رئيس التحرير
خالد مهران

مواكب المتاريس

عمرو الشوبكي
عمرو الشوبكي


دعا تجمع المهنيين السودانيين، (أحد الفصائل الرئيسية فى ثورة ديسمبر وقوى الحرية والتغيير)، إلى عصيان مدنى تحت اسم «مواكب المتاريس»، وأعلن رفضه «انقلاب ٢٥ أكتوبر الماضى»، وأى تسوية سياسية مع قادة المجلس العسكرى، وأعلن التزامه بالعصيان المدنى والتعبئة لمليونية يوم 13 نوفمبر الجارى، حتى «إسقاط الانقلاب العسكرى ومحاكمة قادته، وتسليم السلطة كاملة إلى قوى الثورة المدنية».

واللافت أن تجمع المهنيين السودانيين أصدر قبل هذه الدعوة «مقترح الإعلان السياسى»، وقال بعدها إنه غير قابل للتفاوض، وطالب فيه باختيار شخصية وطنية مستقلة لرئاسة الوزراء من قِبَل القوى المُوقِّعة على الإعلان السياسى وميثاق استكمال ثورة ديسمبر (أى لون سياسى واحد)، تفوض لاختيار مجلس وزراء لا يتجاوز العشرين عضوًا من كفاءات ذات موقف سياسى متسق مع ثورة ديسمبر وأهداف التغيير الجذرى، دون محاصصة حزبية، واختيار مجلس سيادى مدنى مصغر لا يتجاوز خمسة أعضاء بصلاحيات تشريفية.



والسؤال هنا: ألا يوجد تيار واسع من السودانيين لا ينتمى إلى مدارس «التغيير الجذرى» والثورى ولم يكن جزءًا من النظام القديم، ويرفض استبعاد الجيش من المشهد السياسى فى الفترة الانتقالية؟ وهل هم مواطنون سودانيون كاملو الأهلية أم لا؟ الحقيقة أن هؤلاء يمثلون جانبًا رئيسيًّا من الشعب، والمطلوب التفاوض مع مَن يمثلهم لإخراج البلاد مما هى فيه من أزمات «وجودية» تمهيدًا لإنهاء المرحلة الانتقالية وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.

صحيح أن «مواكب المتاريس» ودعوات العصيان المدنى تمثل ورقة ضغط فى يد تيار واسع من المكون المدنى، ولكنها لا يمكن بمفردها أن تحقق أيًّا من أهداف الثورة السودانية دون بناء مؤسسات سياسية بديلة ملهمة للمؤيدين ودون تهديد ووعيد المعارضين.



وقد طالب التجمع فى مقترحه بحل «ميليشيا الدعم السريع» وغيرها من الميليشيات والحركات المسلحة، ودعا إلى إعادة هيكلة القوات المسلحة عبر تغيير عقيدتها لتتماشى مع دورها فى حماية الوطن والدستور، مُشدِّدًا على أن رئيس الوزراء يجب أن يكون هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.

والحقيقة أن هذه وصفة «غير سحرية» لإفشال المرحلة الانتقالية والقضاء على أى مكاسب حققتها الثورة السودانية على طريق بناء دولة مدنية ديمقراطية لأنها من ناحية تنسف الأساس الذى قامت عليه كل تجارب التغيير الناجحة فى العالم، بما فيها الثورة السودانية، وهى التفاوض مع الخصوم قبل الحلفاء، كما أن إعادة الهيكلة وإصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية هى مهمة تاريخية تقوم بها سلطة منتخبة، وبإجراءات علمية تدريجية يتوافق عليها العاملون فى داخل هذه المؤسسات وخارجها على السواء، وليس تنظيمًا أو تجمعًا ثوريًّا لديه حاضنة شعبية فى مقابل الجيش وقوى أخرى من الحرية والتغيير (الميثاق الوطنى) لديها أيضًا حاضنة مقابلة من قوى محافظة وتقليدية.

مواكب المتاريس ورقة ضغط مهمة فى يد قوى التغيير فى السودان، ولكنها لا يمكن أن تبنى وطنًا أو تصنع بديلًا للوضع القائم.

[email protected]

نقلا عن "المصري اليوم"