بعد المطالبة بإلغاءها.. هل مجانية التعليم عائق في سبيل تطويره؟
"مجانية التعليم تُحد قدرتنا على الحركة، ولو استمرينا بيها نبقي بنضحك على بعض"، كلمات أحد أبرز تصريحات وزير التربية والتعليم، الدكتور طارق شوقي، التي يتهم فيها مجانية التعليم بأنها العائق في طريق تطور منظومة التعليم، لم يكن ذلك التصريح الذي أعلنه «شوقي» نوفمبر 2018 داخل البرلمان، الأول، الأمر الذي يشير إلى أن الدولة «تتأفف» من مجانية التعليم وتسعى إلى إلغاءها، حسب وصف الكثيرون.
عودة من جديد
ولذلك لم تكن تصريحات الممثلة عبير صبري، التي طالبت فيها بإلغاء مجانية التعليم أو الحد منها صادمة في حد ذاتها لأولياء الأمور والمختصين والتربويين، ورأى البعض أنها «تهرف بما لا تعرف»، لا سيما وأن مسألة مجانية التعليم، ليست بالصورة التي تبدو عليها وهناك معايير أخرى متعلقة بها.
عودة الحديث حول إلغاء مجانية التعليم باعتبارها العائق الأكبر في سبيل تطوير التعليم في مصر، أثار العديد من التساؤلات حول ما إذا كان هناك علاقة بين تطور أو تأخر التعليم بمجانية التعليم؟ وهل مجانية التعليم المنصوص عليها في الدستور مطبقة على أرض الواقع أم إنها مجرد شعار؟
شوقي والغاء مجانية التعليم
لم يفوت وزير التعليم فرصة إلا وتحدث فيها عن ضرورة النظر إلى مجانية التعليم، والتي لم تعد مناسبة للوقت الراهن، واعترض على مجانية التعليم، في 10 نوفمبر 2018 خلال اجتماع دعم المشروعات الصغيرة بالبرلمان بشأن دعم التعليم الفني، قائلًا: "مجانية التعليم تحدد قدرتنا على الحركة، اللى كتب الكلام دا عام 1952 مكنش يعرف أن مصر هيبقى فيها هذا العدد من السكان، إزاي عندنا إصرار نِّعلم الخايب والشاطر زى بعض.. مجانية التعليم مينفعش تتساب دون نقاش، لازم تناقشوه، لو فضلنا عايشين بدا نبقى بنضحك على نفسنا، هنفضل عايشين كدا لإمتى، ثم مفيش مجانية، اللى بيدفع الفاتورة الدولة والأهالي، الفاتورة اللى بندفعها مع بعض ٢٠٠ مليار جنيه، ومش بتروح فى المكان الصح".
وقبل عام من إطلاق تلك التصريحات، تحديدًا في نوفمبر 2017، عام توليه وزارة التربية والتعليم، تحدث الوزير عن ضرورة إلغاء مجانية التعليم، ولكن على استحياء، ويبدو إنها كانت الخطوة الأولى في ترسيخ منهجية الوزارة نحو تصوير مجانية التعليم بأنها «الغول» الذي يخيف المسؤولين عن تطوير التعليم، ويجعلهم عاجزين عن إتمام مهمة التطوير والنهوض بالتعليم، وقال «شوقي» آنذاك: "أنا لست ضد مجانية التعليم؛ لأنني لأنه تعلم بهذه المجانية، ولكن علينا مراجعة كلمة المجانية بما يتفق مع موارد الدولة، والأسر المصرية قرابة الـ30 مليار جنيه على الدروس الخصوصية، في حين أن الدولة تؤكد على المجانية، رغم عدم وجودها على أرض الواقع.. وما فيش حاجة ببلاش والدولة عليها التزامات كبيرة ومش هنقدر نرفع من ميزانية التعليم".
المجانية بمرمى الاتهامات
إذًا حديث الوزير الدائم عن مجانية التعليم كعائق للتطوير المنظومة التعليمية، مرتبط ارتباط شديد عجز الموازنة والتضخم وتفاقم الدين العام.
وللوقوف على مدى صحة أن تكون مجانية التعليم عائق في تطويره في ظل عجز الموازنة وتفاقم الدين العام، لا بد من الحديث حول علاقة المجانية بتطور أو تأخر التعليم، لمعرفة ما إذا كانت الصورة التي تحاول الوزارة تصديرها بشأنها كعائق للتطوير أم أن الأمر متعلق بأمور أخرى، والمجانية لا ناقة لها فيها ولا جمل.
حق يكفله الدستور
ولكن قبل الخوض في ذلك لا بد من الإشارة إلى أن جميع الدساتير المصرية السابقة والدستور الحالي، كفلت مجانية التعليم كحق أصيل لكل المصريين، بدءًا من دستور 1923، والتي نصت المادة رقم 17 منه على أن "التعليم حر ما لم يخل بالنظام العام أو يناف الآداب".
