تحركات مصر لجذب أكبر 7 رجال أعمال روس مطرودين من أوروبا وأمريكا
شهدت الأيام الماضية حالة من التضييق على العديد من رجال الأعمال الروس، وما تتبعه من وقف استثماراتهم بعدد من الدول الغربية، وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وكان آخرها رجل الأعمال الروسي رومان أبراموفيتش مالك نادي تشلسي الإنجليزي، ردًا على القصف الروسي لعدد من المدن بأوكرانيا.
ملاحقة الاستثمارات الروسية في العديد من الدول، طرح العديد من الأسئلة أبرزها، لماذا لا تقدم مصر مميزات لجذب رجال الأعمال الروس الهاربين من العقوبات للاستثمار في السوق المصري؟، خاصة وأنها بمليارات الدولارات، وما هي التسهيلات التي يمكن أن تقدمه الحكومة لرجال الأعمال الروس؟، خاصة وأن مصر تمثل الشريك التجاري الأول لروسيا في إفريقيا بنسبة تعادل 83% من حجم التجارة بين روسيا وإفريقيا.
كما تحصل مصر على نسبة 33% من حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 3 مليارات دولار، لا سيما تعمل في مصر نحو 467 شركة روسية في مجالات مختلفة مثل البترول والغاز بحجم استثمارات بقيمة 7 مليارات دولار، وتُوفر قرابة 35 ألف فرصة عمل.
وتكبد العديد من الأثرياء الروس خسائر بالمليارات بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، وجاء في المركز الأول من حيث الخسائر على أساس سنوي، فاجيت اليكبيروف، من قطاع الطاقة، حيث من المتوقع أن تبلغ خسائره 17.5 مليار دولار.
وجاء في المركز الثاني، جينادى تيمشينكو، والذي من المتوقع أن تبلغ خسائره على أساس سنوي 12.4 مليار دولار، أما المركز الثالث فاحتله ليونيد ميخلسون، من قطاع الطاقة، بخسارة سنوية تقدر بـ11.7 مليار دولار، وتلاه فى المركز الرابع، أليكسى مورداشوف من القطاع الصناعي بخسارة تقدر 8.77 مليار دولار، وفى المركز الخامس فلاديمير ليسين، من القطاع الصناعي بخسارة تقدر بـ8.47 مليار دولار.
وفى المركز السادس جاء رجل الأعمال فلاديمير بوتانين، بخسارة سنوية تقدر بـ7.54 مليار دولار، أما المركز السابع فاحتله رومان أبراموفيتش من قطاع السلع بخسارة تقدر بـ4.97 مليار دولار.
وقررت دولة أستراليا، فرض عقوبات على 33 من رجال الأعمال الروس وعائلاتهم، على خلفية العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وتشمل قائمة العقوبات المذكورة، التي نشرت على موقع "باين" الإلكتروني: رجل الأعمال رومان أبراموفيتش، ورئيس مجلس إدارة شركة «جازبروم» أليكسي ميللر، ومدير عام شركة «روستيخ» سيرجي شيميزوف، ومدير عام صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي كيريل ديميترييف، ورئيس مجلس مدراء مصرف روسيا، دميتري ليبديف، ورئيس شركة «ترانس نفط» نيكولاي توكاريف، ورئيس الشركة الحكومية «المنتدى الاقتصادي الشرقي» إيغور شوفالوف.
وفقًا لبيانات البنك الدولي، يحتل الاقتصاد الروسي الذي تبلغ قيمته 1.5 تريليون دولار المرتبة 11 في العالم، وطردت الأسهم الروسية من المؤشرات العالمية، وتوقفت التجارة في بعض الشركات الروسية في نيويورك ولندن.
وأدت تلك العقوبات إلى منع أكبر بنكين في روسيا -«سبيربنك» و«VT»- من التعامل بالدولار الأمريكي، كما قام الغرب بإزالة 7 بنوك روسية - بما في ذلك «VTB» من نظام «SWIFT» العالمي، وهي خدمة رسائل عالمية تربط المؤسسات المالية وتسهل المدفوعات السريعة والآمنة.
من جانبه قال المهندس يحيى السيد عثمان الخبير البترولي بهيئة البترول سابقا، إن مصر من الممكن أن تحقق العديد من الاستفادة الاقتصادية من هروب الاستثمارات الروسية بالدول الغربية، وجذبها إلى الأراضي المصرية خاصة في مجال الغاز، حيث سيكون هناك فرصة كبيرة لزيادة صادرات مصر للغاز وخاصة للدولة الأوربية، خاصة وأن تقرير «أوابك» الصادر في نوفمبر الماضي، كشف ارتفاع صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال خلال أول 9 أشهر من عام 2021 بنسبة 780% مقارنة بنفس الفترة من عام 2020.
