الدبيبة وباشاغا يدخلان ليبيا «نفق مظلم جديد»
بعد أن اختار مجلس النواب الليبي بالإجماع، وزير الداخلية السابق، فتحي باشاغا، رئيسا للحكومة خلفا لحكومة رئيس الوزراء الحالي عبد الحميد الدبيبة، رفض الدبيبة التنحي عن منصبه، وأكد تمسكه بمنصبه، وأنه لن يقوم بتسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة، مما يفتح الباب واسعا لدخول المشهد الليبي نفق مظلم جديد.
الدبيبة محذرا: فرض القرارات "بالمغالبة والتزوير" هو ما أدى في السابق لجر ليبيا إلى الحروب والاقتتال
دعا رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة مناصريه للتظاهر يوم السابع عشر من الشهر الجاري لإسقاط مجلس النواب وذلك على خلفية تكليف فتحي باشاغا رئيسا للحكومة الجديدة.
وأكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة إنه سيواصل عمله وفقا لخارطة الطريق المعتمدة من ملتقى الحوار، مشيرا إلى أن محاولة اغتياله لم تكن عملية مخططا لها بشكل جيد.
وأضاف الدبيبة في تصريحات لقناة "ليبيا الأحرار" أن محاولة اغتياله نفذها شخصان مأجوران طلب منهما تنفيذ العملية والمغادرة بسرعة.
وفيما يتعلق باختيار مجلس النواب الليبي لرئيس حكومة جديد، أوضح الدبيبة أن هذا الأمر محاولة لدخول العاصمة طرابلس بالقوة، وأن البرلمان الليبي "خرج عن خارطة طريق اتفاق جنيف".
ووصف الدبيبة رئيس الحكومة الجديد فتحي باشاغا، بأنه شخص سياسي ويملك الحق في التحرك سياسيا كما يريد.
وتابع قائلا: "رفضت سابقا ولا زلت أرفض جر الليبيين نحو حرب جديدة.. أهل طرابلس سيدافعون عن أنفسهم".
وقال رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة اليوم السبت، إنه "لا وجود" لليبيا دون مصالحة حقيقية بين الليبيين.
وأضاف الدبيبة في كلمة بثتها منصة "حكومتنا" الرسمية على "فيسبوك"، أن الحكومة والمجلس الرئاسي يدعمان ملف المصالحة في ليبيا، لافتًا إلى بذل كل الجهود لتحقيق ذلك.
وانتقد الدبيبة قرارات مجلس النواب الأخيرة، إذ قال إن ما يحدث تحت قبة البرلمان الليبي "عبث يشوبه التزوير والتدليس". وحذّر من أن فرض القرارات "بالمغالبة والتزوير" هو ما أدى في السابق لجر ليبيا إلى الحروب والاقتتال.
وأضاف: "إذا كنتم تريدون تشريعات وقوانين تدعم المصالحة فالحل في الانتخابات السريعة، ولا للتمديد". كما دعا رئيس حكومة الوحدة الليبيين للتظاهر في كل الميادين يوم 17 فبراير للمطالبة بالانتخابات ورفض التمديد. وقال الدبيبة إنه سيعلن في 17 فبراير عن خطة لإجراء العملية الانتخابية في ليبيا.
كما حدد رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة، 17 فبراير موعدا للإعلان عن خطة سياسية تحت عنوان (عودة الأمانة للشعب) بشأن الانتخابات التشريعية والاستفتاء على الدستور.
وأشار الدبيبة إلى أنه بالإمكان أن "تجري الانتخابات التشريعية والاستفتاء على الدستور في تاريخ واحد"، وجاء ذلك بعد 48 ساعة من قرار البرلمان تكليف وزير الداخلية الأسبق، فتحي باشاغا، بتشكيل حكومة جديدة.
تساؤلات كثيرة برزت حول الوجهة التي تسير إليها ليبيا بعد أن وجدت نفسها مع رئيسين للوزراء
قال الصحفي المتخصص في الشأن الليبي أحمد عرابي إن تكليف فتحي باشاغا رئيسا للحكومة الليبية الجديدة يطرح التساؤلات حول عودة البلاد لعدم الاستقرار السياسي وقد يطيل الفترة الانتقالية.
