رئيس التحرير
خالد مهران

دوامة «التعليم» الجديدة للتلاميذ وأولياء أمورهم..

قصة تدريس «البورصة» فى مقررات الصفين الخامس والسادس الابتدائي

طلاب المدارس
طلاب المدارس

«قررت اتخاذ عدة إجراءات لتوعية طلاب المدارس بعمليات البورصة والاستثمار»، هكذا أعلن وزير التربية والتعليم، عن تدريس البورصة والاستثمار لتلاميذ الصفين الخامس والسادس الابتدائي، الأمر الذي أثار غضب بعض أولياء الأمور، وسخرية البعض الآخر، فضلًا عن استنكار الكثير من المختصون والتربويون، باعتبار أنها لا تتناسب مع قدرات الطلاب في تلك المرحلة العمرية، في حين تأييد البعض من أهل الاقتصاد لقرار الوزير.

ورغم مرور أكثر من أسبوع على قرار وزير التعليم، إلا إنه ما زال القرار يشغل تفكير السواد الأعظم من أولياء الأمور، مُطالبين بإعادة النظر فيه، متسائلين عن تأثيره على أطفالهم؟ وهل سيعانون المعاناة نفسها التي عاشوها مع تطوير مناهج الصف الرابع الابتدائي؟ وهل قرار تدريس البورصة والاستثمار لتلاميذ الصفين الخامس والسادس الابتدائي، مُجد ومناسب علميًا وتربويًا؟

قصص ودروس

ستتم إتاحة دروس وقصص بالمناهج حول الاستثمار والبورصة، وتحويلها إلى فيديوهات تُعرض عبر قناة «مدرستنا»، كما سيتم توفيرها بطريقة «برايل»، باعتبار أن القصص من أكثر الطرق التعليمية جذبًا، ومن المُقرر البناء على جهود البورصة لتوسيع انتشارها، وفقًا لوزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي، خلال مشاركته في افتتاح جلسة البورصة المصرية، 30 يناير الماضي.

«شوقي» اعتبر أن تدشين مجموعة قصصية لتعريف وتوعية الأطفال، وإطلاق كتاب تعريفي بطريق «برايل» لرفع مستويات ذوي الهمم، خطوة غير مسبوقة، مُعلنًا أن فرق عمل متخصصة بالوزارة ستتولى أمر مراجعة وضبط صياغة ولغة السلسلة التعليمية تمهيدًا لإضافتها لمناهج الأعوام الدراسية الصف الخامس والسادس الابتدائي لرفع مستويات توعية الطلاب.

وزير التربية التعليم

معاناة وسخرية

«حرام والله بجد، ما لحقناش نخلص من تطوير مناهج رابعة ابتدائي علشان يدخلنا في البورصة والاستثمار»، بهذه الكلمات عبرت حُسنى حمدي، ولية أمر، عن استيائها من قرار الوزير.

«تخيل تدخل العيال الصغيرة في دوامة من السنة اللي فاتت بحجة تطوير مناهج رابعة ابتدائي، وتعيشهم معاناة، هم وأولياء أمورهم، لا ومش مكفيهم عايزين يدرسوا لهم البورصة كمان، ما فيش حد مختص يقولهم الكلام دا غلط!»، هكذا اختتمت حُسنى حديثها، متسائلة، أين خبراء التعليم والمناهج  من هذه القرارات؟

 لم تجد نادية محمد (اسم مستعار)، مخرجا من مأزق تطوير التعليم الجديد سوى السخرية –حسب وصفها- قائلة: «أيوة صحيح لازم يدرسوا بورصة وأنا عمال أقول إيه ناقص في المناهج!، لو حاولنا التعامل بجدية مع القرارات دي هنتجنن».

«الدفعة دي شافت بلاوي بدأت بوباء وتطوير مناهج رابعة ابتدائي وبورصة واستثمار، ربنا يسترها، يا ترى هتنتهي معاهم بإيه!»، بتلك الطريقة اعتبرت أسماء محمد، أن ما يحدث مع تلاميذ المرحلة الابتدائية بدعوى تطوير التعليم أمور تفوق قدراتهم العقلية المحدودة وفقًا للفئة العمرية التي ينتمون إليها.

فئران تجارب

وتنتقد «أسماء»، اتخاذ قرارات دون الالتفات إلى أهل الاختصاص، الذين لطالما اعترضوا على الكثير من القرارات التي تتخذها الوزارة بدعوى تطوير التعليم، قائلة: «أرجو من وزير التعليم يستعين بآراء التربويين  قبل ما ياخد قرارات؛ لأنه بيرجع فيه بعد ما الدنيا تكون باظت».

وترى آيات مجاهد أنه بهذه الاستراتيجية التي تعمل بها الوزارة، أنه لن يتمكن الطلاب من تجاوز الصف الدراسي الرابع حتى للصعود إلى الصفين الخامس والسادس، بل تعتقد أن الدفعة الحالية من المرحلة الابتدائية، ما هم إلا فئران تجارب منذ السنة الأولى من التحاقهم بالتعليم،  قائلة: «مش لو طلعوا من سنة رابعة الأول!، هي الدفعة دي من أولى ابتدائي لحد مايوصلوا سادسة هيفضلوا فيران تجارب».

والتقطت زهرة محمد، ولية أمر، أطراف الحديث قائلة: «بورصة إيه، دي العيال أول ما خلصت التيرم الأول عملوا الكتب فوانيس»، في إشارة منها إلى الاستهانة بالتعليم بعد عمليات التطوير المزعومة، وتصف ما وصل إليه حال الأطفال في التعامل مع الدراسة: «من ساعة ما الوزير بدأ التطوير والتعليم ما بقاش له أي قيمة والعيال كل همها تمتحن وتنجح وخلاص ومش فارق معاهم تحصيل دراسي من الأساس».

