ورقة علمية تكشف بالأدلة والبراهين .. دور إسرائيل الخطير في ملف سد النهضة
تخصيص طابق كامل بوزارة المياه والكهرباء الإثيوبية لخبراء المياه اليهود
أديس أبابا تنفذ خطة خبيثة بالتعاون من تل أبيب للتهوين من مخاطر السد
خريطة إعلامية لمنع الحديث عن احتمالات انهيار السد الإثيوبي
كشفت ورقة علمية أصدرها «مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات»
للدكتور وليد عبد الحي، عن الدور الإسرائيلي في أزمة سد النهضة، كاشفا عن عدد من
الأدلة والبراهين التي تؤكد الدور الإسرائيلي في هذا الملف يستهدف السيطرة على سد
النهضة وتعطيش المصريين.
ولعل من أبرز الأدلة التي ساقتها الدراسة للدلالة على الموقف
الإسرائيلي، وجود طابق كامل في مبنى وزارة المياه والكهرباء الإثيوبية يقيم فيه
خبراء المياه الإسرائيليون، ويقدمون الخبرة التفاوضية والفنية للفرق الإثيوبية،
وأيضا نشاط الشركات الإسرائيلية، في أديس أبابا، لا سيما تلك التي لها علاقة
باحتياجات بناء سدّ النهضة الإثيوبي، حيث توجد بشكل فاعل الشركات الإسرائيلية مثل:
شركة سوليل بونيه Solel Boneh للإنشاءات في كل من كينيا، وإثيوبيا، وأوغندا، إلى جانب شركة
أغروتوب Agrotop للزراعة، وشركة كور CORE للإلكترونيات، وشركة موتورولا الإسرائيلية Motorola
Israel للكهرباء والماء.
وكذلك فإنه خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي (2020)
بنيامين نتنياهو إلى إثيوبيا في تموز يوليو 2016 ضمن جولة في دول الشرق الإفريقي،
اعلن عن سعادته لأنه أول رئيس وزراء إسرائيلي يزور إثيوبيا، وأكد استعداد “إسرائيل”
لتقديم العون التكنولوجي لإثيوبيا لاستكمال مشاريعها مركزًا في خطابه أمام
البرلمان الإثيوبي على قطاع الزراعة، وقد ورد في خطابه العبارة التالية ذات
الدلالة الواضحة، قال نتنياهو حرفيًا: “هذه هي رؤيتي لتعاوننا: أن يتمتع المزارعون
الإثيوبيون بفوائد المعرفة know-ho الإسرائيلية، ويعملون معنا لتوجيه المياه إلى كل اتجاه
يريدونه”.
خامسا: بعد تصاعد الخلاف بين إثيوبيا ومصر حول آثار السد
الإثيوبي، تواترت تقارير إسرائيلية، وغربية، وعربية، في 2019، عن قيام “إسرائيل”
بنصب نظام دفاع جوي من نوع سبايدر إم آر Spyder-MR حول سدّ النهضة الإثيوبي يمكنه من إسقاط الطائرات الحربية من
على بعد 5-50 كم، وقد قامت ثلاث شركات إسرائيلية هي شركة رفائيلRafael المتخصصة في الصواريخ، وفرع إم.بي.تي MBT للصواريخ التابع للصناعات الجوية الإسرائيلية، وشركة أنظمة
إلتا Eltaالمتخصصة في الرادارات، بإنجاز
هذا النظام الدفاعي لإثيوبيا.
ومن الأدلة أيضا أن هناك ترابطا بين المساندة الإسرائيلية
لإثيوبيا في موضوع سدّ النهضة وتنامي العلاقات المختلفة بين الطرفين؛ ففي الجانب
الاقتصادي يصل حجم التبادل التجاري بين إثيوبيا و”إسرائيل” حتى سنة 2019 نحو 300
مليون دولار، ويصل عدد المشاريع الإسرائيلية العاملة في إثيوبيا إلى 187 مشروعًا
أغلبها في الزراعة حتى سنة 2017، من جانب آخر، تزايد التنسيق الأمني بين الطرفين
بعد حادثين هما تفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام سنة 1998 من
ناحية، والهجوم على أحد المتاجر اليهودية الكبرى في كينيا من قبل مجموعة “الشباب”
الصومالية سنة 2013.
