مطالب بإجلاء الطلاب المصريين من أوكرانيا..
روسيا أوكرانيا.. ما مصير الطلاب المصريين في أوكرانيا بعد العملية العسكرية الروسية؟
أجواء مرعبة كر وفر، وأصوات قصف وانفجارات، مشهد تقشعر له الأبدان، لم تشهده مروة محمود، منذ أن التحقت بأحد الجامعات الأوكرانية لدراسة الصيدلة قبل عدة أعوام، لم يخطر ببالها ولو للحظة واحدة أن تتحول مدن أوكرانيا الشرقية من جنة الله على الأرض إلى جحيم يحرق كل من بداخله بل ومن اقترب منه، بفضل العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، التي استيقظ عليها العالم، فجر اليوم.
العملية العسكرية التي أرعبت الحجر والشجر قبل البشر، قالت روسيا، إنها دفاعًا عن الانفصاليين المواليين لها في شرق أوكرانيا.
وسط أصوات دوي الانفجارات في العاصمة كييف، والمدن الواقعة على امتداد سواحل البلاد، عاش أهاليها حالة من الرعب، لم يكن الطلاب المصريون في أوكرانيا بمنأى عنها.
حاولت مروة وزملائها المصريون المقيمين في مدن شرق أوكرانيا الفرار منها، أثناء تصاعد التهديد الروسي بقصف أوكرانيا، خلال الأيام الماضية، ولكن لم يُسعفهم القدر، وكانت معظم مُدن شرق أوكرانيا أغلقت أبوابها، فلن يستطيع أحد الدخول إليها أو الخروج منها.
فاستيقظت مروة وزملائها وجميع أهالي مُدن الشرق في أوكرانيا، مع أضواء الفجر، على أصوات القصف والانفجارات، "الحرب شغالة بالفعل وابتدت واحنا سامعين القصف بنفسنا احنا الطلاب المصريين في أوكرانيا، وصلوا صوتنا واتكلموا عنا علشان حد يسمعنا".
لم يكن مُقدر لمروة وزملائها الفرار قبل –وقوع الفاس في الراس- مثلما فعل العشرات من زملائهم من أصل 5 آلاف طالب مصري تقريبًا في العاصمة الأوكرانية كييف وحدها، بخلاف آلاف آخرين في مُدن مختلفة، "فيه ناس ربنا كرمها ونزلت مصر قبل ما الحرب تبدأ، لكن للأسف احنا ما عرفناش، بسبب توقف حركة الطيران".
تقول مروة معظم سفارات الدول سحبت رعاياها، ونحن مازلنا عالقين هنا، يمتلكنا الرعب والخوف، ولم يتحدث عنا أي مسؤول في مصر، لأن صوتنا غير مسموع، رغم أن أعدادنا كبيرة، "احنا خايفين وما حدش بيتكلم عنا في مصر، علشان صوتنا مش واصل، احنا كتير والله".
يتمركز معظم الطلاب المصريون في مدينة خاركيف، باعتبارها المدينة التي تجمع أكبر عدد جامعات معتمدة من قِبل المجلس الأعلى للجامعات المصري، وهي المدينة ذاتها التي كان لها نصيب الأسد من القصف، والرعب الذي شهده سكانها، بعد رؤية الدبابات والمدرعات تجوب كل شوارعها "احنا عايشين في رعب، وكل يوم شايفين الدبابات والمدرعات ماشية في كل حتة، وفي لحظة هنسمع ضرب النار فوق راسنا واحنا قاعدين".
شهدت مروة مشاهد لم تراها إلا في السينما والدراما التي تناقش الحروب، فبعض المتاجر باتت خاوية على عروشها، وأخرى اكتظت بالبشر، واصطف أمامها طوابير من البشر، يأمل كلًا منهم الحصول على يسد رمقه وذويه، ولم يجد الناس ملاذًا آمنًا سوى محطات المترو وبعض المخابئ تحت الأرض، علها تحميهم من هول الحرب، التي لا ناقة للشعب فيها ولا جمل: "الناس هنا عايشة في رعب، والشبكات بدأت تضعف، دا غير إن الأكل والمياه اللي معانا خلصوا، وحتى مش عارفين نسحب فلوس من أي بنك".
أُغلقت جميع الأبواب في وجه مروة وزملائها، الذين كان مُقدر لهم السجن داخل جحيم الحرب، ولم يجدوا أمامهم سوى مواقع التواصل الاجتماعي؛ محاولين توصيل أصواتهم عبرها، علهم يجدوا تحرك يُطمأنهم ويطمأن ذويهم في مصر، "أرجوكم اتكلموا عنا، احنا عايشين في قلق ورعب من الحرب اللي ممكن تحصل في أي لحظة، احنا بنموت هنا وأهالينا هيموتوا علينا من الرعب في مصر".
بنبرة صوت ممتزجة بمشاعر الخوف والحزن واستجداء التعاطف، تستنجد مروة برواد مواقع التواصل الاجتماعي، لمساعدتهم، وإنقاذ مستقبلهم من خلال المطالبة بإعادتهم إلى حضن الوطن لإكمال دراستهم، وإنقاذ سنوات عمرهم التي قضوها على أمل خلق مستقبل لطالما حلموا به، إلا أنهم يجدونهم يضيع في طرفة عين، "أرجوكم ساعدونا نرجع بلدنا نكمل دراستنا فيها، اقفوا جنب أخواتكم البنات والشباب، بالذات طلاب السنوات الأخيرة، اللي حرام يضيع تعبهم وعمرهم وتعب أهاليهم طول سنين الدراسة في لحظة".
