القصة الكاملة لـ«مُسنٍ» تخلص من حياته «حرقا» في منطقة المعادي
شهدت منطقة المعادي جنوبي القاهرة واقعة انتحار مسن بالمعادي حرقًا عقب إشعال النيران في نفسه داخل شقته، وتم نقل الجثة إلى مشرحة المستشفى تحت تصرف النيابة العامة والتصريح بدفنها عقب ذلك.
التحريات تكشف سبب انتحار مسنا بالمعادي
البداية عندما تلقى اللواء نبيل سليم مدير مباحث العاصمة إخطارًا من المقدم إسلام بكر رئيس وحدة مباحث قسم شرطة المعادي بمديرية أمن القاهرة، بلاغًا من الأهالي يفيد بانتحار مسن بالمعادي حرقا داخل شقته بمنطقة المعادي بدائرة القسم.
انتقل المقدم إسلام بكر رئيس وحدة مباحث قسم شرطة المعادي والرائد محمد حسام معاون القسم وباقي القوة المرافقة إلى مكان البلاغ وتبين من خلال المعاينة والفحص العثور على جثة مسن يدعى «جمال الدين. م. ا»، 65 سنة، وبمناظرة الجثة تبين وجودها في حالة «تفحم».
وكشفت التحريات التي تمت بمعرفة وحدة مباحث قسم شرطة المعادي، عن أن المذكور كان يقيم بمفرده داخل الشقة سكنه، وقرر التخلص من حياته حرقا بسبب إصابته بأزمة نفسية سيئة، تبين قيام المذكور بإشعال النيران في نفسة، وتوفي في الحال، وتم إخطار النيابة العامة لمعاينة الواقعة.
وانتقلت النيابة العامة لمعاينة مسرح الواقعة وأمرت بنقل الجثة إلى مشرحة زينهم تحت تصرفها، وكلفت إدارة البحث الجنائي بسرعة تحرياتها حول الواقعة وكشف ملابساتها وعرضها على النيابة العامة، كا أمرت بانتداب الطب الشرعي لتوةقيع الكشف الطبي على الجثة وإعداد تقرير مفصل حول الوفاة وأسبابها.
وتحرر عن ذلك المحضر اللازم بالواقعة وتولت النيابة العامة التحقيقات، والتي طلبت استدعاء أسرة المتوفى، للاستماع إلى أقوالهم في الواقعة، وصرحت بدفن جثة المسن عقب ذلك.
الانتحار من أكبر الكبائر ولا يوجد سبب يبرره
ويعد الانتحار سلوكًا مرفوضًا مجتمعيًا، وهو محرم دينيًا، حيث تأمر جميع الأديان بالحفاظ على النفس البشرية.
وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن الإسلام يأمر بالحفاظ على النفس البشرية، بل جعلها من الضروريات الخمس التي يجب رعايتها، وهي: «الدِّين والنَّفس والنَّسل والمال والعقل».
وأشار مركز الأزهر في بيان له إلى قول الشاطبي: «فقد اتفقت الأمة -بل سائر الملل- على أنَّ الشَّريعة وُضعت للمحافظة على الضروريات الخمس، وهي: الدِّين، والنَّفس، والنَّسل، والمال، والعقل، وعلمها عند الأمة كالضروري، ولم يثبت لنا ذلك بدليلٍ معين، ولا شهد لنا أصل معين يمتاز برجوعها إليه، بل عُلمت ملاءمتها للشريعة بمجموع أدلةٍ لا تنحصر في باب واحد، ولو استندت إلى شيء معين لوجب عادة تعيينه».
وأكد أن الإسلام بذل الوسع في حفظ النفس مطلوب، ولو وصل الأمر في حالة الاضطرار إلى مواقعة محرم ليبقي على نفسه، ويحفظها من الهلاك، مضيفا أنه من العجيب أن يصل الحال بإنسان أن ينهى حياته بيده، وكأنها ملك خالص له، وكأن الموت سينهي معاناته ويريحه من كل مشاكله، ولا يخفى على ذي عقل أن هذا الظن خاطئ بيِّن الخطأ، فالله سبحانه وتعالى خلقنا واستعمرنا في الأرض، وأعلمنا أن الدنيا دار عناء وابتلاء، وقال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ، وقال عز من قائل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
وأوضح أن المؤمن يعلم هذه الحقيقة، ولذلك يستقبل المصائب بالصبر والاحتساب، وقد ساق الحق سبحانه وتعالى البشرى لمن صبر على البلاء ولم يجزع، قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، وفي صحيح مسلم عن صهيب -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرًا له".
كما أكد أن المقدِم على هذه الجريمة ظالم لنفسه، مهما حاول أن يلقي باللائمة على الظروف المعيشية والحياتية فهذا ليس مبررًا للانتحار، مشددًا أن قتل النفس من أكبر الكبائر فهي إزهاق للروح التي حباك الله إياها، وعدم صبر على اختبار الله سبحانه وتعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، واستعجال ما قُدر، ولذلك توعد الله سبحانه وتعالى المنتحر بالعقاب الأليم، قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع، فأخذ سكينا فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة".
واستطرد: وقد لا تنجيك أعمالك الصالحة في الدنيا حال ارتكابك لهذه الجريمة الشنعاء من العقاب – (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) [هود: 119]-، ولنا في هذه القصة العبرة والشاهد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: «هذا من أهل النار»، فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالًا شديدًا فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، الذي قلت له إنه من أهل النار، فإنه قد قاتل اليوم قتالًا شديدًا وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إلى النار»، قال: فكاد بعض الناس أن يرتاب، فبينما هم على ذلك، إذ قيل: إنه لم يمت، ولكن به جراح شديد، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله»، ثم أمر بلالا فنادى بالناس: «إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر».
وختامًا: أكد المركز أن المسلم مبتلى، والمؤمن الصادق يعلم أن هذه الدار ليست دار راحة، بل هي دار عناء وتعب، ومواجهة هذه المتاعب لا بد لها من إيمان ويقين، كما قال تعالى (وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ).