رئيس التحرير
خالد مهران

تسونامي الأزمة الأوكرانية يضرب الشرق الأوسط.. ثورة جياع وربيع عربي جديد وانهيار نظام الغذاء العالمي..تفاصيل مرعبة

هل يشهد الشرق الأوسط
هل يشهد الشرق الأوسط ثورة جياع؟

تسونامي الأزمة الأوكرانية يضرب الشرق الأوسط.. ثورة جياع وربيع عربي جديد وانهيار نظام الغذاء العالمي..تفاصيل مرعبة 

أدى غزو روسيا لأوكرانيا إلى زيادة أسعار الخبز والأطعمة الأساسية الأخرى، لا سيما في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تعتمد بشكل كبير على الحبوب من أوكرانيا، وروسيان حيث وصف البعض ما يحدث بأنه تسونامي الأزمة الأوكرانية. 

في ظل هذه الأجواء المتوترة حذر الكثير من الخبراء والساسة في العالم من أزمة غذاء عالمية، وتفاقم المجاعة، وانهيار النظام الغذائي العالمي، وتجديد مظاهرات الخبز في الشرق الأوسط، وتجديد الاحتجاجات التي ربما تقود إلى ربيع عربي جديد. 

ماكرون

حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من أزمة غذائية عميقة مقبلة خلال 12-18 شهرًا القادمة، لا سيما في إفريقيا والشرق الأوسط بسبب الحرب في أوكرانيا.

كما حذر وزيرُ الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان من حدوث أزمة عالمية في ملف الأمن الغذائي وذلك في إطار تبعات الأزمة الأوكرانية.

وقال وزير الزراعة الفرنسي جوليان دينورماندي، إن هناك خطرا لحدوث "أزمة غذائية على نطاق عالمي"، بسبب تبعات العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.

أزمة الغذاء المتفاقمة.. ما المطلوب الآن من حكومات الشرق الأوسط؟

أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تفاقم أزمة الغذاء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتعمق الفقر، بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا، مشددة على أن الحكومات يجب عليها حماية الحق في الغذاء الكافي وميسور التكلفة للجميع.

وتحذر المنظمة من أن مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، معرضة للخطر بشكل خاص لأن نصف وارداتها تأتي من روسيا و30 في المائة من أوكرانيا.

وتحذر المنظمة أنه حتى البلدان التي لا تعتمد على أوكرانيا أو روسيا للواردات الزراعية، قد تشهد ارتفاعا في أسعار المواد الغذائية، بسبب زيادة أسعار الوقود التي تؤثر على تكاليف نقل الغذاء، وانخفاض إمدادات الأسمدة، وتقلص الإنتاجية والإمدادات الزراعية العالمية، على سبيل المثال.

وقالت سارة سعدون، باحثة أولى في هيومن رايتس ووتش، مختصة بالفقر وعدم المساواة: "فاقم غزو روسيا لأوكرانيا أزمة غذائية تسببت في خسارة 10 ملايين شخص في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قدرتهم على الحصول على ما يكفي من الطعام. على الحكومات فعل كل ما بوسعها لحماية حق الناس في الغذاء، مثل تقديم إعانات كافية أو التدخل للتحكم في الأسعار، أو توفير الحماية الاجتماعية المناسبة"

هل تتسبب حرب أوكرانيا في أزمة خبز تقود إلى "ربيع عربي" جديد؟

يرجح باحثون أنه، حسب كل بلد، فإن الخبز والحبوب تشكل ما يصل إلى نصف النظام الغذائي المحلي المتوسط هناك، مقارنة بما يصل إلى ربع متوسط النظام الغذائي للأوروبيين.

ويوضح البروفيسور مايكل تانتشوم، الزميل البارز بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية والمتخصص في الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط وإفريقيا، أن "في هذه البلدان، يعتبر الخبز الميسور التكلفة للجماهير العاملة عقدًا اجتماعيًا". وتدعم العديد من دول الشرق الأوسط الخبز للأسر ذات الدخل المنخفض.

في الماضي، كان ارتفاع أسعار الخبز محركا للتغيير السياسي في المنطقة. فمصر، على سبيل المثال، لديها تاريخ من "مظاهرات الخبز". ففي عام 1977، وبعد الإصلاحات الاقتصادية التي شهدت خفض الدعم الحكومي وارتفاع أسعار السلع الغذائية، كانت هناك مظاهرات عنيفة في جميع أنحاء البلاد أسفرت عن 70 حالة وفاة على الأقل.

وفي عام 2011، أثناء ثورات "الربيع العربي"، كان أحد الشعارات الشعبية في المظاهرات التي أطاحت بنظام الرئيس المصري محمد حسني مبارك: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية".