وتدرك “إسرائيل” أهمية إثيوبيا لتطل منها على المحيط الهندي والبحر
الأحمر الذي تمر منه 20% من تجارة “إسرائيل” الخارجية، ناهيك عن الأطلال على منابع
النيل، وتتعزز كل هذه الجوانب بالتعاون في التصنيع والتدريب العسكري. وتعد هذه
العلاقات جزءًا من نشاط إسرائيلي متسارع في منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي،
ففي زيارة نتنياهو سنة 2016 التي أشرنا لها، رافقه فيها ممثلون عن نحو 50 شركة
إسرائيلية، وأدت لتوقيع اتفاقيات مع إثيوبيا (الزراعة، والسياحة، والاستثمار)، ومع
كينيا (الصحة، والري، والزراعة، والهجرة)و وتمّ الاتفاق على قيام “إسرائيل” بفتح
مكتب للتعاون التنموي مع دول المنطقة، ولـ”إسرائيل” مشاريع أيضًا للري في راوندا
مع شركة إبوني Ebony الإسرائيلية منذ 2007، ناهيك عن توقيع ألمانيا وكينيا
و”إسرائيل” في سنة 2012 اتفاقية تعاون لتنقية مياه بحيرة فكتوريا (مساحتها 69 ألف
كم2)، والتي تعد مصدرًا أساسيًا لمياه النيل، إلى جانب أدوارها الأخرى في المنطقة،
مثل دورها في النزاع الأرتيري اليمني على جزيرة حنيش، ودورها في دعم انفصال جنوب
السودان، ومساندة سيلفا كيرSalva Kiir في جنوب السودان ضدّ زعيم المعارضة رياك مشار Riek
Machar…إلخ.
سابعا: التحريض الاعلامي والسياسي على مصر؛ فقد أشارت الصحف
الإسرائيلية إلى أن السياسات المائية المصرية أضرت بالمصالح الإثيوبية، فقد ذكرت
صحيفة تايمز أوف إسرائيلThe Times of Israel في أحد مقالاتها إلى أن “عواقب هذه السياسات المصرية قد أضرت
بشدة بإثيوبيا على مدى عقود، وإن إثيوبيا، الغنية بالمياه، مكبلة باتفاقيات ملزمة
قانونًا بعدم استخدام مواردها المائية لتوفير الشراب لسكانها البالغ عددهم 90
مليون نسمة، أكبر من سكان مصر، وهو ما جعلها تعاني فترات طويلة من الجفاف
والمجاعة”.
ثامنا: محاولات ربط المواقف المصرية في مشكلة السد بالموضوع
الفلسطيني؛ فبعض الباحثين توقع أن “إسرائيل” ستربط ضغوطها على إثيوبيا لتخفيف
تعقيدات سدّ النهضة على مصر بأن تزيد مصر الضغوط على الفلسطينيين في مجال التسوية
العربية الإسرائيلية أو ما يتفرع من مشكلات إسرائيلية مع الفلسطينيين.
وعن أخطار السد على الأمن القومي المصري، ذكرت الورقة العلمية، ان
أغلب الدراسات، تشير إلى أن محاولات إثيوبيا التهوين من أخطار السد يتم بمشورة
الخبراء الإسرائيليين، فعلى موقع وكالة التعاون الدولي الإسرائيلية ماشافMASHAV على الفيسبوك في 3122019، بالإشارة إلى أن 20 خبيرًا
إسرائيليًا في مجال المياه والزراعة يشاركون في تقديم الخبرات لإثيوبيا في هذا
المجال، لكن النسبة العظمى من الخبراء المصريين وغيرهم يؤكدون المخاطر الكبرى
المحتملة على مصر، وتتمثل في الآتي:
أولا: لأن السد يقام على منطقة فلق زلزالي، فإن احتمال انهياره
لاحقًا تحت تأثير زلزال يزيد عن 4 درجات على مقياس ريختر قد ينتهي إلى إغراق
مساحات واسعة من مصر والسودان (التي يبعد السد عن حدودها نحو 40 كم فقط)، مما قد
يقود لخسائر بشرية كبيرة من المصريين والسودانيين، ووفق المخططات الأمريكية
للمشروع، والتي بدأت لفترة تعود لسنة 1964 من خلال مكتب استصلاح الأراضي
الأمريكي US Bureau of Reclamation، فإن المنطقة التي سيقام فيها السد تتسم بالهشاشة الجيولوجية التي
تجعلها أقل قدرة على تحمل تخزين أكثر من 11 مليار م3، فهي امتداد لما يسمى الأخدود
الإفريقي أو حفرة الانهدام الكبير Great Rift Valley، [17] ولعل ذلك هو ما دعا الخبراء المصريين إلى دعوة إثيوبيا لتقليص
التخزين من 74 مليار م3 إلى أقل من 30 مليار م3.
