كيف حارب الإسلام الاحتكار.. وقصة إصابة التاجر بمرض الجزام
تعيش مصر حاليا حالة من ارتفاع الأسعار لجميع المنتجات الغذائية وغيرها، وسط سعي التجار إلى الاحتكار وتعطيش السوق من السلع، ويلجأ بعض التجار إلى شراء ضروريات الأفراد وتخزينها إلى أن يرتفع سعرها، ويبيعها بأعلى الأثمان.
وترصد "النبأ" آراء العلماء في كيفية محاربة الإسلام للاحتكار، مؤكدين أن المُحتكر ملعون ويرتكب خطيئة سيجازي عليه في الآخرة بالطرد من رحمة الله تعالى، منوهين بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- دعا على المُحتكر بالإصابة بمرض الجذام والإفلاس
الإسلام ومحاربة الاحتكار
في البداية أوضح الشيخ سليم عبد العزيز عضو لجنة الفتوى بالأزهر، أنه لم يخل عصر من العصور من موجات غلاء تجعل الناس في كرب وضيق، لذا لم يتركنا الإسلام فريسة لهذا الأمر بل وضع لنا حلولًا لتلك الأزمات التي تكدر حياة الناس وتحول حياتهم إلى جحيم.
وتابع: في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرب الغلاء الناس، فاشتكوا إلى الحبيب المحبوب شافي العلل ومفرج الكروب صلوات الله وسلامه عليه وآله وسلم، فعن أبي سعيد الخدري: أن يهوديا قدمـ زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثين حمل شعير وتمر فَسَعَّر مُدًّا بمد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس في الناس يومئذ طعامٌ غَيْرُهُ، وكان قد أصاب الناس قبل ذلك جوع لا يجدون فيه طعامًا، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس يشكون إليه غلاء السعر فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "لا أَلْقَيَنَّ الله من قبلِ أن أُعْطِيَ أحدًا من مال أحدٍ من غير طيب نفس إنما البيع عن تراضٍ، ولكن في بيوعكم خصالًا أَذْكُرُها لكم: لا تَضَاغَنُوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا يسوم الرجل على سوم أخيه، ولايبيعن حاضر لباد، والبيع عن تراض وكونوا عباد الله إخوانًا".
واشتكى الصحابة من الغلاء للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: "يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا". فكان جواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله هو المسعر، القابض الباسط، الرازق. وإني لآرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم أو مال".
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن أرخص السلع عن ثمنها الحقيقي يكون بذلك قد ظلم التجار، ولكن في المقابل أمر التجار أن يتقوا الله ويبروا ويصدقوا الناس بالبيع بألا يغلو عليهم السلع عن ثمنها أو يحتكرونها أو يمسكونها ليرتفع سعرها.
وأضاف عضو لجنة الفتوى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرج ذات يوما إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون، فقال: "يا معشر التجار". فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه. فقال: "إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا، إلا من اتقى الله وبر وصدق".
نماذج إسلامية في محاربة الاحتكار
في السياق ذاته قال الدكتور محمد عبد الحليم استاذ الفقة المقارن جامعة الأزهر،إنه في وقت الأزمات والغلاء على أفراد المجتمع أن يتكافلوا فيكفل الغني الفقير ويودي حقهم من الزكاة والصدقات التي تعين الفقراء والمحتاجين على أعباء الحياة والغلاء، فتحمي المجتمع والناس من الفقر والحاجة وتخفف من الأعباء على الدولة، كما أن إخراج الزكاة والصدقات سببًا للبركة ونشر الحب والترابط بين أفراد المجتمع، يقول الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له".
كما نبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خطر الاحكتار كسبب من أسباب الغلاء فقال: "من احتكر طعامًا أربعين ليلة فقد بري من اللَّه تعالى وبرئ اللَّه تعالى منه وأَيُّمَا أهل عَرْصَةٍ أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة اللَّه تعالى".
