ثلاثة اختلافات يستند إليها ..
هل يشكك إبراهيم عيسى في «الصلاة» بعد إنكار معجزة «المعراج»؟
أحدث الإعلامي إبراهيم عيسى، ضجيجًا واسعًا، فور خروجه بتصريحات إعلامية من خلال برنامجه التلفزيوني «حديث القاهرة» على قناة «القاهرة والناس» المتعلقة برحلة «الإسراء والمعراج» والتطرق إلى نفي وتكذيب ما يُعرف بـ«المعراج».
وبالرغم من المكانة الكبيرة التي تتميز بها ليلة الـ27 من شهر رجب من كل عام عند المسلمين حيث يحتفون بذكرى «معجزة الإسراء والمعراج»، التي تعتبر من أهم وأشهر المعجزات المرتبطة بالإسلام، ورغم المكانة العالية لرحلة الإسراء والمعراج في الدين الإسلامي، إلا أنه من حين إلى آخر يظهر البعض ليشكك فى رحلة المعراج -على وجه التحديد- مستعينًا بنقص بعض المعلومات الأساسية عن الرحلة والتي قد تبدو ضبابية ويختلف عليها البعض من حين إلى آخر.
وهو ما استدعى «النبأ» في التقرير التالي إلى كشف الكثير من المفاجآت حول تلك المعجزة وما ذكر في الكتب وفتاوى العلماء حولها، والقصص والروايات التي استند إليها إبراهيم عيسى في إنكار تلك المعجزة.
إبراهيم عيسى على خط النار
وقال إبراهيم عيسى فى حلقته التليفزيونية التي أثارت الجدل: «طب إيه رأيك إن مفيش معراج، هتصدق إن مفيش؟، وكل قصة إنه طلع السما وشاف الناس اللي في السما وشاف الناس في النار كل دي قصة وهمية كاملة، دي كتب السيرة والتاريخ والحديث هي اللي بتقول، لكن هو مصدّرلك الكتب والقصص اللي بتقول حصلت».
وعقب تصريحات «عيسى» توالت البلاغات المقدمة إلى النائب العام المستشار حمادة الصاوي، ضد «عيسى» والتي اتهمته بازدراء الأديان وإنكار ثوابته ونشر أخبار كاذبة، وعليه أمر النائب العام بالتحقيق فى تلك البلاغات.
ودخل على خط الأزمة الأزهر الشريف بصفته المؤسسة الدينية الرسمية المعنية بحسم تلك المسائل الجدلية، ليؤكد حقيقة رحلتي الإسراء والمعراج كونهما من معجزات رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وأكد مركز الأزهر العاملي للفتوى، أن «الإسراء والمعراج» معجزة ثابتة بما لا يدع مجالًا لتشكيك أو تحريف ومثبتة بنصوص القرآن الكريم في سُورتي «الإسراء» و«النَّجم».
وتابع المركز: «محاولات الطعن في الرحلة جرأة مستهجنة ومرفوضة، فما ورد فى القرآن والسنة مُسلمات لا يقبل الخوض فيها»، مؤكدًا على أن مروجي التوجهات المتطرفة يفتقرون لأبسط معايير العلم -فى إشارة واضحة لإبراهيم عيسى.
وكعادته لم يترك الداعية عبد الله رشدي، الأمر يمر مرور الكرام، لينضم هو الآخر للمعركة الحامية التي دق طبولها إبراهيم عيسى نفسه بتصريحاته الأخيرة، قائلًا: «لا يوجد اختلاف على أن المعراج حدث بالفعل، ولكن نحن نختلف فى ما إذا كانت الرحلة بالروح فقط أم بالروح والجسد».
وتابع «رشدي»: «الكلام إلى بيقوله الكاتب إبراهيم عيسى إن فيه مدارس إسلامية وإن فيه علماء آخرين أنكروا المعراج أنا مش عارف هو الكلام ده بيجيبو منين».
وأكد عبد الله رشدي، أن ما يحدث من إبراهيم عيسى يعد نسفًا لعقائد المسلمين، مشيرًا إلى أن المرحلة القادمة قد تكون إنكار الصلاة لأنها فُرضت أثناء «المعراج».
ثلاث تفاصيل لا تؤيدها المصادر
ورغم أن الاعتقاد السائد لدى معظم المسلمين حول العالم، بأن معجزة الإسراء قد وقعت في ليلة 27 من رجب، وهي الليلة التي اعتادوا فيها على الاحتفال بتلك المناسبة، إلا أن معظم الآراء التي توردها المصادر التاريخية تخالف ذلك التوقيت، فابن هشام وابن الأثير وابن كثير يذكرون أنه قد تم الإسراء بالنبي، إما في يوم الاثنين 12 ربيع الأول وإما في أحد أيام ذي القعدة.
الاختلاف الثاني حول تلك المعجزة، يكمن في تحديد المسار الذي اتخذه الرسول في رحلته تلك، فمن الثابت أن الرحلة قد ابتدأت من مكة، وبالتحديد من بيت أم هانئ بنت أبي طالب، والتي بات الرسول في منزلها تلك الليلة، ولكن ما أثار الجدل والنقاش هي الوجهة التي قصدها الرسول في رحلته، فبحسب التوصيف القرآني الوارد في سورة الإسراء، أن هدف الرحلة ومحطتها النهائية كانت هي المسجد الأقصى.