أمر إيجابي

رغم اعتراض معظم أولياء أولياء الأمور على قرار الوزير، إلا أن هناك من يرى أن القرار صائب، وسيكون ذا جدوى ونفع كبيرين.

«دى أولى خطوات ربط العلم بالاقتصاد والحياة المعيشية والواقع»، بخلاف المعترضين من أولياء الأمور، وصف حاتم محمود (ولي أمر)، القرار بالجيد، وقال إنه ينتظر قرارات أخرى مشابهة من شأنها تحسين جودة التعليم الحالي.

ويرى محمد مهدي، الذي يعمل في مجال الاستثمار في البورصة والعملات الإلكترونية، أن قرار وزير التعليم بتدريس منهج بسيط عن البورصة لطلاب الصفين الخامس والسادس الابتدائي أمر إيجابي، ويزيد من ثقافة الجيل القادم في هذا المجال، مُضيفًا أنه سيمكنهم من التخلص من الوقوع في أفخاخ الشركات والإعلانات التي تُشجع على الاستثمار في كل الأسواق والبورصات، دون ثقافة كافية عنها، لا سيما وأن هذه الأسواق صعبة ولا تصلح للجميع.

ثقافة متميزة

«الأطفال في سن 10 و11 سنة مش صغيرين، وقادرين يفهموا ويستوعبوا»، هكذا اعتبرت ليلى محمد (ولية أمر)، أن تلاميذ الصفين الخامس والسادس الابتدائي قادرين على استيعاب أكبر قدر من المعلومات، إلا أن المُشكلة تتمثل في المناهج الدراسية المشوهة والمعقدة –حسب وصفها- والتي من شأنها أن تؤثر بالسلب على الطلاب «أنا مش ضد القرار، بس المشكلة لو اتنفذ زي ما اتنفذ غيره قبل كدا، وعملوا مناهج مشوهة والنتيجة أطفال مساكين ضحايا ما تعانيه المنظومة التعليمية».

«اعتقد إنها هتكون متميزة ونوع ثقافة يخاطب العقل والتفكير»، بهذه الكلمات أيدت، إلهام شُكري (ولية أمر)، قرار الوزير، مؤكدة أن المشكلة ليست في التطوير في حد ذاته إنما اتخاذ قرارات دون دون وجود نظام أو استراتيجية لتطبيقها ومتابعة تنفيذها، متابعة: «المشكلة الحقيقية أن القرارات تنزل من غير تنفيذ أو متابعة، على سبيل المثال مادة التكنولوجيا والمعلومات نزلت السنة دي والأولاد ما استفادوش منها حاجة للأسف».

الدكتور وائل كامل

قرار عشوائي

«تدريس البورصة لطلاب الصفين الخامس والسادس الابتدائي، قرار عشوائي وغير مدروس وغير تربوي»، هكذا بدأ عضو هيئة التدريس بجامعة حلوان، الدكتور وائل كامل، حديثه مع «النبأ الوطني».

وبحسب «كامل»: «لا علاقة لتدريس البورصة والاستثمار لطلاب المرحلة الابتدائية، في أي دلوة من دول العالم، بأهداف العملية التعليمية لتلك المرحلة، وتطوير التعليم لا يُعني مُطلقًا زيادة حشوه ورفع درجة صعوبته، وتعقيد الطلاب بمناهج لا تتوافق مع قدرات المرحلة العمرية التي ينتمون إليها».

ويوضح وائل كامل، أن توفير الحد من التعليم المرن غير المعقد، أحد أهم أهداف المرحلة الابتدائية؛ ليعمل على ليعمل على تحقيق النمو المتكامل للطفل في جميع جوانب شخصيته وتزويده بأساسيات المعارف والمهارات والخبرات الاجتماعية والسلوكيات السليمة من خلال ممارسة الأنشطة المحببة إليهم؛ ليزداد شغفهم بالتعليم.

البرمجة أهَّم

«للأسف ما يحدث بالمرحلة الابتدائية الآن يُكَّرِه التلاميذ في الدراسة، ويصيب أولياء الأمور بضغوطات وهموم لا قِبل لهم بها»، كان ذلك وصف أستاذ التربية الموسيقية بجامعة حلوان، وائل كامل، لتأثير قرارات تطوير التعليم على الطلاب وأولياء أمورهم، مؤكدًا أن السبب الرئيسي لما آل إليه الوضع من سوء يرجع إلى سوء التخطيط وعشوائية التنفيذ.

ويرى «كامل» أنه من المفترض الاهتمام الآن بتطوير مناهج علوم الحاسوب وأساسيات البرمجة؛ لأنها المستقبل الحقيقي وليس البحث عن موضوعات هامشية كالبورصة، التي لا تهم غالبية الشعب، متابعًا: «مش أي موضوع أنام أحلم أصحى أفرضه على الناس وانفرد بالرأي».

الدكتور جيهان مديح

خطوة جيدة

واختلفت جيهان مديح خبيرة أسواق المال، ورئيسة حزب مصر أكتوبر، مع المعارضين لقرار الوزير قائلة: «من الصغر يكون النقش على الحجر»، مضيفةً أنه سيجعل أولادنا فكريًا ومعرفيًا ومهاريًا، أسوياء وأصحاب مسؤولية وعلى مستوى كبير من الوعي والفهم، ويستطيع كل منهم بناء ذاته منذ صغره.


واختتمت «مديح» تصريحاتها، بأنه يُفضل إقامة ورش عمل ونظام محاكاة بالمدارس لكيفية الاستثمار والتسويق، وستكون خطوة جدية نحو الدخول إلى عوالم جديدة، لا سيما وأن بناء الطفل  هو الأمل الذي نتمناه.