وأشار إلى أن الرقابة على الأسواق وقت الغلاء أمر مهم جدًا.. وقد روت لنا كتب السيرة النبوية المطهرة وكتب الحديق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يراقب الأسواق بنفسه، ويراقب الأسواق من حيث السلعة وجودتها وعدم الغش فيها كما يراقب أسعار هذه السلع، وظل هذا التقليد طوال الحضارة الإسلامية.
وكشف الدكتور “عبد الحليم” أن مراقبة الأسعار موجودة ومشددة في عهد الخلفاء الراشدين، ومن ذلك أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بحاطب بن أبي بلتعة، وهو يبيع زبيبًا له بالسوق، فقال له عمر بن الخطاب: إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقنا".
وأوضح أن منهج الصحابة الكرام إذا ما زادت الأسعار أن يرخصوا السلع باستبدالها بغيرها أو الامتناع عن شراءها، وحصل ذلك في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فورد أن الزبيب قد غلي في مكة فيقول الصحابة: غلا علينا الزبيب بمكة فكتبنا إلى على بن أبى طالب بالكوفة أن الزبيب قد غلا علينا، فكتب أن أرخصوه بالتمر". أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوفرًا في الحجاز وأسعاره رخيصة فيقل الطلب على الزبيب فيرخص. وإن لم يرخص فالتمر خير بديل.
وكذلك السلف الكرام والتابعين كانت مواقفهم واضحة من مواجهة الغلاء فقد ورد في كتب الطبقات وغيرها أنه قيل لإبراهيم بن أدهم: إن اللحم قد غلا؟ فقال: "أرخصوه"، أي لا تشتروه.
الاقتصاد الإسلامى ومحاربة الاحتكار
ويقول الدكتور عبد الغنى سعد أستاذ الاقتصاد الإسلامي جامعة الأزهر، إن الإسلام احتوى على نظام اقتصادي فريد من نوعه حيث يقدم تجربة قادرة على التغلب على الاحتكار بعكس الأنماط الاقتصادية الأخرى فالنظام الاشتراكي على سبيل المثال مارست فيه الدولة الاحتكار مما قلل من جودة السلع والمنتجات أما في النظام الرأسمالي فلا يوجد ما يواجهون به ممارسة الأفراد والشركات للاحتكار وهكذا فقد فشل كلا النظامين في الوقت الذي وضع فيه الإسلام العديد من الأطر والآليات التي تتيح للدولة وللمجتمع مواجهة المحتكر وإجباره على إعادة النظر في ممارساته حيث أباح الإسلام لولي الأمر إنذار المحتكر ببيع السلعة التي يحبسها عن الناس فإذا رفض يجوز للدولة أن تتدخل وتصادر السلعة لرفع الظلم الذي يتعرض له المجتمع بسبب الاحتكار. ويقول الفقهاء في ذلك إن من احتكر سلعة يجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى فقد ارتكب وزرًا كبيرًا ومن أجل ذلك نجد الإسلام يرفض التجارة في المحرمات وتكوين الثروات من خلال الاحتكار والتلاعب بالأسعار فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: الجالب مرزوق والمحتكر ملعون. والرسول نهى عن التدخل المفتعل في السوق من أجل الكسب السريع. كما يؤكد الإسلام مبدأ: لا ضرر ولا ضرار، وقد كلف ولي الأمر بأن يمنع الاحتكار بكافة الوسائل التشريعية والقرارات التي يرى فيها قدرة على منع الاحتكار.
وطالب الدولة أن تلعب دورها في التصدي للمحتكرين ويجب أن تفعّل قوانين الاحتكار وتنفذ عقوباتها بصرامة شديدة حتى لا تمنح المحتكر فرصة ممارسة أعماله غير المشروعة كما يجب على المؤسسات الدعوية أن تلعب دورًا موازيًا لتبصير الناس بأحكام الممارسات التي يقومون بها، فقد يمارس المسلم الاحتكار من دون أن يدري أنه يمارس أمرًا مرفوضًا ولكنه عندما تردد على مسامعه مرارًا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: من احتكر للمسلمين طعامًا ضربه الله بفقر وإفلاس فإنه من دون شك سيكون لهذا الحديث أثر في حياة المحتكر الجاهل الذي لا يدري أن ما يفعله إثم يضعه تحت طائلة العقوبات الإلهية.