية العمومية لـ«نقابة الصحفيين»، بسبب عدة أزماتٍ أبرزها المتعلقة بالمهنة، والأحوال الاقتصادية لأبنائها، ثم أزمة فيروس كورونا التي تسببت في إغلاق «قلعة الحريات»، وعمّقت أزمة ابتعاد الزملاء عن نقابتهم، فضلًا عن ضعف وسوء أداء النقيب ضياء رشوان، ومجلسه، إضافةً إلى اختفاء فضيلة العمل الجماعي بين الصحفيين.
غياب الجمعية العمومية عن نقابتهم له مخاطر عدة على أبناء المهنة، هذا الغياب الذي يقف الآن وراء عدم وجود أية جهةٍ أو كيانٍ حقيقي للدفاع عن مصالح الصحفيين، والبحث عن سبل الحصول عليها، فالحقيقة أنه لا يُمكن حصر أو الاكتفاء بمجلس نقابة الصحفيين فى ممارسة العمل النقابي، ولكن الجمعية العمومية كانت تضم طوال تاريخها أعضاءً يقدمون خدماتٍ، ويدافعون عن الحريات النقابية، ويتحدثون في المهنة، أكثر من أعضاء المجلس نفسه.
في السياق عينه، يمثل غياب الجمعية العمومية عن النقابة، وعدم نشاطها في الدفاع عن قضايا المهنة، وأزمات الزملاء، والحريات الصحفية، وملف الأجور العادلة، فرصةً للنقيب الحكومي لإيهام السلطة بالسيطرة على النقابة والزملاء، وهي الحالة التي خيّمت على النقابة طوال فترة النقيب الحالي ضياء رشوان، يأتي ذلك في ظل تضخم الجهاز الإداري للنقابة، والاكتفاء فقط بالإشراف عليه ومراقبته من قبل النقيب وأعضاءٍ بمجلسه، بينما تلاشى الاهتمام الحقيقي بقضايا المهنة، ومصالح أبنائها.
وقال يحيى قلاش، نقيب الصحفيين الأسبق، إنّ الجمعية العمومية لـ«نقابة الصحفيين» هي المرجعية والقيادة في العمل النقابي، وعندما تنتخب تلك الجمعية مجلس نقابةٍ فهي تفوضه لإدارة أمور «قلعة الحريات»، موضحًا أنّ هذا الأمر لا يعني أنها فقدت رقابتها وسلطتها، ولكن ما يحدث الآن هو تغييب للمهنة بالكامل، وتغييب للعمل النقابي بـ«طريقةٍ ممنهجةٍ».
وأضاف لـ«النبأ»: «الجمعية العمومية لا بد أن تدرك أن هذا الكيان النقابي أنشيء من أجلها، وبالتالي تستعيد وعيها به مرةً أخرى، الجماعة الصحفية كافحت لمدة 60 عامًا قبل 1941 علشان تعمل نقابة، ولهذا الجمهور كان لديه وعي بدور هذا الكيان، ولكن الكارثة أن غياب هذا الدور سينعكس بالسلب عليها».
يرى «قلاش» أنه لابد من عودة الصحفيين إلى نقابتهم، يتذكر قائلًا: «في الماضي الصحفيون كانوا يتواجدون دائمًا في نقابتهم، يناقشون يوميًا ما يحدث في مؤسساتهم، كل الصحفيين كانوا يعرفون بعضهم البعض بالاسم، حتى اجتماعات مجلس النقابة كانت تتم في حضور هؤلاء الزملاء؛ بل الأخطر أنه كانت تُجرى مراجعة لبعض القرارات الصادرة عن اجتماع المجلس من قبل أعضاء الجمعية العمومية».
وفقًا لوجهة نظر نقيب الصحفيين الأسبق، فإنّ هذا التواصل المباشر بين أعضاء الجمعية العمومية ومجلس النقابة لم يعد موجودًا الآن، أو صار في أضعف حالاته، بل إن اجتماعات المجلس صارت أمرًا وظيفيًا.
يؤكد «قلاش» أنّ «لجان النشاط» موجودة فى النقابة لأعضاء الجمعية العمومية في الأصل، بينما عضو مجلس النقابة يكون مقررًا للجنة ومشرفًا عليها.
يُشبه نقيب الصحفيين الأسبق هذه اللجان بـ«الجهاز العصبي» أو معمل الجمعية العمومية التي يمكن من خلالها إعداد الخطط، ومناقشة القضايا النقابية، على أن تكون هذه اللجان بؤر نشاطٍ لجذب الجمهور، ضاربًا المثل بلجنتي «الحريات» و«الشئون العربية».
