الاكتئاب صديق للبعض
كثيرًا ما ينتابنا شعور الحزن المتواصل في أوقاتٍ متفرقة، لا ندري ما سببه لكننا نقاومه مرات ٍعديدة، حتى يتغلب علينا، فنجد أنفسنا أسرى لأمزجة مضطربة، يتصارع فيها شعور الحزن والوحدة أيهما يسيطر على الآخر، لكن الحقيقة كلاهما وجهان لعملة واحدة.
في فصل الشتاء ومع تساقط زخات المطر يزداد شعورنا القاتل بالعزلة، فنختبئ في زاوية الغرفة الهادئة، تغمرنا الذكريات القديمة، تمر أمامنا كصفحات تعقب إحداها الأخرى، ونتساءل ما سر هذا الماضي الدفين في طيات صدورنا، ولماذا لا نود الخروج من تلك الخيوط الواهية؟ هل الأمر بأيدينا أم أنها قوة خارجية تسيطر على قلوبنا وعقولنا؟ تدفعنا لنهرب من الواقع المرير لنتنفس الصعداء في عزلتنا الصغيرة وتستقر فيها أرواحنا الضائعة...هل ما نمر به اكتئابًا!!
من المهم أن ندرك أن الشعور بالإحباط في بعض الأحيان جزءٌ طبيعي من الحياة، حيث تصيب الأحداث المزعجة والمحزنة الجميع، أما إذا تطور هذا الشعور وأصبح يسيطر على الشخص ويفقده الأمل ويصيبه باليأس لفترات طويلة منتظمة فللأسف.. يُعد هذا اكتئابًا.
في هذا المقال سنفتح أبوابًا مغلقة هربنا كثيرًا من مواجهتها، وسنتطرق إلى خبايا أنفسنا وكيف نداويها؟
ما هو الاكتئاب؟
اضطرابٌ مزاجي يصيب المرء يسبب شعورًا بالعزلة والحزن والغضب، يتداخل في أمور الشخص الحياتية ويؤثر على نشاطاته اليومية، فيفقده الشغف بالحياة وعدم الرغبة بالاستمرار، وقد يصل في بعض الأحيان إلى الرغبة في الإصابة بالأذى أو الرغبة في الانتحار.
أثبتت الدراسات الأمريكية في عام 2013 حتى عام 2016 أن نسبة الاكتئاب قد زادت بمعدل (8%) في الأشخاص البالغين من العمر (20) عامًا أو أكثر وهذه النتائج المرعبة كانت تتزايد كل أسبوعين.
يُعد الاكتئاب حالة مرضية خطيرة تسيطر على الشخص، لكنها قد تصبح أسوأ إذا لم تُعالج سريعًا، فالأشخاص الذين يتلقون العلاج سريعًا يظهر التحسن عليهم في خلال أسبوعين.
لا يقتصر الاكتئاب على الإصابة بالضرر النفسي فقط بل قد يتطرق الأمر إلى إصابة المريض بأعراض جسدية يَنجم عنها بعض الأمراض مثل:
الربو
التهاب المفاصل
أمراض القلب
مرض السكري
السمنة
وأخيراً السرطان
أعراض الاكتئاب
لا يقتصر الاكتئاب على تغيير مزاج الشخص فقط وينقله بين الاضطرابات النفسية، بل يزداد الأمر سوءاً فتظهر أعراض عديدة، هذه الأعراض تختلف من شخصٍ إلى آخر، فمنهم من يظهر عليه الأعراض النفسية فقط والبعض تظهر عليه أعراض جسدية فقط، وهناك من ينتقل بين النوعين.
يظهر التغير في المزاج على هيئة غضب أو قلق أو هيجان أو أرق وربما التأثر الشديد نحو المواقف البسيطة.
تتراوح العواطف بين الشعور بالإحباط وفقدان الأمل والفراغ الداخلي والحزن والتعاسة
أما الأعراض السلوكية فتظهر على هيئة فقدان للشغف، وعدم الاستمتاع بالهوايات المفضلة وعدم الرغبة في التقدم والإنجاز وفقدان الاهتمام، والشعور بالتعب سريعًا، وفي بعض الأشخاص تتملكهم بعض الأفكار الانتحارية، أو الإفراط في تناول الكحول أو تعاطي المخدرات، أو القيام ببعض الأنشطة الخطيرة.
في بعض الرجال تقل لديهم الرغبة الجنسية مع ضعف في القدرة الجنسية.
أما بالنسبة للقدرات الذهنية فقد يُصاب الشخص بعدم القدرة على التركيز مع التشتت، والصعوبة في إنجاز المهام، أيضًا بطء الاستجابة أثناء الحوار.
يصاب المرء بالأرق واضطراب النوم خاصةً بالليل فقد يستيقظ طوال الليل وينام كثيرًا طوال النهار.