ووفقا لتقرير تطورات الغاز الطبيعي المسال والهيدروجين عن الربع الثالث، الصادر مؤخرًا عن المنظمة، وصلت كميات الغاز المسال التي صدرتها مصر في أول 9 أشهر من عام 2021 إلى نحو 4.4 طن مقابل نحو 500 ألف طن خلال نفس الفترة من عام 2020، والذي شهد إغلاقات حكومية محلية وعالمية.
وذكر التقرير، أن مصر سجلت النمو الأكبر في حجم صادرات الدول العربية من الغاز المسال خلال الربع الثالث من العام الجاري بنسبة 900%، حيث صدرت نحو مليون طن مقابل نحو 100 ألف طن فقط خلال نفس الفترة من العام الماضي؛ بسبب تهاوي الأسعار الفورية في الأسواق العالمية التي لم تحقق الجدوى الاقتصادية للتصدير.
وأشار إلى أن معدل النمو المذكور هو الأعلى عالميا خلال الربع الثالث من عام 2021، حيث يعود النمو المستمر في حجم الصادرات إلى إعادة تشغيل مجمع الإسالة في دمياط في شهر فبراير 2021، الذي تبلغ طاقته الإنتاجية نحو 5 ملايين طن سنويًا، بعد أن كان متوقفا عن التشغيل لنحو 8 سنوات.
ويرى خبير البترول يحيى السيد عثمان، أن مصر ستحقق رقمًا قياسيًا في صادرات الغاز الطبيعي المسال بنهاية عام 2022، وبالتالي فإن الحكومة مطالبة بالإعلان عن فرص الاستثمارات الأجنبية في مجال تصدير الغاز لجذب الاستثمارات الروسية.
وتوقع «عثمان»، لجوء الجانب الروسي إلى فتح حوار مع الدول الحليفة بمنطقة الشرق الأوسط على رأسها مصر؛ لفتح الباب أمام الاستثمارات الروسية لتعويض توقف نشاطهم في الدول الأوربية، خاصة وأنه منتظر استمرار الحرب لفترة طويلة أو حتى في حالة توقفها فإن التداعيات سوف تستمر لوقت أطول.
على الجانب الآخر، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور محمود الشريف، إن مصر سوف تستفيد من الأزمة الروسية الأوكرانية، في مجال السياحة، وبالتالي فإن فتح الباب أمام رجال الأعمال الروس في مجال السياحة والاستثمار في مصر سوف يحدث خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن القاهرة سوف تكون أحد أهم الأماكن للسياح الروس بعد منعهم في دول أوربا، وتمثل السياحة الروسية والأوكرانية ما بين 60 و65% من حجم الأسواق الوافدة إلى مصر، في الفترة الأخيرة.
وأشار «الشريف» إلى أن قطاع السياحة يعد المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي حيث تُساهم السياحة بما يصل إلى 15% من الناتج الاقتصادي لمصر، مطالبًا الحكومة بفتح حوار مع نظيرتها بموسكو لفتح الباب أمام الاستثمارات الروسية في مجال السياحة وكذلك الطاقة، حيث يمكن لمصر أن تتحول إلى مركز إقليمي للطاقة عن طريق الاستفادة من التعاون مع الدول المنتجة الكبرى للغاز، مشددًا على أن قدرة مصر تؤهلها لاستقبال أية كميات من الغاز من أجل إعادة تصديره لأوروبا من جديد في شكل غاز مسال، ممن خلال تكثيف التعاون مع الدول الأوروبية وعلى رأسها اليونان وقبرص.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن الكثير من رجال الأعمال الروس الهاربين لديهم استثمارات كبرى في مجال الطاقة والصناعة والسلع، حيث يمكن للحكومة تحقيق استثمارات تقدر بنحو 10 مليارات دولار على الأقل خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن التقارير الدولية تؤكد ثقتهم في الاقتصاد المصري، بدليل ضخ المؤسسات الأجنبية أكثر من 1.5 مليار دولار في شهر يناير الماضي فقط في أذون الخزانة، بما يدل على ثقتهم الكبيرة في الجنيه والاقتصاد المصري.
وأكد الدكتور محمود الشريف، أن هناك عددًا من الآليات لا بد أن تتكامل معًا لجذب الاستثمارات الروسية لمصر، وهي متوفرة في السوق المحلية، منها استقرار التشريعات والقوانين وفي مقدمتها قانون الاستثمار، وكذا أسعار الفائدة المغرية.