وقال إنّ هناك أسبابًا أدت إلى إضعاف العمل النقابي، مثل تأسيس كياناتٍ بديلةٍ لاستيعاب طاقة الصحفيين، بدءًا من الصحف التي تؤسس «جروبات» خاصة بها، ثم المجموعات المتخصصة المنتشرة على «السوشيال ميديا».
يُوضح أنّه على الرغم من أن هذه الكيانات قد تُسهل الاتصال بين أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، وتساعد في تقديم خدماتٍ لهم، إلا أنّها على أرض الواقع تستنزف طاقة الزملاء في مناقشة موضوعاتٍ فرعيةٍ أحيانًا، كاشفًا عن أنّ هذه الطاقة المفروض أن يجري توظيفها تحت راية النقابة، الكيان الأصلي، وفي الروابط، واللجان المختلفة، يتابع: «لكن إحنا حولنا الأمر لشوية جروبات على فيس بوك».
يضيف: «قديمًا كنا نجلس في جنينة النقابة في المبنى القديم، ونشتّبك في مناقشة القضايا الحقيقية، الرئيس محمد أنور السادات كان مسمينا (حزب الجنينة)، ولهذا السبب كان الكيان النقابي وقتها معمول له حساب من السلطة».
يرى «قلاش» أنّ الجمعية العمومية لكي تستعيد سيطرتها على النقابة فلابد من اتباع إجراءات مثل: أن تكون هناك معايير خاصة للزميل الذي سيُنتخب ليكون نقيبًا أو عضوًا بالمجلس، موضحًا: «هذا الشخص قديمًا كان نشط نقابيًا، مهموم بقضايا المهنة، ويتحدث عنها بانتظام، فهذا العمل النقابي المتواصل يكون سببًا في فرز الناس، في بعض الأحيان كنا نجد عضوًا عاديًا في الجمعية العمومية تأثيره أقوى من عضو في المجلس».
يؤكد نقيب الصحفيين الأسبق أنه بعد الانتخابات لا بد أن يكون هناك «معايير لمحاسبة» أعضاء المجلس المنتخبين، ولكن المشكلة الآن أننا ننتخب أعضاء المجلس، وبعدها بأسبوعين نهاجمهم، يستكمل: «طب ما أنتوا اللى جبتوهم، هم لم ينزلوا على مجلس النقابة بالبراشوت، هذا خللٌ كبيرٌ».
يتابع: «يجب ألا تُسرق الانتخابات، مينفعش واحد يعملك خدمة بسيطة، فيصير نقابيا عظيمًا، وتنتخبه عضوًا في المجلس»، مطالبًا أعضاء الجمعية العمومية بإعداد أجندةٍ للقضايا؛ هذه الجمعية لا بدّ أن تفرض أولوياتها على أعضاء مجلس النقابة، مشددًا على ضرورة أن تنتخب الجمعية العمومية مجلس نقابة «قويًا».
في السياق عينه، يقول الكاتب الصحفي نبيل عمر، أحد المهتمين بقضايا المهنة، وصاحب مقالات كثيرةٍ عن الصحافة وأزماتها، إنّ الجمعية العمومية لـ«نقابة الصحفيين» لا بدّ أن تكون فاعلةً؛ عن طريق حسن اختيار أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، أو انتخاب «مجلس قوي»؛ لأنه حتى لو سيطر الزملاء على هذا المجلس، فما الفائدة إذا كان ذلك المجلس به أعضاء غير أكفاء.
يُضيف «عمر» لـ«النبأ» أنّ مشكلة الصحافة الآن ليست بالطبع فى زيادة «بدل التدريب والتكنولوجيا» أو الخدمات، التي قد تكون الاهتمام الأكبر من جانب المتنافسين في الانتخابات، ولكن المشكلة في المهنة التي تنهار، وصارت مهددةً بالانقراض مثل «الطرابيش» و«العربية الحنطور».
ولفت إلى أنّ هناك مشكلةً في اختيار أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، وهي التي تتركز في سيطرة فكرة «الكوتة السياسية» عند انتخاب الأعضاء؛ فهذا عضو من اليسار، وآخر من اليمين، وثالث معارض، ورابع مؤيد.. إلخ.
برأي «عمر» فإنّ من واجب النقابة أن تكون بعيدةً عن هذه المفاهيم؛ بل هناك صفات يجب أن تتوافر في أعضاء مجلس النقابة، مثل: أن يكونوا ناشطين في الجمعية العمومية، وأن يكونوا صحفيين لهم باعٌ طويلٌ في المهنة، ويعلمون خبايا مشكلاتها، ويقدمون أطروحات لحلها، حتى يستطيعوا الدفاع عن هذه المهنة.
