سر تعرَّض الأمريكيين الآسيويين لجرائم الكراهية داخل الولايات المتحدة
أكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن
الولايات المتحدة تعد من الدول التي تعيش فيها أقليات عِرقية واثنية مختلفة،
وتتمثل أبرز الأعراق التي تتكون منها التركيبة السكانية للمجتمع الأمريكي من أصل
أوروبي، والأمريكيين من أصل أفريقي، والأمريكيين الآسيويين، والهنود الأمريكيين،
وسكان هاواي الأصليين.
وذكر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن
هناك الكثير من التقارير والدراسات التي استعرضت كل فئة من هذه الفئات من حيث
تمتُّعها بسُبُل العيش في البلاد والمشكلات أو التحديات التي تواجهها على اختلاف
الأزمنة ومع اختلاف الأنظمة التي حكمت البلاد.
واستعرض مرصد الأزهر، في تقرير له، أوضاع الأمريكيين من أصل آسيوي، غير أنه يتوجَّب علينا، قبل أن نخوض في هذا الأمر، أن نُبيِّن تطورات أوضاع الأقليات في الغرب بصفة عامة، والولايات المتحدة بصفة خاصة.
وأضاف: “يكفُل الدستور الأمريكي وغيره
من دساتير الغرب الحرية لجميع أفراد مجتمعه، لكن بعض التنظيمات المتطرفة لا تقبل
بتطبيق هذه الحرية على جميع سكان بلادها، ومن ثمَّ تظهر حالات التعصُّب والعنصرية
أو ممارسة أعمال العنف ضد بعض المختلفين عن التيار السائد في البلاد، حتى وإن لم
يقترفوا إثمًا أو يخالفوا قانونًا. على سبيل المثال تعرَّض المسلمون في الولايات
المتحدة على مدار العقدين الماضيين لكثير من الهجمات الإرهابية، وجرائم الكراهية
التي مارستها ضدهم تنظيمات يمينية ومتعصبون أمريكيون حمَّلوا المسلمين مسئولية
هجمات الحادي عَشر من سبتمبر”.
وفي الآونة الأخيرة تعرَّض الأمريكيون
من أصل آسيوي الذين يُشكِّلون 5.9% من إجمالي سكان الولايات المتحدة وفقًا لبيانات
حكومية صدرت عام 2009م إلى أعمال عنف، وتمييز، واعتداءات لفظية وبدنية، لا سيما مع
بداية تفشي جائحة كورونا (كوفيد-19)، وذكرت وسائل إعلامية أن جرائم الكراهية التي
استهدفت الآسيويين في الولايات المتحدة شهدت ارتفاعًا حادًّا، ولعلَّ هذا الأمر
يرجع إلى الخطاب المناهض للآسيويين، والذي يُحمِّل المجتمعات الآسيوية مسئولية
تفشي الفيروس في الولايات المتحدة، كما أن هناك نماذج نمطية تُصور الأمريكيين
الآسيويين باعتبارهم غرباء عن البلاد، أو وافدين عليها، وأنهم يتبنون آراءً ووجهات
نظر مناهضة للأمريكيين تُهدد أمن البلاد واستقرارها، وقد تجلَّى هذا الأمر عندما
وصفت بعض الشخصيات السياسية والمنابر الإعلامية في الولايات المتحدة فيروس كورونا
(كوفيد-19) بـ"الفيروس الصيني"، وتحمَّل جميع الآسيويين ويلات هذه
التهمة التي ظلَّت عالقة في أذهان كثير من المتطرفين الأمريكيين منذ بداية تفشي
الفيروس.
ومنذ عام 2016م حتى عام 2020م، ارتفعت
جرائم الكراهية التي استهدفت الأمريكيين الآسيويين في ولاية كاليفورنيا؛ حيث ارتفع
مؤشر هذه الجرائم في عام 2020م وحده إلى (89) جريمة كراهية بزيادة تصل إلى 107%
مقارنة بـ 43 جريمة كراهية في عام 2019م، وشهد شهر مارس 2020م أعلى ارتفاع
لمُعدَّل جرائم الكراهية التي أبلغ عنها الأمريكيون الآسيويون في ولاية كاليفورنيا
لوزارة العدل مع إعلان الولاية حالة طوارئ لمنع انتشار فيروس كورونا، كما ارتفع
مُعدَّل جرائم الكراهية التي تعرَّضت لها ممتلكات الأمريكيين الآسيويين (مثل
عمليات الحرق المُتعمَّد وعمليات السطو والهدم وأعمال التخريب) بنسبة تصل إلى 55%
في عام 2019م، لترتفع من (11) إلى (17) جريمة عام 2020م([1]).
