على الهواري يكتب: الحرب الروسية على أوكرانيا.. السيناريوهات والتداعيات
لاشك أن النتائج التي سوف تسفر عنها الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا سيكون لها تداعيات، سياسية واقتصادية وعسكرية هائلة وغير مسبوقة، ليس على روسيا وأمريكا وأوربا فحسب، وإنما على العالم أجمع.
فما هي السيناريوهات المتوقعة لهذه الحرب، وتأثيرها على مستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السياسي، وعلى حلمه في إعادة الإمبراطورية الروسية، وعلى أمريكا والغرب؟.
في الحقيقة هناك سيناريوهان لهذه الحرب التي تدور رحاها الآن في أوكرانيا:
السيناريو الأول هو أن تحسم روسيا الحرب عسكريا لصالحها، أو أن تقبل أوكرانيا بوثيقة الاستسلام الروسية التي تتضمن، نزع سلاح الجيش الأوكراني ووأد حلم كييف بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو»، بالإضافة إلى وقوف أوكرانيا على الحياد بين روسيا وأمريكا والغرب، وتنصيب نظام موالي لموسكو في كييف.
هذا السيناريو إن تحقق، سوف يترتب عليه جملة من النتائج منها:
أن ذلك سوف يمثل انتصارا كبيرا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وما يترتب على ذلك من تقوية وضعه الداخلي، وفتح شهيته لابتلاع المزيد من الدول التي أعلنت استقلالها عن الاتحاد السوفيتي بعد انهياره وتفكيكه في بداية تسعينيات القرن الماضي وإعادتها مرة أخرى إلى حظيرة الدولة الروسية، وبالتالي إحياء حلمه في إعادة الإمبراطورية الروسية، وتثبيت وضع روسيا على المسرح العالمي باعتبارها قوة عسكرية واقتصادية لا يستهان بها، وهذا ما تخشاه أمريكا والغرب وحذرت منه أكثر من مرة.
وكما قالت، وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تروس، فإن الرئيس الروسي، سيواصل تقدمه ويحتل دولا أوروبية شرقية أخرى إذا ما سمِح له بغزو أوكرانيا.
وقالت تروس في مقابلة مع صحيفة ”ديلي ميل“ البريطانية ”لا اعتقد أن الرئيس فلاديمير بوتين سيتوقف إذا سمِح له بغزو أوكرانيا، وسيشن حربًا على دول أوروبية مجاورة أخرى.“
وأضافت الوزيرة البريطانية ”أخشى أن الرئيس الروسي بوتين يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء واستعادة السيطرة على ”مساحات شاسعة من أوروبا الشرقية في محاولة لإحياء الاتحاد السوفيتي المنحل“.
وحذرت الوزيرة البريطانية من أن دول البلقان، مثل: إستونيا، ولاتفيا، ودول البلقان الغربية، بما في ذلك صربيا وألبانيا، معرضة للخطر في حال قامت روسيا بغزو أوكرانيا.
لكن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أكد أن بلاده توقعت الادعاءات من قبل الغرب حول "المساعي لإعادة الإمبراطورية الروسية"، مشيرا إلى أن هذه المزاعم لا تتطابق مع الحقيقة على الإطلاق.
وقال بوتين، أود أن أؤكد أننا نرى وتوقعنا الادعاءات حول هذا الموضوع، التي تزعم أن روسيا تنوي إعادة الإمبراطورية في حدود العهد الإمبراطوري. هذا لا يتطابق مع الحقيقة على الإطلاق".
وأشار بوتين إلى أن روسيا اعترفت بعد تفكك الاتحاد السوفييتي بالوقائع الجيوسياسية الجديدة وتعمل بشكل نشط على تعزيز التعاون مع الدول المستقلة التي ظهرت في المنطقة.
في المقابل يمثل هذا السيناريو هزيمة مدوية لأمريكا والغرب، فحسب مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية، إذا استطاعت روسيا أن تسيطر على أوكرانيا أو تمكنت من زعزعة استقرارها على نطاق واسع، فإن مرحلة جديدة ستبدأ بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا. وسيواجه قادة الولايات المتحدة وأوروبا تحديًا مزدوجًا يتمثل في إعادة التفكير في الأمن الأوروبي وأيضًا عدم الانجرار إلى حرب أكبر مع روسيا.