وأضاف أن من عوامل جذب الاستثمارات الروسية أيضًا الاستقرار الأمني والسياسي وهو متوفر بمصر، ومن العوامل أيضًا التسهيلات التي تقدمها الدول للمستثمر الأجنبي هو دخول الحكومة طرف معه في المشروعات الكبرى سواء بالأرض أو الدعم اللوجستي، خاصة أن تكلفة الأرض كانت تقف عائقًا أمام مشروعات عديدة.
وأشار «الشريف» إلى أن العامل المهم الذي يعزز جذب الاستثمارات الروسية أيضًا، توفير البنية التحتية في مصر، حيث حققت البلاد نهضة كبيرة بمجال الطرق وذلك بعد إنشاء نحو 7 آلاف كيلو طرق.
في السياق ذاته يرى الدكتور إبراهيم صالح أستاذ التخطيط الدولي بمعهد التخطيط، أنه يجب تسويق المناطق الصناعية للمستثمرين الروس الهاربين وغيرهم لجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحويل الأزمة العالمية من الحرب الروسية الأوكرانية لفرصة تدفع الاقتصاد المصري للنمو.
وأضاف أنه على وزارة الصناعة بذل مزيد من الجهد في هذا الشأن، موضحًا أن التمثيل التجاري دوره ضعيف جدًا، لافتا إلى أنه لجذب الاستثمار الخارجي يجب أن يرى المستثمرين الأجانب مستثمري الداخل يعملون.
ودعا «صالح» التركيز أمام المستثمر الروس على القطاعات الإنتاجية وخصوصًا الصناعة، لافتًا إلى أن هناك مبادرات من البنك المركزي لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولكن هناك تعقيدات على المستوى التنفيذي، متابعًا: «هناك الكثير من الإجراءات المعقدة والشروط التعجيزية التي تدفع أصاحب مشروع للتراجع عن التعامل مع البنوك».
وأوضح أن السوق المصري يجب أن يفتح أمام الاستثمارات الروسية ورجال العمال هناك في ظل الحصار الاقتصادي من جانب الغرب وأمريكا على روسيا، فهذه فرصة أمام الحكومة لاستغلال ذلك، مستطردًا: «اعتقد أن مكالمة الرئيس السيسي وبوتين مؤخرًا تناولت هذا الملف الاقتصادي».
وأشار أستاذ التخطيط الدولي بمعهد التخطيط، إلى أن هناك دولا بدأت بالفعل في جذب رجال الأعمال الروس الهاربين للاستثمار على أرضيها، وخاصة دول شرق آسيا، ومصر تعتبر شريكا اقتصاديا كبيرا وسوقا واسعا للروس، وبالتالي يجب استغلال الأزمة لصالحنا.
وأكد الدكتور إبراهيم صالح، أن مصر تمتلك صناعات غذائية متطورة وهو ما يمكننا من زيادة تعاملاتنا مع روسيا، وجذب استثمارات في هذا المجال، معتبرًا الأزمة بين روسيا وأوكرانيا فرصة ذهبية لفتح آفاق جديدة للعلاقات التجارية والاقتصادية بين القاهرة وموسكو، خاصة في مجال التعاون الفني، لافتًا إلى أن مصر يمكنها الاستفادة من خبرات روسيا في العديد من المجالات مثل إحياء قطاع الغزل والنسيج وحل مشكلاته، كذلك تطوير قطاع السكك الحديدية، وأيضا التعاون لحل مشكلات نقص الطاقة سواء من خلال استيراد غاز طبيعي من روسيا أو تشجيع الشركات الروسية العملاقة على الاستثمار بقطاع البترول والغاز المصري.
وكشف الدكتور إبراهيم صالح، أن هناك سلسلة من العوامل التي ستؤدي إلى زيادة معدلات الاستثمارات الروسية المباشرة، من بينها تنفيذ الحكومة المصرية لبرنامج الإصلاح الهيكلي الذي سيؤثر في صالح بناء بيئة استثمارية أفضل، فضلًا عن استمرار تنفيذ المشروعات القومية التي توفر المرافق اللازمة للمستثمرين كمشروعات الطاقة النظيفة والكهرباء والغاز، بجانب البنية الأساسية مثل الطرق والموانئ والمطارات، وتكوين مجمعات زراعية وصناعية كبيرة.
وأنهى «صالح» حديثة، مؤكدًا على أهمية استقرار سعر الصرف وثباته بما لا يشكل أي مخاطر على المستثمر الأجنبي، كما أن قوانين الاستثمار تسمح للمستثمرين بتحويل النقد الأجنبي وأرباحهم في أي وقت، وغيرها من العوامل التي ستساعد على زيادة معدل نمو الاستثمار الأجنبي المباشر في عام، متابعًا: «كما لا بد أن نبحث عن القطاعات التي ستشهد استمرارا في أزمتها عالميا خاصةً في أسواق آسيا وأوروبا ونتجه لتصنيع منتجاتها محليًا».