كوبا أميركا.. الافتراضية!
** فى هذا الصيف الرياضى الحار، تجرى كأس الأمم الأوروبية حاليا فى 11 مدينة، بمناسبة مرور 60 عاما على انطلاقها، وفى الوقت نفسه تجرى بطولة كوبا أميركا رقم 47 فى البرازيل فى 5 ملاعب بأربع مدن.. والفارق الجغرافى بين إفريقيا وأوروبا وبين أمريكا الجنوبية والشمالية هو المحيط الأطلسى أو بحر الظلمات ثانى محيطات العالم مساحة بعد المحيط الهادئ. والمسافة الجغرافية تبدو الآن مثل المسافة الكروية، فكأس أوروبا تحظى باهتمام عالمى بينما كوبا أميركا لا تحظى بنفس القدر من الاهتمام.. فهل أصبحت أوروبا موقعا لكأس حقيقية، بينما أمريكا الجنوبية موقع لكأس آخر افتراضية؟
** يوم 3 يونيو 2002 باستاد يوكوهاما لعب منتخبا البرازيل وألمانيا المباراة النهائية للمونديال وانتهت بفوز البرازيل 2\صفر وإحراز الكأس للمرة الخامسة. وفى نفس اليوم فى مدينة تيمفو التى تقع قرب نيبال على ارتفاع ألفى متر فوق سطح البحر لعب منتخبا مونت سيرات ومملكة بوتان مباراة أطلق عليها: « كأس العالم الآخر» أمام عشرة آلاف متفرج وانتهت بفوز بوتان 4\صفر !
** نهائى كأس العالم الآخر نظمه الهولندى يوهان كرامر كان بين أسوأ دولتين فى كرة القدم عام 2002 حيث احتلت بوتان أيامها المركز رقم 203 فى تصنيف الفيفا والآن تصنيفها 187، واحتلت مونت سيرات المركز رقم 204 والأن تصنيفها 180. وربما يعرف البعض أن بوتان تقع فى آسيا لكن مونت سيرات التى انضمت إلى الفيفا عام 1999 عبارة عن مستعمرة بريطانية وجزيرة صغيرة بالبحر الكاريبى تقع بين بورتوريكو وفنزويلا وكان عدد عدد سكانها فى ذاك الوقت 1200 نسمة، وأصبح الآن 5000 نسمة حسب تعداد 2016..
وبوتان تعدادها 691 ألف و141 نسمة، وفى 2006، صنفت مجلة بيزنس ويك بوتان أسعد بلد فى آسيا، وثامن أسعد البلدان فى العالم، نقلا عن مسح عالمى أجرته جامعة ليستر فى عام 2006 يسمى «خريطة السعادة فى العالم».
** لا أعرف موقع البرازيل والأرجنتين من خريطة السعادة فى العالم. لكننى كنت أعرف عن منتخب السامبا أنه أكبر مصدر للسعادة فى كرة القدم، وأنه مثل فرقة باليه البلوشوى الروسية. فعندما كانت البرازيل تلعب يقف العالم على قدميه لمشاهدة تجار السعادة بيليه، وجايير زينيو وريفيلينو وكارلوس ألبرتو وتوستاو، فهى متعة أن تشاهد المهارات الفذة بفريق واحد لكن منذ مطلع الألفية لم يعد منتخب البرازيل مبهرا، وآخر بطولاته الخمس فى كأس العالم حققها عام 2002. بينما توارت الأرجنتين بعد مونديال 1986، ولم تعد كما كانت، وأصبح أداء منتخب التانجومثل معزوفة نشاز، حافلة بالفوضى، وهذه الفوضى مستمرة. فوضى اللعب والملاعب واللعبة والتصوير والنقل التليفزيونى، والتحليل والتعليق، وصرخات « جوووول ». فقد سيطرت أوروبا على كأس العالم منذ عام 2006، وعلى كأس العالم للأندية باللقب الثانى عشر مقابل لقب واحد منذ عام 2007، وضاعت مع تلك السيطرة الشخصية اللاتينية والبرازيلية المهيبة فى الملعب.
** لقد نجحت أوروبا فى مواجهة هيمنة مهارات البرازيل والأرجنتين، وأدرك الأوروبيون أن اللاعب فى أميركا الجنوبية يكون قراره الأول دائما هو المراوغة للإعلان عن موهبته، وأثرت هجرة أكثر من عشرة آلاف موهبة إلى مختلف القارات، على مدى سنوات، كما أن البطولة القومية البرازيلية، أو الدورى المحلى، يقام بنظام المناطق، نتيجة المسافات الشاسعة بين المدن والأقاليم، وهو ما أفرز احتكاكا ضعيفا فى النهاية
كذلك هناك نقص التمويل، وضعف التطور العلمى الرياضى وفنون التدريب والاستشفاء والتكتيك والأساليب، فى أمريكا الجنوبية..
** نتمنى السعادة لشعوب أمريكا الجنوبية، وننتظرعودة تجار السعادة فى البرازيل والأرجنتين إلى ملاعب كرة القدم..
نقلا عن "الشروق"