تتأثر أيضًا قدرته البدنية فقد يعاني من آلام مستمرة منها الصداع المزمن، والشعور بالإرهاق المستمر وبعض المشاكل الهضمية.
أسباب الاكتئاب
نبحث كثيرًا عن الأسباب التي أحالتنا إلى هذا الوضع وتلك المشاعر المضطربة، أحيانًا نلامس بعضها، وأخرى نتجاهلها، وبعضنا يعلمها جيدًا، فما أسباب الاكتئاب؟
هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى الاكتئاب منها:
التاريخ العائلي: إذا كان هناك بعض الاضطرابات المزاجية في العائلة أو تاريخًا للاكتئاب فيجعل هذا الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.
صدمة الطفولة المبكرة: هناك بعض المواقف التي تؤثر علينا في طفولتنا لا ننساها بل تبني شخصيتنا وقدرتنا على تقبل الصدمات خاصًة تقبل الحزن والمواقف العصبية.
تركيب الدماغ أو هيكل الدماغ: هناك خطرٌ شديدٌ للإصابة بالاكتئاب إذا كان الفص الجبهي للدماغ أقل نشاطًا، ومع ذلك يحتار العلماء في معرفة هل قلة النشاط تحدث بعد الإصابة بالاكتئاب أم قبله.
الإصابة ببعض الحالات الطبية قد تساعد على الإصابة بالاكتئاب منها الأرق المزمن أو الأمراض المزمنة أو متلازمة نقص الانتباه وفرط النشاط.
تعاطي المخدرات والكحول أيضًأ تساعد في الإصابة بالاكتئاب.
هناك بعض الأسباب الأخرى تؤثر على الإصابة بالاكتئاب مثل عدم الثقة بالنفس والشعور الدائم بالتدني، أو التنمر، أو تناول بعض الأدوية أو فقدان بعض الأحبة أو المعاناة من المشاكل الاجتماعية وهذا ما أكثره في تلك الحياة.
في بعض الأحيان يعجز الأطباء النفسيين على تحديد سببًا وجيهًا للاكتئاب
اختبار الاكتئاب
اختبارٌ بسيطٌ يقوم به الطبيب النفسي أثناء تشخيص المريض يناقش فيه بعض الأعراض والتقييم النفسي.
في بعض الأحيان يسأل الطبيب النفسي عدة أسئلة عن طبيعة المزاج والشهية وهيئة النوم والقدرة على أداء الأنشطة والأفكار التى تدور بخلد المريض.
لأن الاكتئاب مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا بالمشاكل الصحية فإن الطبيب النفسي سوف يستفسر عن بعض تحاليل الدم والفحوصات الجسدية، حيث إن مشاكل الغدة الدرقية أو نقص فيتامين د قد يعززان من أعراض الاكتئاب.
عليك أن تأخذ حذرك ولا تتجاهل علاج الاكتئاب، فربما تتدهور الحالة الصحية لتؤدي إلى الإصابة بفقدان الوزن أو زيادته، وأيضًا الآلام الجسدية ونوبات الذعر ومشكلات الهضم والشعور بالعزلة الاجتماعية، وتوتر العلاقات والأفكار الانتحارية ويصل الأمر إلى إيذاء الشخص لنفسه.
أنواع الاكتئاب
يمكن تقسيم الاكتئاب إلى عدة فئات وفقًا لشدة الأعراض، فهناك من يعاني من نوبات خفيفة ومؤقتة، وقد يشعر البعض بنوبات اكتئاب حادة ومستمرة.
هناك نوعان رئيسيان من الاكتئاب: اضطراب الاكتئاب الشديد واضطراب الاكتئاب المستمر.
الاكتئاب الحاد
أكثر أنواع الاكتئاب حدة، يتميز بمشاعر مستمرة من الحزن الدائم واليأس وانعدام القيمة، وهذه الأعراض لا تزول من تلقاء نفسها. وحتى تشخص بهذه الحالة لا بد أن يظهر عليك (5) أعراض أو أكثر من هذه الأعراض:
الشعور بالاكتئاب أغلبية اليوم
فقدان الاهتمام بمعظم الأنشطة العادية
فقدان الوزن أو زيادته
كثرة النوم أو عدم القدرة على النوم
عدم القدرة على التفكير أو الحركة
الإرهاق معظم اليوم
الشعور بانعدام القيمة أو الذنب
قلة التركيز أو التردد
الأفكار المتكررة عن الانتحار أو الموت
هناك بعض الأنواع الفرعية من الاكتئاب الحاد أشارت إليها جمعية الطب النفسي الأمريكية منها:
-الاكتئاب الموسمي
-الاكتئاب أثناء الحمل أو قبل الولادة أو بعد الولادة
-الاكتئاب غير النمطي
الاكتئاب المستمر
يسمى أيضًا باكتئاب عسر المزاج، حقيقًة لا يقارن بالاكتئاب الحاد، فهو أقل منه حدة لكنه للأسف مزمن.