مازالت مروة تستجدي تعاطف المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، علهم يدعموا الطلاب المصريين في أوكرانيا، بمنشور أو تعليق أو مشاركة أو حتى إعجاب على منشوراتهم، ليلتفت إليها المسؤولون، وينقذوهم من ويلات الحرب التي تزداد سوادًا ومرارة بحكم غُربتهم وبعدهم عن أهاليهم: "أنا بـ أطلب منكم تقفوا معانا ولو ببوست أو كومنت أو شير أو حتى لايك، علشان البوستات توصل وصوتنا يوصل ونرجع لأهلنا بالسلامة، ادهوا لنا، احنا منكم وأنتم أهلنا".
الشيء ذاته حدث مع مصطفى إسماعيل، الطالب بكلية الطب بإحدى الجامعات الأوكرانية، الذي استيقظ مفجوعًا على أصوات القصف، فجر اليوم الخميس، إلا أنه لم يصدق أذنيه، وأسرع إلى مطالعة الأخبار، عله تكذب أذنيه، رغم أنه كان من ضمن الكثيرين الذين تكهنوا بأن الحرب على وشك الحدوث، قبل أسبوعين ماضيين، ولذك كان يحاول وزملائه الانتهاء من الأوراق المطلوبة من الجامعة، وأبوا ألا يتركوا مستقبلهم خلف ظهورهم، دون التعرف على كيفية متابعة الدراسة بعد عودتهم إلى حضن الوطن.
باغتت الضربة الروسية العسكرية الطلاب المصريون المشغلون، بترتيب أمورهم، والبحث عن وسيلة تُثبت أنه أحد طلاب الجامعات الأوكرانية، تأمينًا لمستقبله عند عودته إلى مصر.
السواد يخيم على المدن الأوكرانية، وتبدو بعضها خاوية على عروشها، بعد فرار الجميع إلى بولندا، ويتسارع ويتصارع الناس للفرار من ويلات الحرب، فتجد السيارات تصطف بطول 50 كليو مترًا في اتجاه الحدود البولندية، وآخرين يتقاتلون على المتاجر من أجل تخزين السلع، خوفًا من المستقبل الذي يبدو أنه أسود من اللحظات يعيشونها تحت القصف الروسي، وتوقف التعامل بالفيزا، فاكتظت البنوك بالناس: "الناس بتهرب ناحية بولندا، وفي حالة صرع في البنوك واقتتال على تخزين السلع الغذائية، والناس بتتجمع في محطات المترو وخايفين من أي قصف، وما حدش عارف الساعات الجاية مخبية إيه!".
التذكرة التي حجزها مصطفى منذ يومين، اعتقد أنها كارت الأمان الذي سيؤمن له الخروج من مدينة دنيبرو بشرق أوكرانيا، والتي حملت تاريخ اليوم الخميس 24 فبراير، لم تكن كذلك، فسبقها القصف في التوقيت، وكأن القدر يكشر عن أنيابه لمصطفى وزملائه، الذين اعتقدوا أنهم من الفرقة الناجية: "أنا صحيت الساعة 7 الصبح، على الصوت مصدوم ومش مصدق فقولت مش هعرف أنزل مصر ولا إيه، وكلمت كل الناس اللي أعرفها هنا وقولتلهم الحرب قامت والطيران قفل والتذكرة ضاعت علي ولا إيه؟ احنا مش هنعرف نسافر ولا إيه؟ ومش عارف أسافر".
يأملا «مصطفى» و«مروة»، أن يلتفت إليهم المسؤولون، وينقذوهم وأصدقائهم من ويلات الحرب، رأفة بهم وبأهلهم وأصدقائهم في مصر، الذين يعيشون في قلق عليهم، "عايزين نرجع مصر في أسرع وقت أهلنا في مصر هيموتوا من القلق علينا"، وفقًا لـ«مصطفى».
وطالبت «مروة»، المسؤولين بوزارة الخارجية بالتدخل السريع لإعادة الطلاب العالقين في مختلف مدن أوكرانيا، وإيجاد طريقة تضمن لهم استكمال الدراسة من مصر، حفاظًا على مستقبلهم.
ويطلق مصصطفى، نداء إلى جميع المسؤولين، أن عدد المصريون في أوكرانيا حوالي 5 آلاف طالب، جميعهم يطلبون الإجلاء الفوري والعودة إلى مصر، في أسرع وقت: "كلنا عايزين نرجع بلدنا وسط أهلنا، أرجوكم شوفوا لنا حل".
غرفة عمليات لمتابعة وضع الطلاب المصريين في أوكرانيا
وكانت وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين في الخارج، السفيرة نبيلة مكرم عبدالسيد، أعلنت عن تشكيل غرفة عمليات لمتابعة وضع الجالية المصرية في أوكرانيا، في ضوء التطورات والمتلاحقة.
وبحسب «مكرم»، يتواصل مركز وزارة الهجرة للحوار لشباب المصريين الدارسين بالخارج، مع الدارسين المصريين بأوكرانيا والمتواجدين بعدة مدن مختلفة، للاطمئنان على أوضاعهم، وهناك حوار قائم مع الوزارات المعنية، بشأن الحلول البديلة للطلبة للحفاظ على أرواحهم، وتوجيههم إلى المناطق الآمنة.
إلا أن الطلاب المصريون أعربوا عن مخاوفهم من تفاقم الوضع، مؤكدين أنه لم يتواصل معهم أحد من المسؤولين حتى الآن.