تفاصيل العالم الخاص لسوق السلاح فى مصر تحت إشراف وزارة الداخلية
شهدت الفترة الأخيرة جريمتين من أبشع الجرائم خاصة أن ضحاياهما طفلين تم اختطافهما على يد تشكيلات عصابية متخصصة في ارتكاب تلك الجرائم، حيث ضجت صفحات التواصل الاجتماعي بفيديو ظهر خلاله قيام شخصين ملثمين بالدخول إلى أحد المحلات بمحافظة الغربية واختطاف طفل وأمه تمسك به وتزحف أرضًا وكأنه مشهد من أفلام هوليود، مما أثار غضب الرأي العام، ورغم قسوة المشهد إلا أن رد أجهزة وزارة الداخلية جاء سريعًا وحاسمًا، وبصورة أثلجت صدور المصريين، الذين تعاطفوا معه واعتبروه ابنا لهم.
لكن لم يمر سوى بضعت أيام قليلة إلا وتكرر نفس السيناريو، حيث تبلغ لمركز شرطة ساحل سليم بمديرية أمن أسيوط من (نجار مُقيم بقرية الشامية بدائرة المركز) بأنه أثناء لهو نجله (طفل – 6سنوات) أمام منزله بذات الناحية فوجئ بقيام شخصان مجهولان يرتديان كمامات ويستقلان دراجة نارية سوداء اللون "لم يحدد رقمها" باختطاف نجله وهروبهما، وتوصلت الجهود إلى تحديد المتهمين ومكان إخفائهم للطفل بمنزل، بإحدى القرى بدائرة المركز وتبين أنهم (3 أشخاص – لاثنين منهم معلومات جنائية - مقيمين بدائرة المركز).
ونجحت الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية في التوصل للمتهمين بارتكاب الجريمتين السابقتين خلال 24 ساعة وضبطهم، وتحرير الطفلين وإعادتهما لأهليتهما سالمين غانمين، وذلك في خطوة تؤدي رسالة حاسمة من الشرطة المصرية على أنها قادرة على ردع كل من تسول له نفسه المساس بأمن وسلامة المواطنين، ولكن الغريب هو أن المتهمين في الواقعة الأخيرة (اثنين منهم لهما معلومات جنائية)، وهو الأمر الذي يقودنا للرجوع إلى الوقائع السابقة التي ضبطتها أجهزة وزارة الداخلية خلال الفترة الأخيرة، حيث تبين أن العديد من المتهمين المضبوطين في جرائم مثل: (سرقة وقتل وشروع في قتل وإتجار مخدرات وسلاح واختطاف.. وغيرها)؛ هم من (أرباب السوابق ومن لهم معلومات جنائية).
ليس مفاجئًا ما تكشفه السطور السابقة عن أن بعض من يخرج من المسجلين جنائيًا خارج السجون يذهب للبحث عن ارتكاب جريمة ليعود إلى السجن مرة أخرى، خاصة أن القانون وضع ليعاقب المجرم، إنما لا يستطيع منع الجريمة، لكن الغريب في هذا الأمر ويثير العديد من التساؤلات هو دور الرعاية اللاحقة لمتابعة سلوك المتهمين حتى لا يعودوا للجريمة مرة أخرى.
وفي هذا الصدد تفتح «النبأ» هذا الملف الشائك، وتطرح العديد من التساؤلات حول دور المراقبة الشرطية، والرعاية اللاحقة لمتابعة سلوك المتهمين للحد من عودة المجرمين لارتكابهم الجرائم؟!، خاصة أن المعروف عن المسجلين جنائيًا أنهم يعيشون داخل السجون أكثر من ما يعيشون خارجه، وأيضًا كيف لا تكون العقوبة رادعة لهم بقضاء عقوبة (السجن أو الحبس)؟!، وما هي الآلية أو الاستراتيجية لدور التأهيل ودمجهم في المجتمع؟!، وهو ما نناقشه مع خبراء في القانون، خاصة حول أسباب عودة المتهمين لارتكاب الجرائم مرة أخرى رغم قضائهم عقوبة السجن أو الحبس أكثر من مرة.
الرقابة الشرطية
«الرقابة الشرطية على المتهمين لا تتم إلا بمقتضى حكم قضائي، ويصدر الحكم القضائي على المتهم إما بالسجن أو بالحبس مع وضعه تحت المراقبة الشرطية لمدة تحددها المحكمة، وإن لم يكن هناك حكم تكميلي بالمراقبة فلا تستطيع الشرطة أن تقوم بعملها كمراقب لأي متهم»، بهذه الكلمات بدأ المستشار أشرف عمران خبير في القانون حديثه، حول دور المراقبة الشرطية.
ويضيف «عمران» لـ«النبأ» أنه إذا صدر حكم قضائي بوضع متهما ما تحت المراقبة هنا المباحث تحدد له أن يضع نفسه كل يوم تحت تصرف قسم الشرطة على حسب التوقيت المحدد مثال: (أن المتهم يسلم نفسه للقسم من الساعة الثامنة مساء حتى الساعة الثامنة صباحًا) مؤكدًا أنه في هذه الحالة الأجهزة الأمنية تستطيع رقابتها عليه والحد من ارتكابه لأي جريمة أخرى، أما إذا لم يصدر حكم قضائي بمراقبة شخص فلا عقوبة ولا جريمة إلا بنص قضائي، فلا تستطيع الشرطة أن تحتجز شخصًا ما عدد ساعات معينة بالليل أو بالنهار بقصد المراقبة وإلا يكون في ذلك اعتداء على الحرية الشخصية للمواطن.