يؤثر الاكتئاب المستمر على الحياة بشكل عام أكثر من الاكتئاب الحاد لأنه يستمر لفترة زمنية طويلة. من أجل تشخيص هذا النوع من الاكتئاب، لا بد من مرور عامين على الأقل من المعاناة من هذه الأعراض:
فقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية
عدم الاحترام للذات
الشعور باليأس
عدم القدرة على العمل والإنتاج
علاج الاكتئاب
العيش مع الاكتئاب أمر غاية في الصعوبة، فهو يطعن المريض في خلجات صدره مرات عديدة، لا يمل ولا يكل أن يؤذي هذا الجسد الصغير، لكن إذا تملكتنا الشجاعة وتوصلنا إلى هذه النقطة ورغبنا في تخلص أنفسنا من هذا المرض القاتل، فمن الممكن علاج الاكتئاب بصورة ناجحة، لكن لا بد من الاستمرار على خطة علاجية.
يجمع بعض الأطباء النفسيين في العلاج بين الأدوية النفسية والعلاج عن طريق نظام حياة صحي.
يصف الطبيب معظم الأحيان أدوية مثل مضادات الاكتئاب ومضادات القلق ومضاد للذهان.
وعلى الصعيد الآخر يستخدم الأطباء بعض العلاجات الهامة في التخلص من الاكتتاب منها:
العلاج النفسي
قد يفيد التحدث مع الطبيب النفسي كثيرًا؛ حيث يعلمك بعض المهارات للتغلب على المشاعر السلبية، ولا ننسى أن للأسرة دورًا هامًا في هذا الأمر فهي تعمل كداعم مشجع.
العلاج بالضوء
يعمل التعرض إلى جرعات من الضوء الأبيض على تحسين المزاج وتقليل أعراض الاكتئاب خاصًة في الاكتئاب الموسمي.
الطب البديل
لا ننكر أن للطب البديل دورًا هام في تحسين المزاج مثل التأمل فهو يمنحك شعورًا بالسعادة المؤقتة ويمنحك قدرة على تكملة المسيرة.
أيضًا استخدام تقنية الوخز بالإبر أو الحجامة، وبعض الأدوية العشبية مثل زيت السمك تساعد كثيرًا في تقليل أعراض الاكتئاب.
ممارسة التمارين الرياضية
تعمل ممارسة الرياضة مدة (30) دقيقة في اليوم تتراوح من ثلاثة أيام إلى خمسة أيام في الأسبوع على إفراز هرمون الإندورفين والذي يساعد كثيرًا في تحسين المزاج.
التوقف عن تناول الكحول والمخدرات
تعمل هذه المواد على تفاقم أعراض الاكتئاب، وتوقفها يمنح السلام للنفس ويحسن من المزاج.
تعلم أن تقول لا
نشعر أحيانًا بالارتباك في مواقف معينة، خاصًة التي تحتاج منا أن نعترض، ونلوم أنفسنا ونشعر بالخذلان من إجبارنا على الحياة بشكل لا يناسبنا، حتى يصيبنا الاكتئاب.
لذا علينا أن نعتاد أن نقول لا عند المواقف التي لا نستهويها، هذا يمنحنا الثقة بالنفس والقوة ويساعد على مسايرة حياتنا بالشكل الذي نرغب.
الاهتمام بالنفس
عليك بمراعاة نفسك والاهتمام بنمط الحياة الصحي، ومراعاة الطعام والشراب والأكل الصحي وممارسة التمارين، وأيضا خذ قسطًا من النوم العميق، لا تهمل نفسك بعد اليوم فأنت شعلة لا تجعلها تحترق من أجل أحد، إجعلها وقودًا للانطلاق لحياة أفضل. فقط كن كما تحب أن تكون.
أما في بعض الحالات التي لا تستجيب للعلاج، يقوم الطبيب النفسي بتجربة بعض الطرق الأخرى التي تعطي نتائج فعالة مثل:
-المعالجة بالتخليج الكهربائي
-التحفيز المغناطيسي للدماغ
هل يمكننا منع الاكتئاب
لا يُعد الاكتتاب مرضًا يمكن الوقاية منه، لصعوبة التعرف على أسبابه والتخلص منها، مما يعني أن التخلص منه يعتبر أمرًا شديد الصعوبة.
لكن باتباع بعض الممارسات قد تقلل من وطأة هذا الأمر أو قد تتجنبه بصورة كبيرة.
فعند التعرض إلى نوبة اكتئاب، عليك أن تكون مستعدًا أن تتغلب عليها حتى لا يتفاقم الأمر وتدخل في نوبات مستقبلية أخرى من خلال:
ممارسة التمارين المنتظمة
أخذ قسطًا وافرًا من النوم العميق
توطيد العلاقات بالمحيطين
تقليل التوتر
في النهاية الاكتئاب مرض صعب المراس، قد يودي بحياة البعض فكن مستعدًا له، لا تسمح له بالتغلب عليك.