الشك كبير ومشروع.. ومؤسف!
غداة اعتذار رئيس الحكومة اللبنانى المكلف سعد الحريرى عن عدم تشكيل الحكومة الجديدة، أعلنت باريس أن الرئيس ماكرون سيستضيف الشهر المُقبل، فى الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت، مؤتمراً دولياً لدعم لبنان بالتعاون مع الأمم المتحدة.
ومع تأكيد البنك الدولى أن لبنان يواجه انهيارا اقتصاديا يُعد واحداً من بين ثلاث أشد أزمات فى العالم منذ 1850، يدهشك أن القوى السياسية اللبنانية، التى فشلت فى تشكيل حكومة منذ استقالة حكومة حسان دياب إثر انفجار مرفأ بيروت (4 أغسطس 2020)، تبدو على قناعة بأن بلدهم مازال يدخر فرصاً يمكن اقتناصها بمزيد من الألعاب السياسية التى وفرت قواعدها الرديئة بسخاء طائفية النظام السياسى اللبنانى، التى أهملها اتفاق الطائف (30 سبتمبر 1989) حين ركز على وقف ويلات الحرب اللبنانية الأهلية (1975 ـ 1990)، واعتبر التأكيد على الهوية العربية للبنان منتهى الأمر، إذ كانت سنوات الحرب الأهلية المروعة قد نالت من الهمم ولم تترك شيئاً للبحث فى استئصال «الطائفية»، فكان أن عالجنا العرض وتركنا المرض!.
ودون الكف عن توجيه الطعنات لبعضهم البعض، ومحاولات احتكار الحقائق، ومُصادرة الوطنية، ترفع النخبة السياسية اللبنانية من أسهم اللاجئين فى الأزمة (معظمهم من السوريين والفلسطينيين)، وبالفعل نالت لبنان مساعدات دولية دعماً لجهودها فى تحمل أعباء أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ، بات 90% منهم يعيشون على أراضيها تحت خط الفقر، لكن الأزمات اللبنانية تتفاقم.
بينما على الجانب الآخر، تُصر القوى الدولية على أن الأزمة لبنانية الصُنع، وأن المساعدات ينبغى أن تتوازى مع إصلاحات حقيقية وجادة، لعل أهم علاماتها وأولها القدرة على تشكيل حكومة لبنانية تحظى بثقة الشعب اللبنانى، وهو أمر يبدو بعيد المنال بعد أن ذهبت ثقة الشعب تجاه نخبته السياسية ولم يعد لها عنوان يُذكر، ولطالما هتف الشارع اللبنانى مُطالباً برحيل عناصر الطبقة السياسية كافة، فى ظاهرة هى الأصعب أم أى عملية إصلاح حقيقى فى لبنان.
وفى رؤية مُعقدة للواقع اللبنانى، وبينما عبثية فكرة دعم دولى للشعب اللبنانى بعيداً عن الطبقة السياسية لا تحتاج برهاناً؛ تزداد الأمور صعوبة بتهديد الاتحاد الأوروبى بفرض عقوبات مباشرة على المسؤولين اللبنانيين، إن لم يتحركوا لإنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادى. أما الرئيس الأمريكى بايدن الذى وقع مؤخراً أمراً تنفيذياً مدد به العمل بأمر تنفيذى خاص بلبنان أصدره الرئيس الأمريكى الأسبق جورج دبليو بوش فى الأول من أغسطس 2007، فالأمر فى حقيقته يتعلق بالصراع الأمريكى ـ الإيرانى؛ إذ يؤدى قرار بايدن إلى مواصلة فرض عقوبات أمريكية على إيران لنقلها الأسلحة إلى حزب الله، ما يراه بايدن يهدد سيادة لبنان. وعلى هذا النحو يعيش الشعب اللبنانى مُحاصراً بين صراعات القوى السياسية الداخلية، وصراعات الأطراف الخارجية على أرضه.
أما حسان دياب، رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، فقد أوجز، وكما نقول عندنا «جاب من الآخر!»؛ إذ رأى فى لقاء عقده مؤخراً مع عدد من السفراء أن «ربط مساعدة لبنان بتشكيل الحكومة يشكل خطراً على حياة اللبنانيين والكيان اللبنانى»!؟
والحال أن حكومة لبنانية لا أثر لها فى الأفق القريب، وثقة شعبية هربت من الجميع، ومجتمع دولى غير متفق على مصالحه فى لبنان، لتبقى معاناة اقتصادية حادة هى نتاج طبيعى لطائفية سياسية طعنت بقوة مفهوم الدولة الوطنية؛ ومن ثم يعجز مؤتمر ماكرون وغيره إن أبقى جل جهده فى الشق الاقتصادى، فما أحوج لبنان إلى مؤتمر سياسى دولى يملك من الشجاعة ما غاب عن اتفاق الطائف؛ إذ يؤسس لدولة وطنية، تنتهج سُبل الحكم الرشيد، من سيادة القانون إلى المساواة والمساءلة... إلخ.
لكن هل يملك المجتمع الدولى متسعاً من الوقت لذلك؟!... الشك كبير ومشروع... ومؤسف!.
نقلا عن "المصري اليوم"