ويكمل: «وفي حالة وجود حكم قضائي تقوم أجهزة الشرطة بعملها على أكمل وجه في المراقبة وتقوم بعمل كراسة للمتهم يسجل فيها يوميًا حضوره خلال المدة التي تحددها له المباحث وأيضًا انصرافه في الوقت المحدد له، لحين انتهاء مدة عقوبة المراقبة الشرطية، إنما عندما لا يوجد حكم فالمتهم يخرج عقب انتهاء مدة عقوبته على الجناية التي ارتكبها، ويكون حرا طليقًا وربما يعود إلى الجريمة مرة أخرى،أو بشكل آخر، فإن المجرمون هم مجرمون بالفطرة، اعتادوا الإجرام ولا توقفهم أحكام».
وحول رده على سؤال كيف لا تكون العقوبة رادعة لهم بقضاء عقوبة السجن أو الحبس وأين دور التأهيل ودمجهم في المجتمع؟!، يؤكد الخبير القانوني لـ«النبأ» أن معنى العقوبة في الحقيقة هو حجز المتهم عن المجتمع للتقليل من خطورته، وهذه هي فلسفة العقوبة، فالسجن ليس مقصودًا في ذاته للتعذيب إنما هو مقصود به إبعاد المتهم فترة معينة كي يقوم في فترة الحكم أو العقوبة بتهذيب ليخرج عضوا صالحا في المجتمع ولكن ليس كل المجرمين يخرجون أعضاء صالحين في المجتمع، فمنهم من يخرج أكثر إجرامًا ومنهم من هو معتاد الإجرام فلا يوقفه حكم بالحبس أو ما إلى ذلك وهذه مسألة تكون في تكوين المجرم نفسه قد لا يستطيع القانون ردعه وقد لا يستطيع السجن ردعة أو أي قوة لا تستطيع ردعه لأنه هو مجرم بفطرته.
ويكمل: «هنا تكمن أهمية فترة المراقبة اللاحقة بمعنى إن هؤلاء المجرمين على الشرطة دور مراقبتهم من بعيد تجعل عينيها عليهم في أماكنهم تمارس عليهم من آن إلى آخر سلطة أن يلتقوا بهم ويعرفوا ما هو نشاطهم إن لم يكن لهم نشاط معين بالإضافة إلى محاولة إيجاد نشاط معين يتكسبوا منه هو ما تستطيع الشرطة عمله في عدم وجود حكم بالمراقبة أما غير ذلك فهي لا تملك القبض على أي شخص إلا بحكم قضائي تنفذه».
وتطرق «عمران» في حديثه إلى أن القانون يفرض لتهذيب المتهمين وإعدادهم للاندماج في المجمع مرة أخرى لذلك درج القانون من عملية السجون مؤكدًا أن هناك سجون شديدة الإحكام، والحراسة، وهناك سجون مفتوحة، وهناك سجون التي يقضي بها المتهمون فترة قصيرة للقيام ببعض الأعمال وليس سجنا كاملا لكي يكون لهم دور في المجتمع عند الخروج، مؤكدًا أن التهذيب وإعداد وإدماج المتهمين في المجتمع مرة أخرى يحدث وموجود بالفعل حسب الحالة الإجرامية للمتهم ولكن هناك مجرمون لديهم عملية الإجرام كدمائهم لا يُصلح منهم السجن ولا ينفعهم التأهيل فهم مجرمون للخليقة.
ويكمل: «وهناك إجرام بالصدفة نشاهده خلال هذه الأيام، بأن يكون الشخص ليس مجرما ولا معتاد الإجرام ولكن يمكن أن يرى صبيًا معينًا بحوزته هاتف فيتولد لديه الإجرام في لحظة وضحاها بأن يخطر بذهنه سرقة الهاتف من هذا الصبي، أو يسرق قرط من أذن طفلة صغيرة طالما أنه وجدها بمفردها، فمن هنا يجب تكثيف الدوريات الشرطية في كل الأماكن بحيث أنها تكون بجوار أي مواطن يستنجد بها في لحظة ما عندما يكون هناك مجرما بالصدفة لا تتولد عنده الحالة الإجرامية إلا عندما يجد الفرصة مواتية، فهذا هو دور الشرطة الذي يجب أن تقوم به وأنها تحاول القيام بما تستطيع القيام به بأفرادها التي تقوم بتعيينهم في أوقات معينة من الليل لنجدة أي مواطن من ما يحدث له في مسألة إجرامية سواء بالليل أو بالنهار».
ويؤكد أن الإجرام أصبح أكثر من القائمين على مكافحة الجريمة لأن كل يوم والتاني تظهر حالات إجرامية جديدة، ونوع جديد من الإجرام، وكذلك المجرمين، فمنهم المجرمين بالصدفة، لكن القانون وضع ليعاقب المجرم، إنما لا يستطيع منع الجريمة فمنذ آلاف السنين والقوانين موجودة ولكن الإجرام يزداد، إذن فالقانون يعاقب على الجريمة ولكن المجرم يتطور من يوم لآخر والجريمة كذلك تتطور من يوم لآخر، لتسبق الملاحقة القضائية والقانونية.