وأضاف عرابي أن "تساؤلات كثيرة برزت حول الوجهة التي تسير إليها ليبيا، بعد أن وجدت نفسها، أمس مع رئيسين للوزراء عقب منح ثقة مثير للجدل في مجلس النواب الليبي، أدى إلى خلط أوراق السلطة من جديد، ويبدو أنه فتح الباب مجددا لإطالة أمد الانتقال السياسي في المستقبل".
وقال: "في إطار هذه العملية السياسية عُين عبد الحميد الدبيبة قبل عام، على رأس حكومة انتقالية جديدة مهمتها توحيد المؤسسات وقيادة البلاد إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كان مقررا إجراؤها في 24 من شهر ديسمبر من العام الماضي، ولكن باءت جميع الفرص المؤدية للانتخابات بالفشل ما أدى لمنح ثقة البرلمان لفتحي باشاغا وهو صاحب الوزن الثقيل في السياسة المحلية، ويتمتع بدعم البرلمان وكذلك القيادة العامة للقوات المسلحة بقيادة المشير خليفة حفتر".
وتابع: "الدبيبة وباشاغا الاثنين من مدينة مصراتة ويحظيان بدعم جماعات مسلحة في طرابلس لا تزال مؤثرة للغاية في الغرب الليبي وأجزاء من وسط ليبيا، ولكنها عادة ما تعرف بتغير ولاءاتها بسرعة لحسب المصلحة".
وأضاف: "لكن تأثير باشاغا عسكريا أكثر في الغرب الليبي وهذا ما يؤهله للنجاح في المعركة السياسية القادمة في حال سلم الدبيبة السلطة له، وهذا ما أعلنه رئيس الحكومة الليبية المكلف فتحي باشاغا في أول تصريح له عقب اختياره رئيسا للحكومة بأنه سيشكل حكومة وحدة وطنية شاملة، مؤكدا أنه سيتعاون مع مجلسي النواب والدولة ومتعهدا بحكومة تسعى للانتخابات وتنشر السلام في كامل ربوع ليبيا".
كل السيناريوهات مفتوحة في المشهد الليبي ولا يمكن الجزم بحدوث سيناريو معين
أما الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة فيرى أن كل السيناريوهات مفتوحة، ولا يمكن الجزم بحدوث سيناريو معين.
وأضاف في تصريحات لـ «المصري اليوم» أنه يوجد سيناريو تفاؤلي يرى أنه حين يتولى باشاغا ستكون مرحلة جديدة في ليبيا، كونه شخصية أمنية وله علاقات جيدة بين الاطراف الاقليمية مما يكسبه قدرة على فرض استقرار، لكن أستاذ العلوم السياسية قال أن هذا السيناريو لا تتوفر فيه الشروط لتحقيقه.
أما السيناريو الثاني فهو سيناريو تشاؤمي يرى أنه سيكون هناك حكومتان في ليبيا، وهو خطوة وصفها فهمي بأنها «عودة لمربع صفر» كونها اعادة لما حدث من قبل من ثنائية «سراج وحفتر» ليكون اليوم «الدبيبة- باشاغا».
ولفت فهمي أنه من سيرجح أحد السيناريوهات هي الأطراف الإقليمية الفاعلة مثل مصر وتركيا.
وحذر فهمي من خطوة انزلاق ليبيا نحو العنف مجددًا، لافتًا إلى إمكانية أن تتحرك عدد من الجماعات الفاعلة في غرب ليبيا لتأكيد حضورها في المشهد.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن باشاغا يبدو اختيار موفق شكليًا كونه رجل أمن ولديه علاقات يستطيع أن يحسم كثير من الأمور»، وأردف فهمي: «لكنه في مواجهة أسرة الدبيبة وهي عائلة كبيرة كما أن عبدالحميد الدبيبة بالتزامن مع تصريحه برفض تسليم السلطة بدأ يصنع تربيطات قبلية وعشائرية مما يدل أنه سيرتب لخيارات أخرى».