وكانت منظمة مكافحة جرائم الكراهية تجاه الأمريكيين من أصل آسيوى ([2])"Stop AAPI Hate"، قد نشرت تقريرًا حول المضايقات التي يتعرَّض لها الآسيويون في الولايات المتحدة، وأفاد التقرير بأن الهجمات التي تستهدف الأمريكيين من أصول آسيوية لم تنخفض وتيرتها منذ بداية تفشِّي جائحة كورونا وحتى الآن، ووفقًا للتقرير بلغت حوادث الكراهية المناهضة للآسيويين في الفترة التي تتراوح بين 19 مارس 2020م و31 يوليو 2021م ما يربو على (9) آلاف حادثة كراهية؛ حيث شهد عام 2020م تسجيل (4548) حادثة، بينما شهد العام الحالي (4533) حادثة حتى الآن، وقد خلُص التقرير إلى أن المضايقات اللفظية والتهميش المتعمَّد للأمريكيين الآسيويين ومَن تعود أصولهم إلى سكان جزر المحيط الهادي تُشكِّل أغلبية حوادث الكراهية، تليها الاعتداءات البدنية، كما تشكل النساء غالبية الضحاي
وفي هذا الإطار، سعى كثير من المُشرِّعين
والناشطين والفئات النشطة في المجتمع الأمريكي إلى الإعراب عن رفضهم للمضايقات
التي يتعرض لها الأمريكيون الآسيويون، ووجد بعض الأمريكيين في منصات التواصل
الاجتماعي ملاذًا لإبراز مواقفهم، وتتمثَّل أبرز ردود الأفعال على حوادث الكراهية
المناهضة للأمريكيين الآسيويين في توقيع الرئيس الأمريكي "جو بايدن" على
مشروع قانون جرائم الكراهية المتعلِّقة بفيروس كوفيد - 19 ([3])، إذ يُحمِّل هذا
القانون وزارة العدل مسئولية استحداث منصب جديد للتعجيل بالنظر في جرائم الكراهية
المرتبطة بالجائحة والسماح لحكومات الولايات والحكومات المحلية بتنفيذ برامج
للحدِّ من الجرائم من أجل منع جرائم الكراهية والتصدي لها، كما أعربت كمالا هاريس،
وهي من أصول آسيوية وأول نائبة رئيس أمريكي، عن رفضها الشديد لهذه الهجمات التي
تستهدف الآسيويين، مؤكدة أن توحيد الجهود ضد الكراهية يُعزِّز مكانة البلاد.
وإذا ما أردنا استقصاء أسباب ودوافع
استهداف الأمريكيين الآسيويين، نجد أن ذلك قد يرجع في المقام الأول إلى عوامل
اقتصادية؛ ذلك أن بعض الأمريكيين ينظرون إلى نظرائهم من أصل آسيوي باعتبارهم قوى
عاملة رخيصة هاجرت إلى الولايات المتحدة، وأصبحت الآن تُشكِّل خطرًا عليهم، وهو ما
أسفر عن شعور الأمريكيين الآسيويين بالاضطهاد والكراهية، أضف إلى ذلك الصورة
النمطية التي روَّجت لها وسائل الإعلام في الولايات المتحدة والخطاب الذي تبنَّاه
مجموعة من السياسيين على مدار العامين الماضيين، حيث أخذ هؤلاء يُقلِّلون من مكانة
الأمريكيين الآسيويين ويصفونهم بأنهم ضعفاء وسلبيون وغيرها من الأوصاف التي جعلتهم
أهدافًا مُحتملة لشن الهجمات وممارسة أعمال العنف، وربما يكمن أقوى دافع للهجمات
المناهضة للأمريكيين الآسيويين في الاعتقاد بسيادة العِرق الأبيض على سائر الأعراق
الذي أخذ في الانتشار بين الكثيرين من أصحاب البشرة البيضاء من الأمريكيين،
وبالتالي ارتفع مؤشر الهجمات العِرقية التي تستهدف الأجانب بصفة عامة في الولايات
المتحدة.
وكان مرصد الأزهر أجرى عددًا من
الدراسات والأبحاث التي تؤكد أن المجموعات اليمينية المتطرفة لا تتردَّد في
استغلال الأزمات من أجل إثارة المشكلات والتنكيل بالأقليات وممارسة أعمال العنف ضد
المخالفين لهم، وهو ما يؤدي بالطبع إلى ارتفاع معُدَّلات العنصرية والتمييز وغيرها
من أشكال التحيُّز التي لا تُسفر إلا عن بث الفُرقة بين أبناء الوطن الواحد،
والقضاء على التعددية والاندماج والأنماط التي تسهم إسهامًا فعَّالًا في أمن
المجتمعات واستقرارها، ونودُّ أن نشير في نهاية المطاف إلى أن إدارة الرئيس
الأمريكي "بايدن" تواجه تحديات في هذا الإطار ربما يتمثَّل أبرزها في
مدى إمكانية توفير الدعم اللازم لتنظيم حملات وبرامج توعوية في جميع أنحاء البلاد
تُشدِّد على خطورة استهداف فئة مُحدَّدة من فئات المجتمع، وتؤكد أهمية التكاتف
والتعاون بين كل الأمريكيين بغض النظر عن اختلاف دياناتهم وأعراقهم وألوانهم.