الهاتف الأحمر.. الأمل الأخير لوقف الحرب في أوكرانيا وتجنب العالم حربا نووية.. تعرف على قصته بالتفصيل
«الهاتف الأحمر».. في ظل احتدام الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية، واصرار كل طرف من أطراف الأزمة على موقفه، والتهديد باستخدام الأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية، استدعي البعض فكرة «الهاتف الأحمر»، من أجل وقف الحرب وتجنب نشوب حرب عالمية ثالثة أو حرب نووية.
فما هي قصة «الهاتف الأحمر»، وهل بالفعل يمكن أن يكون الأمل الأخير لوقف الحرب المستعرة بين روسيا والغرب؟.
بصورة عامة يطلق مصطلح الهاتف الأحمر، على خط الهاتف المباشر بين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ورئيس روسيا، فقد تم إنشاء هذا الخط بعد أزمة الصواريخ الكوبية سنة 1962؛ بهدف تمكين رئيسي الدولتين العظمتين من إجراء الاتصالات العاجلة في الأزمات الدولية الخطيرة؛ بهدف إزالة سوء التفاهم وتسوية الأمور المُلحّة.
ويعتقد كثير من الناس أن الهاتف الأحمر أو الخط الساخن الذي ظهر أول مرة في الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن هاتف كلاسيكي حقيقي.
الهاتف الأحمر.. الأمل الأخير لوقف الحرب في أوكرانيا وتجنب العالم حربا نووية
خلال ستينيات القرن الماضي، كتم العالم أنفاسه بسبب إحدى أسوأ الأزمات التي عرفتها الحرب الباردة بين الأمريكيين والسوفيت.
فعلى مدار 13 يومًا ما بين 16 و28 أكتوبر 1962، عاش الجميع على وقع أهوال أزمة الصواريخ الكوبية التي اندلعت عقب اكتشاف طائرات التجسس الأمريكية لمنصات صواريخ سوفيتية قادرة على حمل رؤوس نووية بكوبا.
وطيلة تلك الفترة، ارتفعت حدة التوتر بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي بشكل غير مسبوق، وهددت بإمكانية اندلاع حرب نووية، قد تفنى بسببها البشرية، بين هاتين القوتين النوويتين.
ولحسن الحظ، تمكن العالم حينها من تجاوز أزمة الصواريخ الكوبية بفضل المفاوضات الدبلوماسية بين كل من الرئيس الأمريكي جون كينيدي ونظيره السوفيتي نيكيتا خروتشوف، حيث تبادل البنتاجون والكرملين على مدار أيام جملة من الرسائل إما عن طريق التليغراف أو الراديو أدت في النهاية لحل الأزمة، وساهمت لاحقًا في توقيع معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية يوم 5 أغسطس 1963.
وقد جاءت الأزمة الكوبية لتبرز للجميع حينها معضلة أخرى بالصراع الأميركي السوفيتي، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يقم كلا الحليفين السابقين بأي مجهودات تذكر لتطوير نظام الاتصال بينهما، وأثناء أزمة الصواريخ، احتاجت عملية نقل رسالة واحدة من نيكيتا خروتشوف لجون كينيدي مرورًا بالبنتاجون أكثر من 12 ساعة.
وأمام هذا الوضع، اتفق الطرفان عقب نهاية الأزمة الكوبية على وضع أسس اتصال متقدمة، اعتمدت أساسًا على خط اتصال مباشر بين واشنطن وموسكو، لحل مثل هذه الخلافات بشكل سريع مستقبلًا. وانطلاقًا من ذلك، برز للعالم مصطلح جديد عرف بالخط الساخن واشنطن – موسكو ولقّبه آخرون بالهاتف الأحمر.
وعلى الرغم من التوصل لاتفاق بين موسكو وواشنطن، استغرقت عملية تطوير وتحسين الاتصال بين المسؤولين السوفيت والأمريكيين أكثر من 9 أشهر.
وفي حقيقة الأمر، لم تكن وسيلة الاتصال هذه خط هاتف ولا هاتفًا أحمر وإنما كانت عبارة عن آلات مبرقة كاتبة (teleprinter) وكميات هائلة من الحبر، وقطع غيار ونظام فك تشفير للترجمة أرسلت نحو كلا الطرفين انطلاقًا من النرويج، حيث فضّل الأميركيون والسوفيت حينها الاعتماد على طرف ثالث محايد لإنتاج هذه الآلات تخوفا من عمليات التجسس.
الهاتف الأحمر.. الأمل الأخير لوقف الحرب في أوكرانيا وتجنب العالم حربا نووية
وخلال شهر أغسطس 1963، كان نظام الاتصال بين الطرفين جاهزًا، وقد أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية رسالة تجريبية لموسكو احتوت على جميع حروف الأبجدية والأرقام العربية وكان نصها كما يلي "The quick brown fox jumped over the lazy dog’s back 1234567890" بينما رد السوفيت برسالة طويلة وصفوا من خلالها حالة الطقس بموسكو.
وفي البداية، ربط الأمريكيون خط الاتصال بالبنتاغون قبل تمديده بحلول العام 1978 نحو البيت الأبيض، وفي المقابل، أعلن السوفيت عن ربطهم لهذا الخط بالكرملين سوى أن مصادر أخرى شككت في ذلك وتحدثت عن ربطه بمكان آخر سري ومجهول بالعاصمة موسكو.
إلى ذلك، تحقق حلم ما بات يعرف بالخط الساخن أو الهاتف الأحمر بفضل نظام كابلات الهاتف الطويلة التي وضعت تحت الماء لتعبر المحيط الأطلسي بأكمله مرورا بكل من نيوفندلاند وإسكتلندا والمناطق الإسكندنافية.
وقد حمل نظام الكابلات هذا اسم TAT-1وتعرض خلال مسيرته للعديد من المشاكل التقنية وهو ما أجبر الأميركيين والسوفيت على دعمه بخط ثانٍ.
وخلال العقود التالية، عرف هذا الخط الساخن تغييرات عديدة، ففي أواخر السبعينيات، فضّل الأمريكيون والسوفيت الاعتماد على الأقمار الصناعية للتواصل، وعام 1985، تمت إضافة آلات الفاكس لهذا النظام، وبعدها بنحو 22 سنة أضيفت سنة 2007 أجهزة الكمبيوتر التي سهلت فكرة اعتماد الرسائل البريدية الإلكترونية بين الطرفين.
وقد جاء أول استخدام لهذا الخط الساخن بين واشنطن وموسكو من قبل الرئيس الأمريكي ليندون جونسون، حيث راسل الأخير من خلاله رئيس الوزراء السوفيتي ألكسيي كوسيجين خلال حرب الستة أيام، كما استخدمه من بعده رؤساء عدة أثناء فترات أزمات عالمية كحرب الهند وباكستان وحرب الخليج الأولى والغزو السوفيتي لأفغانستان.