وحسب مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية، سيكون كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في حالة حرب اقتصادية دائمة مع روسيا، وسيسعى الغرب إلى فرض عقوبات كاسحة، من المرجح أن تتفاداها روسيا من خلال إجراءات سيبرانية والتلويح بسلاح الطاقة، والأغلب أن تقف الصين إلى جانب روسيا في هذا التراشق الاقتصادي بناء على العين بالعين.
وحسب مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية، من المرجح أن يتمركز عدد كبير من قوات حلف الناتو على أراضي الدول الشرقية الأعضاء، بما في ذلك إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، وبولندا ورومانيا، بصورة دائمة، وسيكون من الصعب رفض طلب كل من فنلندا والسويد للحصول على التزام بموجب المادة 5 وللانضمام إلى حلف الناتو، وبالنسبة للولايات المتحدة، سيخلف انتصار روسي آثارًا عميقة في إستراتيجيتها الكبرى في أوروبا، وآسيا، والشرق الأوسط، كما إن حربًا في أوكرانيا من شأنها أن تعيد إحياء الناتو ليس كمشروع لبناء الديمقراطية أو أداة لحملات خارجية كالحرب في أفغانستان، ولكن بوصفه التحالف العسكري الدفاعي الذي لا نظير له والذي تم تصميمه ليكون هكذا.
ووفق "فورين أفيرز"، فإن الالتزام الأمريكي القوي بأمن أوروبا وحده من سيحول دون تقسيم روسيا للدول الأوروبية عن بعضها البعض، وسيكون هذا صعبا في ظل تزاحم الأولويات، لا سيما تلك التي تواجه الولايات المتحدة في علاقتها المتدهورة مع الصين.
السيناريو الثاني، وهو السيناريو الأسوأ بالنسبة لبوتين وروسيا ويمثل كابوسا للرئيس الروسي، فهو سيناريو هزيمة روسيا، وتحويل أوكرانيا إلى مستنقع ومقبرة للجنود الروسي، كما حدث في أفغانستان، وهذا ما تسعى له أمريكا والغرب الذي توعد بوتين بثمن باهظ إذا هو قام بغزو أوكرانيا.
فأمريكا والغرب، سوف تصنع مقاومة في أوكرانيا وتمدها بالسلاح للقتال ضد الروس كما حدث في الحرب الروسية الأفغانية، ومن ثم إدخال روسيا في حرب استنزاف طويلة الأمد، كما قال الرئيس الفرنسي، إن "قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تنفيذ عمل عسكري ضد أوكرانيا يعني أنه اختار هز السلام بأوروبا كما لم يحصل منذ عقود، وستكون هناك عواقب طويلة الأمد".
وكما يشير بعض الخبراء، فإن روسيا بغزوها لأوكرانيا، فإنما هي تخاطر فعلا بالغرق في مستنقع، كما حصل في الماضي لجيشها في أفغانستان، في ثمانينات القرن الماضي، ولاحقًا في الشيشان، في تسعيناته، وهذا ما لوح به مسئولون غربيون في الأيام الماضية.
وهذا السيناريو إن تحقق فسوف يترتب عليه نتائج كارثية بالنسبة لبوتين وروسيا، وسوف يقضي على مستقبل بوتين السياسي، لا سيما في ظل العزلة السياسية والاقتصادية التي سوف تعيشها روسيا نتيجة العقوبات الاقتصادية والسياسية غير المسبوقة التي فرضها الغرب على موسكو، وسوف تزيد المعارضة الروسية من ضغوطها على الرئيس الروسي، وسوف تتحول روسيا إلى دولة ضعيفة ومنبوذة على المسرح العالمي، وسوف يتمدد الناتو شرقا حتى يصل إلى حدود روسيا، وسوف ينتهي حلم عودة الإمبراطورية الروسية للأبد، وسوف يعود العالم لسياسة القطب الواحد.
الخلاصة.. ليس أمام بوتين سوى الانتصار في هذه الحرب، سواء كان ذلك بالمفاوضات والحلول السياسية والدبلوماسية أو بالحسم العسكري.