وقد وجد الباحثون الذين درسوا أسباب احتجاجات الربيع العربي في عام 2011، والتي غيرت المشهد السياسي في المنطقة، أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانعدام الأمن الغذائي، والذي يرجع إلى تغير المناخ غالبًا، قد لعب دورًا في تحريك الشارع إلى جانب شعور الشعوب بالإحباط من قادتهم المستبدين.

واستمرت الظاهرة: ففي عام 2019، أُطيح بالرئيس السوداني عمر البشير من السلطة بسبب الاحتجاجات التي بدأت عندما تضاعفت أسعار الخبز ثلاث مرات.

وكتب محللون في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن: "ما بين ارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع أسعار الغذاء، يمكن أن تؤدي أزمة أوكرانيا إلى تجدد الاحتجاجات وعدم الاستقرار في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

منظمة أممية: "المجاعة ستتفاقم" بسبب الحرب في أوكرانيا

حذر برنامج الأغذية العالمي، الوكالة التابعة للأمم المتحدة، من أزمة غذائية تلوح في الأفق في المناطق المتضررة من الحرب في أوكرانيا ومخاطر تفاقم المجاعة في جميع أنحاء العالم بسبب توقف إنتاج وتصدير منتجات مثل الحبوب.

أعلن مدير برنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيسلي، أنه في الوقت "الذي يواجه فيه العالم مستوى غير مسبوق من المجاعة، من المقلق جدا بشكل خاص أن نرى الجوع يظهر في (بلد) لطالما كان يعتبر مخزن أوروبا".

وأضاف بيسلي الذي توجه إلى الحدود بين بولندا وأوكرانيا حيث آلاف اللاجئين الأوكرانيين "قد يدفع الرصاص والقنابل في أوكرانيا أزمة الغذاء العالمية إلى مستويات لم يسبق لها مثيل".

وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن الحرب فى أوكرانيا سببت صدمة فى الأسواق الناشئة العالمية، والآن أصبح الكوكب يواجه أزمة أعمق، وهى نقص الغذاء.

وأشارت الصحيفة إلى أن حصة كبيرة من القمح العالمى والذرة والشعير محاصرة فى روسيا وأوكرانيا بسبب الحرب، فى حين أن كمية أكبر من الأسمدة العالمية عالقة فى روسيا وبيلاروسيا. والنتيجة هي ارتفاع أسعار الغذاء العالمى والأسمدة. 

الأزمة الأوكرانية تهديد جديد للأمن الغذائي العالمي

ووفق صحف عربية، إن الأزمة الأوكرانية الآن أصبحت تهديد قوي للأمن الغذائي العالمي، وذلك بعد تراجع تصدير الحبوب والطاقة بسبب تلك الحرب الدائرة بين روسيا والغرب والتي أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية فضلا عن زيادة أسعار الغذاء إلى مستويات لا يمكن تحملها.

وقال الكاتب عبد الوهاب بدرخان، في مقاله بصحيفة "الاتحاد"، إن الحروب ليست فقط نزالًا عسكريًا وفرصًا لتجريب الأسلحة المتطوّرة، ولا هي نتيجةٌ لفشل الديبلوماسية فحسب، بل هي خصوصًا ثمرة قرارات تبطن تجاهلًا مسبقًا وواعيًا للأزمات الإنسانية التي ستنتج عنها بالضرورة.

واوضح بدرخان، أن جائحة كورونا أدخلت العالَمَ في محنة قاسية لمّا يبرأ منها بعد، فآثارها ما تزال باديةً في الاقتصادات وسلاسل الإمدادات وقطاعات الصحّة والتعليم، بينما تستمر المتحوّرات واختلالات توزيع اللقاحات في نشر الخوف وإزهاق الأرواح، أي أنها كانت كافية لردع أي تخطيط لأي عمل حربي، ناهيك عن التفكير فيه.

وأشار بدرخان إلى أن أفراد وعائلات ومجتمعات وبلدان بدأت تستشعر الانعكاسات سريعًا على مداخيلها وطريقة عيشها. ومرّة أخرى تتبدّى العولمةُ بكل وجوهها، بحبوحةً وازدهارًا، تراجعًا وتعثّرًا، تغييرًا مناخيًا.

وقال "من أواسط آسيا إلى الشرق الأوسط إلى إفريقيا، ثمّة اليوم هاجس اسمه: الأمن الغذائي. الأمين العام للأمم المتحدة لم يتردّد في التحذير من «إعصار من المجاعات، وإذا طالت الحرب ستفتقد الأسواق هذه السنة أكثر من ربع إمدادات القمح والحبوب والزيوت ومواد حياتية أخرى كانت تأتي من روسيا وأوكرانيا، وإذا توقفت قريبًا، كما يؤمَّل، فإن انتظام عمليات الإنتاج والتصدير لن يعود سريعًا إلى ما كان عليه، بسبب استحقاقات مرحلة الخروج من الحرب. هناك مصادر أخرى لتعويض ما ينقص في الأسواق لكن الأسعار تتقافز صعودًا، وترتفع معها كلفة الطاقة.