وأكد فهمي أن هناك تربيطات بين الشخصيات المؤثرة في ليبيا ولكن القضية ليست في تسمية رئيس الحكومة أنما في الاستحقاق السياسي المفترض، قائلًا «نحن أمام مأزق كبير، لبناء العملية السياسية لاستكمال المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية».
ولفت فهمي أن الأمم المتحدة بدأت تنسحب من المشهد، بالتزامن مع فشل ستيفاني ويليامز المبعوثة الأممية في تحديد موعد للانتخابات العامة الليبية.
وأشار فهمي إلى أن فرنسا تدفع لمبادرة جديدة تستند إلى توافقات مصرية تركية روسية جزائرية، للدفع نحو إجراء الاستحقاق السياسي.
التعاون بين الجيش الوطني الليبي وباشاغا سيوحد المؤسسات العسكرية والأمنية بالدعم المتبادل بينه وبين المشير حفتر
ويتفق معه في الرأي العميد سمير راغب، مدير المؤسسة العربية للدراسات الإستراتيجية إذ يرى أن المشهد الليبي يؤول نحو مزيد من الانقسام، مشيرًا إلى أن هناك جزء من المجتمع الدولي لا يزال يتعامل مع الدبيبة كونه رئيس الحكومة، كما أن «المجلس الرئاسي لم يقل كلمته وهي مؤسسة لا تقل أهمية عن مجلس النواب ومجلس الدولة» على حد وصفه.
وأضاف في تصريحات لـ «المصري اليوم» أن خطوات التقارب بين حفتر وباشاغا بدأت حين استقبل المشير خليفة حفتر مرشحي الرئاسة في الرجمة في الشرق ومن بينهم فتحي باشاغا، وكانت تلك خطوة «إعادة تموضع» للتقارب بين المرشحين الرئاسيين، وكان من الواضح أن حفتر وباشاغا في معسكر مضاد للدبيبة.
وحول فرص الأمن في ليبيا في ظل توافق حفتر وباشاغا، قال راغب: «لا شك أن باشاغا رجل قوي، وشغل منصب وزارة الداخلية من قبل وله ميليشيات لكنه ضد فكرة فوضى الميليشيات».
وأضاف: «إن التعاون بين الجيش الوطني الليبي وباشاغا سيوحد المؤسسات العسكرية والأمنية بالدعم المتبادل بينه وبين المشير حفتر».
لن يمكننا الحديث عن ترتيبات سياسية جديدة يجري اعتمادها في ليبيا إلا بعد التوافق على وضع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا
من جانبه يرى كامل عبد الله، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية أن التوافق الأخير بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة تم في ظل غياب الشريك الرئيسي في العملية وهو الجانب الأممي، مضيفًا أن هذا الشريك لم تتضح مواقفة بعد.
وأضاف عبد الله في تصريحات لـ «المصري اليوم»: «لن يمكننا الحديث عن ترتيبات سياسية جديدة يجري اعتمادها في ليبيا إلا بعد التوافق على وضع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا»، الأمر الذي سيجري نهاية شهر إبريل المقبل.
ولفت الباحث بمركز الأهرام إلى أن هذه البعثة تعتبر «معطلة» بسبب غياب رئيس للبعثة بسبب عدم التوافق بين روسيا والولايات المتحدة حول رئيس البعثة، وأشار الباحث في مركز الأهرام أن أغلب القوى الدولية مواقفها غير واضحة بشأن تعيين باشاغا.
وأوضح «عبد الله» سبب رفض الأمم المتحدة لخطوة تعيين باشاغا قائلًا: «موقف الأمم المتحدة ينطلق أنه لا يجري أي ترتيبات أخرى إلا بعد الانتخابات، في المقابل بإن الأطراف الليبية مختلفة حول كيفية إجراء الانتخابات، فيما تتمسك الأمم المتحدة بضرورة وجود مؤسسات منتخبة في ليبيا».
ولفت الباحث في مركز الأهرام أنه تم اختيار باشاغا ليكون رئيس للحكومة للتعويل على قدراته لتوحيد الغرب.