كبير الأثريين يكشف للنبأ.. كيف كان يحتفل الفراعنة بعيد الأم
قال مجدي شاكر كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، إن المصريين القدماء كانوا يحتلفون بعيد الأم وهم من سبقونا في ذلك، مضيفًا أن المرأة وخاصة الأم كانت من أهم القيم الإنسانية في الحضارة المصرية والاعتراف بدورها.
هل مارس المصري القديم الاحتفال بعيد الأم
وتابع “شاكر”: "كانت فى منزلة عظيمة والقدماء المصريون سبقونا منذ الآف الأعوام فى الاحتفاء بالأم، فقد عثر على بردية تعود للدولة القديمة منذ حوالي خمسة آلاف عام يحتفل فيها بالأم، واختار المصريون موعد الاحتفال بعيد الأم آخر شهور فيضان النيل عندما تكون الأرض الخصبة معدة لبذر البذور أي وقت خصوبة الطبيعة في مصر، وهو شهر "هاتـــور" في التقويم المصري القديم، وهاتور هو تصحيف لاسم الإلهة "حاتحور" التي هي ربة الجمال والأمومة".
وأوضح كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، أن معنى حتحور (حت ـ حور) أي مرضعة حور، أي مرضعة الإله حور، ولقد شبه المصريون القدماء الأم بنهر النيل الذي يهب الحياة والخصب والخير والنماء، مشيرًا إلى أن الاحتفال بعيد الأم كان يتم مع شروق الشمس التي يعتبرون نورها وأشعتها رسالة من إله السماء للمشاركة في تهنئتها.
واستكمل: “كانوا في ذلك اليوم يضعون للأم في غرفتها الهدايا والتماثيل المقدسة المعبرة عن الأمومة واعتبروا تمثال أيزيس التي تحمل ابنها حورس رمزا للأمومة ورمزا لعيد الأم فكانوا يضعونه في غرفة الأم ويحيطونه بالزهور والقرابين ويضعون حوله الهدايا المقدسة للأم في عيدها، ووجد في كثير من مقابر الدولة الحديثة كثير من البرديات والأوستراكا (كسر الفخار والحجر) التي حوت نماذج من النصوص للأم في عيدها”.
وأضاف أنها كلها تعبر عن احترام الأم وتقديرها والاعتراف بأهمية دورها، فقد كانت لها منزلة عظيمة باعتبارها منبع الحياة ورمز الدفء والحنان والتضحية من أجل الأسرة وأولادها، متابعًا: “وبدأت عادة تكريم الأم في مصر القديمة منذ آلاف السنين مع بداية نسج الأساطير.. حيث تخيل المصريون القدماء في أساطيرهم أن السماء تلد الشمس كل صباح، كما أن عددًا كبيرًا من آلهة المصريين القدماء كانوا من الأمهات مثل ايزه ونفتيس ونوت وحتحور وغيرهم ولقب قدماء المصريين الأم بلقب (نبت بر) بمعنى (ربة البيت)، لقد كان للأم في مصر القديمة دور مؤثر وفعال في تكوين الأسرة والمجتمع المصري القديم عبر تاريخه الطويل”.
وأشار إلى أنه من أجمل الأمثلة التي عبرت عن تقدير المصريين القدماء للأم ودورها في الحياة ما جاء في بردية الحكيم(آني) الذي عاش في القرن السادس عشر قبل الميلاد ينصح ابنه بقوله: “أطع أمك واحترمها، وضاعف الطعام الذي تخصصه لها، وتحملها كما تحملتك، فإن الإله هو الذي أعطاها لك، لقد حملتك في بطنها حملًا ثقيلًا ناءت بعبئه وحدها، دون مساعدة، وعندما ولدتكَ قامت على خدمتك بكل حنان، وأرضعتك ثلاث سنوات، وتحملت أذى قاذوراتك دون أنفة نفس، وعندما التحقتَ بالمدرسة كي تتعلم كانت تذهب إليك كل يوم بالطعام والشراب، فإن أنتَ كبرتَ وتزوجت واستقررتَ في دارك فتذكر أمك التي ولدتك وعملت على تربيتك بكل سبيل.. لا تدعها تلومك وترفع كفها إلى الإله فيسمع شكواها”.