وتابع: «الذي ليس تاريخ مهني، سيدافع عن ماذا؟.. الجمعية العمومية عليها حسن الانتقاء فى انتخابات التجديد النصفي دون حساباتٍ سياسيةٍ، ولكن حسابات نقابية، لأن الكوتة السياسية تجعل الاختيارات رديئةً في الغالب، إحنا بنختار ناس كويسة، وجنبهم بنختار ناس لا تصلح أن تكون داخل مجلس الصحفيين».
يرى «عمر» أنّ الجمعية العمومية لكى تستعيد سيطرتها على النقابة، فعليها أن تختار شخصياتٍ «لامعةً» تمتلك تاريخًا مهنيًا حتى يكونوا أعضاءً في مجلس النقابة، منوهًا بأن هذه الاختيارات يكون لها تأثير اجتماعي، وعندما يضغط هؤلاء الأعضاء لحل مشكلاتٍ ما، تكون كلمتهم مسموعةً.
يستكمل: «الخدمات مهمة للزملاء، وهي جوهرية في ظل هذه الظروف الاقتصادية، ولكن الجمعية العمومية عليها أن تهتم أيضًا بوجود رؤيةٍ مستقبليةٍ تتركز في الدفاع عن دور النقابة المهني، لأنه عند ازدهار المهنة، سيكون في زيادة في المرتبات، وضع أعلى في المجتمع، لابد أن يُكوّن أعضاء الجمعية العمومية جماعات ضغطٍ و(لوبيات) لعمل أجندةٍ أو جدول أعمالٍ لفرضه على أعضاء مجلس نقابة الصحفيين».
وحتى تستطيع الجمعية العمومية للصحفيين فرض سيطرتها على النقابة.. يؤكد «عمر» وجود دورٍ كبيرٍ للجان النقابية، وكذلك الروابط مثل: «رابطة النقاد الرياضيين»، «رابطة المحررين الاقتصاديين»، «رابطة نقاد الفن»، وغيرها من الروابط التي يجب أن يقدم أعضاؤها مشروعاتٍ للمهنة، وتنسيق الاتصالات بين الصحفيين لتنفيذ تلك المشروعات.
يوضح أكثر: «هذه الروابط عليها أن تكون أدوات ضغطٍ، وتمارس نشاطًا حقيقيًا داخل الجمعية العمومية، وتعقد اجتماعاتٍ، وتراقب عمل المجلس في أداء وظائفه، وكذلك مراقبة ومراجعة ومتابعة تنفيذ البرامج الخاصة بالنقيب والأعضاء التي تعهدوا بتنفيذ بنودها وقت الانتخابات»، مشيرًا إلى أنه عندما يكون الكلام مهنيًا ونقابيًا فقط، ستنتهي الانقسامات داخل مجلس نقابة الصحفيين.
يتحدث أكثر عن دور الجمعية العمومية قائلًا: «من المهم جدًا ألا تنقطع علاقة الصحفيين بنقابتهم، فلو صدر كتاب جديد لزميلٍ، يُناقش داخل النقابة، ضرورة تنظيم الفعاليات والندوات، للحديث في السياسة والاقتصاد وأحوال الصحف، حتى يشعر المجلس بوجود أعضاء الجمعية العمومية دائمًا داخل نقابتهم».
يستكمل: «كورونا ظرف استثنائي، إحنا اللي نضعف نقابتنا بابتعادنا عنها، سقف الحرية سيرتفع، عندما يكتب الصحفي معلوماتٍ، حتى الرأي لابد أن يكون مصحوبًا بمعلوماتٍ، نحن لا نريد أن تتحول صفحات الصحف إلى هتافاتٍ، حتى عندما نكتب وقائع من ملفات فساد، علينا ألا نصدر أحكامًا، لأنك لا تستطيع أن تقول عن شخصٍ إنه فاسدٌ أو لصٌ إلا بحكمٍ قضائيٍ باتٍ».
يختم: «أولوياتنا يجب أن تترتب هكذا: النقابة، المهنة، المجتمع.. لا يمكن أن تكون المهنة ضعيفةً، ثم نطلب ثورة تصحيحٍ فى المجتمع، فمثلًا لابد أن يكون لديك حزب قوي في الشارع، لتكون قادرًا على الضغط على الحكومة».
نرشح لك: خفايا «صناعة البديل».. الملف الغائب فى انتخابات «الصحفيين»