ثانيا: تعتمد مصر بنسبة تتراوح بين 80-85% من حصادها المائي على
النيل، ويقدر الخبراء أن ملء سدّ النهضة خلال فترة ما بين 3-5 سنوات سيقود إلى
تراجع 20% من حصة مصر البالغة 55.5 مليار م3 طبقًا لاتفاقيتي 1929 و1959، وعليه
يتراجع نصيب الفرد المصري من المياه من 2،500 م3 سنويًا إلى 600 م3.
ثالثا: إن ملء سد النهضة قد يقود إلى أن يبقى السد العالي فارغا لمدة
12 عامًا طيلة فترة الملء الإثيوبي، وهناك خلاف بين مصر التي تطلب أن يتم ملء السد
خلال 10 سنوات وإثيوبيا التي تسعى لملئه خلال 3 سنوات، وهو ما قد يقود إلى سلسلة
من النتائج السلبية الكبرى أهمها: جفاف الري عن مساحة واسعة من الأراضي
الزراعية، مما سيؤدي إلى تقليص المزروعات التي تحتاج كميات كبيرة من المياه مثل
الأرز، حيث يقدر أن تنخفض المساحة المخصصة لهذا المحصول الأهم لسلة الغذاء المصري
من 1.8 مليون فدان إلى 724 ألف فدان، أي نحو 40% من حجم المساحة الحالية في سنة
2020.
وانخفاض منسوب المياه الجوفية وخسارة مصر ما بين 11-19 مليار م3 من
المياه، وتداخل مياه البحر مع المياه في الدلتا المصرية مما يقود إلى ارتفاع نسبة
الملوحة في التربة وجعلها أقل صلاحية للزراعة، التلوث وتهديد الثروة السمكية، تراجع
الطاقة الكهربائية في مصر بين 25-40%، إن مواصلة إثيوبيا لمشروعها قد يغري بقية
دول الحوض الأخرى لبناء سدود مماثلة مما يفاقم الاخطار السابقة الذكر على مصر
والسودان، ويغرق الشرق الإفريقي ومنطقة حوض النيل في نزاعات عميقة ومدمرة.
وختم كاتب الورقة العلمية بالقول: «لقد أشرنا في بداية هذه الورقة
البحثية إلى أن “إسرائيل” معنية بإضعاف أيّ دولة عربية “أكثر” من عنايتها بإضعاف
الأنظمة العربية مع أهمية إضعاف الأنظمة، لكن تغير النظام السياسي غير المعادي في
دولة ضعيفة وتحوله إلى نظام معادٍ لـ”إسرائيل” لن يكون له تأثير استراتيجي نظرًا
لضعف الدولة، لكن تنامي قوة دولة عربية تقنيًا أو اقتصاديًا أو عسكريًا أو
اجتماعيًا هو رصيد لأي نظام سياسي يأتي معاديًا لـ”إسرائيل”.
وعليه فالضمان الحقيقي لأمن “إسرائيل” هو بقاء الدولة ضعيفة، ونعتقد
بأن “إسرائيل” تدرك مركزية المكانة المصرية في النظام الإقليمي العربي، وعليه فإن
تغير النظام في مصر إلى نظام معادٍ لها سيكون له مخاطر أمنية كبيرة على “إسرائيل”
إذا كانت مصر قوية، وعليه لا بدّ من إبقائها ضعيفة سياسيًا (بإضعاف مركزيتها
الإقليمية والدولية)، واقتصاديًا (بحرمانها أو التأثير على مواردها المركزية ومنها
النيل)، وعسكريًا بإغراقها في مواجهات داخلية (في سيناء)، وعلى حدودها مع ليبيا
والسودان (حول حلايب وغيرها)، ومع إثيوبيا…إلخ.