ولكن أين يقع المسجد الأقصى المقصود في السورة؟ أثار ذلك السؤال الكثير من المناقشات والمجادلات في السنوات الماضية، فبينما يؤكد جل العلماء المسلمين على مختلف فترات التاريخ الإسلامي، على أن المسجد الأقصى المذكور في القرآن يقصد به مكان معين مقدس في فلسطين، وبالتحديد في مدينة القدس التي كانت تعرف قديمًا باسم أورشليم أو إيليا.
وشهدت الأعوام الأخيرة ظهور رأي آخر، يؤكد على أن المسجد الأقصى المشار إليه في سورة الإسراء، إنما هو مكان في شبه الجزيرة العربية وبالتحديد بالقرب من مكة نفسها.
أشهر الكتاب الذين تبنوا ذلك الرأي، هو المستشرق الإسرائيلي موردخاي كيدار، الباحث في مركز بيجن السادات للأبحاث الاستراتيجية، فقد كتب «كيدار» مقالًا مطولًا في موقع «ميدا» العبري، تحت عنوان «الأكاذيب الإسلامية حول القدس والأقصى»، استخدم فيه كل ما اعتبره أسانيد منطقية وتاريخية، لإثبات أن المسجد الأقصى يقع في بلاد العرب، وأنه لا توجد له أي صلة بفلسطين. المفكر والفيلسوف المصري المعروف يوسف زيدان، أعلن هو الآخر في كتابه «شجون تراثية»، عن اقتناعه بذلك الرأي منذ فترة ليست بالبعيدة، وبرر ذلك ببعض الروايات الواردة في كتاب «مغازي الواقدي»، والتي فهم منها زيدان أن المسجد الأقصى المشار إليه في القرآن يقع في قرية الجعرانة التي تقع على بعد 20 كيلومترا شمال شرق مكة.
الاختلاف الثالث الذي يحيط بأحداث الإسراء والمعراج، هو ذلك الذي يتعلق بالكيفية التي حدثت بها تلك الرحلة، وإذ كانت قد تمت بالروح أم بالروح والجسد معًا، فبعض العلماء المسلمين ذكروا أن الإسراء قد تم بالروح فقط، وأن جسد الرسول قد بقي في مكة، بينما نجد أن أغلبية العلماء قد عارضت ذلك الرأي وأصرت على أن الإسراء قد تم بالروح والجسد معًا.
وهذا الرأي الأخير هو ما يقره «الطبري» في تفسيره للقرآن بقوله، إن كون الإسراء قد تم بالروح فقط يمنع من كون الحدث اعجازيًا خارقًا للطبيعة، وذلك لأنه من الممكن أن يرى النائم في أحلامه الكثير من الأماكن البعيدة عنه، ولا يزعم أن في ذلك معجزة، كما يؤكد الإمام الشوكاني في كتابه «فتح القدير»، على ذلك الأمر بقوله «والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة، هو ما ذهب إليه معظم السلف والخلف من أن الإسراء بجسده وروحه يقظة».
خلاف العلماء لم ينكر حدوث المعجزة
من جانبه يرى الدكتور مختار الكسباني أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر، إن أقصى ما وقع من خلاف بين تيارات الفكر الإسلامي حول الإسراء والمعراج هو أنه قد ذهب بعض العلماء، إلى أن المعجزة لم تقع بالجسد والروح مخالفين بذلك جمهور العلماء، ورأوا أنها كانت بالروح فقط، أو كانت رؤيا منامية فحسب، لكن أحدًا منهم لم ينكر وقوعها بالكلية أو على إطلاقها.
وتابع «الكسباني»: «اللافت في الأمر أن كل عالم من العلماء السابقين كان يدافع عن رؤيته للقضية، ويبين وجهة نظره فيها بشكل علمي، فيجتهد أنصار كل فريق في جمع الأدلة العلمية التي تؤيد رأيهم وتدعم رؤيتهم وتزكي وجهة نظرهم في الموضوع».
وأشار الدكتور الكسبانى، إلى أن ما عليه جميع علماء أهل السنة والجماعة ويتفق عليه معهم أكثر علماء الشيعة، هو أن هذه المعجزة وقعت بالروح والجسد؛ ذلك لأنها لو كانت بالروح دون الجسد أو كانت رؤيا منامية ما احتج عليها كفار قريش لأنه لا أحد يحتج على الرؤى المنامية أو التفاعلات الروحية.
وأوضح أن مما يفيد كونها حدثت للنبي بالروح والجسد أيضًا أن الرسول شرب من ماء قافلة وحرك غطاءه، وأخبر قافلة أخرى بمكان جمل ندَّ أو فلت منهم وابتعد عنهم، ولقد أكد القوم عند وصولهم إلى مكة هذا الكلام الذي أبلغ الرسول به أهلها قبل أن تصل إليهم هذه القوافل في الصباح، ومن الأدلة الدامغة أيضًا على حدوث الإسراء بالروح والجسد أن قريشًا طلبت من الرسول أن يصف لهم المسجد الأقصى، وهم طلبوا منه ذلك لإحراجه بعد أن أخبرهم أنه صلى بالأنبياء هناك في ليلته هذه.