وأوضح أن الأمهات فى مصر القديمة يتقربن إلى العديد من الآلهة والإلهات المسئولة عن حماية الأم وطفلها أثناء فترة الحمل والولادة، كالمعبودة ايزه ربة الأمومة والرضاعة، والإلهة حتحور ربة الحب، وكذلك المعبودة "تاورت" ربة الحمل والولادة، والمعبود بس رب البهجة والمرح، الذي كان في عقيدة القوم يبعد الشر عن الأم وطفلها من الأرواح الشريرة -حتى الآن الأمهات فى صعيد مصر يتخوفن من المشاهرة عقب الولاده-، والمعبود "خنوم" رب الخلق الذي يشكل الجسد البشرى على عجلة الفخار ويهب الوليد نسمة الحياة،و المعبود آمون الذي كانوا يعتقدون أنه يذهب عن الأم الحامل آلام الوضع إذا نطقت باسمه.
وأضاف أنه تم اكتشاف بردية للدولة القديمة في منطقة سقارة وجد فيها أن قدماء المصريين احتفلوا بعيد الأم وجاء في البردية: “اليوم عيدك يا أماه لقد دخلت أشعة الشمس من النافذة لتقبل جبينك، وتبارك يوم عيدك، واستيقظت طيور الحديقة مبكرة،لتغرد لك في عيدك وتفتحت زهور اللوتس المقدسة على سطح البحيرة لتحيتك،اليوم عيدك يا أماه فلا تنسي أن تدعو لي في صلاتك للرب".
وقال إن اللوحة السحرية “مترنيش” تروي إحدى القصص التى ندرك منها المساحة الهائلة من "أمومة" المرأة المصرية والتى لا تدانيها فى ذلك أى امرأة فى العالم، متابعًا: "جاء فى تلك القصة أن الأم "إيزيس" بينما كانت تخبئ الطفل حور (حورس) فى أحراش الدلتا بين مستنقعات البردى هاجمه عقرب ذات يوم وقام بلدغه، فانفطر قلب الأم من الألم على فلذة كبدها، وأطلقت صيحة استغاثة شقت السماء، وبلغت من شدتها أن جعلت ملاحى مركب “رع” يتوقفـون عن الابحار”.
وتابع: "ظل الملاحين متوقفين لا يستطيعون المضى قدما فى ابحارهم بمركب "رع" بسبب حدة صــرخة ايـــزه التى أطلقتها فزعا على ولدها.. وهـددت الأم ايزه ملاحى مركب الشمس بأنها لن تسمح لقارب رع باستكمل طريقه الا إذا شـــفى الطفل حور (حورس) من لدغة العقرب".
وأضاف، عند ذلك قام رع بإرسال رسوله " تحوت " المعلم والحكيم والطبيب لكى يعالج الطفل المريض حـور، فقام تحوت بقراءة كلمات رقية شافية، أعادت حور إلى الحياة وجعلت جسده يطرد سم العقرب.
واستطرد: “لو نظرنا فى نقوش مقابرهم نرى النبلاء وكبار القوم حريصين على يتصوروا فى صحبة أمهاتهم وزوجاتهم فى محبة وتقدير حرصا منهم أن يظهروا معهم فى العالم الآخر حتى مناظر الملكات صورن يرضعن أطفالهن مثل العامة وحرص بعضهم أن ينتسب لاسم أمه مثل قائد الجيش الذى حارب الهكسوس اسمه أحمس بن أبانا وكبير كهنة تحوت حر سا ايزه أي حورس ابن ايزيس”.
وأنهى حديثه: “قد احتفظت الحضارة المصرية بأسماء امهات مثاليات واللائى لعبن دورا بارزا في التاريخ المصري فى لحظة فاصلة من التاريخ المصري أبرزهم الملكة اعح حتب زوجة سقنن رع الذى استشهد فى حربه ضد الهكسوس وأم كامس وأحمس التى اوصته الا يعود الا بالنصر وقامت ببث الروح المعنوية نفوس المصريين حتى حدث النصر فاهدها أحمس ارفع وسام عسكرى وهو وسام الذبابة وهى اول امرأة تحصل عليه وماأحرى بنا أن نتأسى بأجدادنا وتقديمهم لأمهاتهم وهذا ماحرصت عليه جميع الأديان السماوية فكل عام وكل ام بخير ورحمة الله على من أنتقلت لجوار ربها”.