وختم مقاله قائلًا "ظلّ تدفق اللاجئين الأوكرانيين على دول أوروبا والضغوط المالية التي يشكّلها، كان متوقّعًا أن تنعكس هذه الأزمة على سعي الأمم المتحدة إلى جمع 4.3 مليار دولار طلبتها لمواجهة الصعوبات الإنسانية في اليمن، إذ بلغت التعهدات 1.3 مليار فقط. وتبدو المرحلة المقبلة أكثر صعوبةً في ظل أزمة الغذاء العالمية. وعدا عن اليمن، هناك حالات اجتماعية قاسية أيضًا في سوريا ولبنان والسودان وفلسطين".

حرب التجويع العالمية الراهنة تتجاوز الدول المعنية بالحرب العسكرية

وتحدث الكاتب حسام ميرو، في صحيفة الخليج، عن الأزمة العالمية الاقتصادية التي يشهدها العالم، وقال إن أسعار الطاقة ومشتقاتها قفزت بشكل جنوني. قبل عام تقريبًا، كان العالم يغصّ بفوائض النفط، وكان البحث جاريًا عن مستودعات محتملة لكميات بعشرات الملايين من الأطنان من الفوائض النفطية، فقد أبطأت جائحة «كورونا» حركة الاقتصاد والتجارة العالميتين، أما الآن، فقسم كبير من بلدان العالم، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، تعاني مشكلات كبيرة في تأمين احتياجاتها من النفط والغاز، خصوصًا أن العقوبات التي طالت روسيا، وشملت نواحي متعددة، من بينها نظام التعاملات المالية «سويفت»، كان لها تأثير فوري في ارتفاع أسعار الطاقة، وحدوث نقص في المعروض، ما يهدّد بقوة مختلف الصناعات، وحركة النقل، والتدفئة، وكلّ ما يرتبط بالطاقة من أنشطة.

وأكد ميرو أن العالم مرعوب، لا يراقب عدد الضحايا الذين يسقطون في المعارك فقط، أو الفارين من أتونها، لكنه يراقب أيضًا، وربما بشكل أكثر حدّة، الآثار التي ستطال الأمن الغذائي العالمي، فروسيا هي المصدّر العالمي الأول للقمح، بنسبة تصل إلى أكثر من 18% من القمح الذي تستورده دول العالم مجتمعة، وقد أقرّت حكومتها وقف تصدير القمح والحبوب إلى نهاية يونيو/ حزيران المقبل، وتأتي أوكرانيا في المرتبة الخامسة عالميًا في تصدير القمح، وقد أوقفت أيضًا تصدير منتجاتها الزراعية، ومن المتوقع فعليًا أن تعاني دول كثيرة نقصًا في واردات القمح في المقام الأول، وزيادة كبيرة في أسعار المعروض، ما يعني فعليًا ضربة قوية لغذاء الفقراء الأول «الخبز»، ويجعل من المتوقع، كما تقول قراءات عدة، أن يشهد العالم انتفاضات جديدة، تقوم بها الشعوب الجائعة.

 

مظاهرات الخبز 

وأشار إلى أن مؤشرات التضخم العالمي (زيادة أسعار السلع) بدأت قبل أشهر بالارتفاع، كنتيجة متوقّعة للمشكلات الاقتصادية التي خلّفها وباء «كورونا»، فقد تضرّرت بسببه مجمل القطاعات الاقتصادية، لكن بعض القطاعات كانت تأثّرت فيه بشكل شبه كلي، مثل قطاع السياحة، وهو قطاع يعدّ أساسيًا في بعض البلدان، ويشكّل عصب الاقتصاد فيها، كما تأثّر به قطاع الزراعة في غير مكان، كما في بعض بلدان أوروبا، خصوصًا ألمانيا، حيث شهدت عجزًا كبيرًا في الأيدي العاملة في هذا القطاع، لكن القدرة على الحدّ من أزمات مستوى التضخم متفاوتة بين الدول، حيث تلعب الفوائض المالية دورًا مهمًا في هذا الجانب، إضافة إلى الحوكمة، والخبرات المتراكمة في التعامل مع الأزمات.

كما أكد أن حرب التجويع العالمية الراهنة تتجاوز الدول المعنية بالحرب العسكرية، فهي موجهة نحو الدول والشرائح والأفراد الأكثر فقرًا، ومؤخرًا، دعا أنطونيو جوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، إلى «تجنّب إعصار الجوع وانهيار نظام الغذاء العالمي»، وقد استند جوتيريس إلى مؤشر «الفاو» لأسعار الغذاء العالمية، الذي وصل إلى أعلى مستوى له، حيث تجاوزت أسعار الحبوب مستوياتها في عامي 2007 و2008.