كما نصت المادة رقم 19 من الدستور ذاته، على أن "التعليم الأولي إلزامي للمصريين من بنين وبنات، وهو مجاني في المكاتب العامة".
تصريحات الوزير جميعها تكشف عن خططه التي تستهدف "تغيير عقلية المصريين فيما يخص مجانية التعليم، فالنظرة إلى التعليم المجاني كحق مكتسب آن لها أن تنتهي"، بل يطالب الدولة بتفسير المجانية التي كفلتها الدساتير المصرية.
نماذج وإحصائيات دولية
ولدحض صحة الربط بين المجانية وتأخر التعليم، لا بد من التطرق إلى خطط الدول التي استطاعت تصدر مراكز متقدمة في التقييمات العالمية للتعليم المتطور، وذلك في ظل وجود مجانية التعليم، فعلى سبيل المثال دولة سنغافورة استطاعت الوصول بالتعليم إلى مراكز دولية متقدمة، دون إلغاء المجانية، ورغم ذلك تجد الوزير يتحدث عنها كنموذج ناجح للنهوض بالتعليم، وغض الطرف عن عدم إلغاء مجانية التعليم لديهم، قائلًا: "هم بارعون في إعداد المعلم، ورؤية وزارة التعليم في شكل دائرة؛ تُشكل 50% منها بناء الشخصية وقيم المواطنة والأخلاق، و30% منها موسيقى ورياضة وفنون، و20% للتحصيل، فهو يبني مواطنًا، وشخصية، ولديهم دروس عن الأخلاق تحكي قصصًا خاصة تناسب عمر الطلاب؛فالقصة ليست في المناهج فقط".
جميع الإحصائيات الدولية التي تقيم التعليم في مصر، تؤكد أن سبب تدني مستوى التعليم، مرتبط في المقام الأول لتدني مستوى الانفاق على التعليم، لذا فمجانية التعليم بريئة -براءة الذئب من دم ابن يعقوب- من تدهور حال التعليم، وعليه فإن تدني الإنفاق على التعليم في مصر، جعلها تخرج من تصنيف مؤشر جودة التعليم عام 2014، بعدما احتلت المركز 141 من إجمالي 140 دولة، وجاءت في المركز قبل الأخير عام 2015، والمركز 135 عام 2016، وتقدمت عام 2017 بعدما احتلت المركز 100 من بين 137 دولة.
كفالة الدساتير المصرية لحق مجانية التعليم، وتوقيع مصر على اتفاقية التنمية المستدامة، التي تنص على مجانية التعليم، لم يمنع الوزارة من السير بخطوات مدروسة نحو هدف إلغاء المجانية، بدعوى أنها عائق في سبيل تطوير التعليم، وجعلها «شماعة»، تعلق عليها فشلها في النهوض بالتعليم.
مجانية تعليم صورية
مجانية التعليم تُقاس بتطوره، ومدى اتباعه معايير دولية أم لا، وهل يُقدم التعليم خدمات تعليمية جيدة يستفيد منها الطالب من عدمه، لتخريج طلاب قادرين على خدمة مجتمعهم أم لا، وفي المقابل، وفقًا لتلك المعايير يمكن الحكم على وجود مجانية للتعليم في مصر من عدمها، حسب أستاذ التربية بجامعة عين شمس، الدكتور محمد عبدالعزيز.
ويرى أن مجانية التعليم ليست عائق على الإطلاق في سبيل تطويره، وإن كان هناك إصرار على ذلك لا بد من تقديم خدمات تعليمية حقيقية وبجودة عالية تعود على الطلاب بالنفع أولًا، وحينها يمكن احتساب قيمة المبالغ التي تصرفها الدولة على الطالب؛ ومقارنتها بالخدمة المقدمة، حينها تقوم الدولة بتحديد موقفها من التكفل بمصاريف الدراسة للطلاب بشكل كامل، أي مجانية التعليم، وما إذا كانت لديها القدرة المالية لتحمل كافة التكاليف، أم أنه سيتم تحميل ولي الأمر جزء من تكاليف تعليم الطالب.
والأهم من مجانية التعليم والمطالبة بإلغاءها، الحصيلة التعليمية التي يحصدها الطالب، والاستفادة من الدراسة، من وجهة نظر أستاذ التربية، محمد عبدالعزيز.
واختتم «عبدالعزيز»، حديثه مع «النبأ الوطني»، بالتأكيد على أن مصرليس لديها تعليم من الأساس للحكم على وجود المجانية على أرض الواقع من عدمها أم لا، لا سيما بعد خروج مصر من الترتيب العالمي للتعليم الجيد، مُشيرًا إلى أن الأمر كله يتدخل به اتفاقيات دولية، وشروط ومعايير البنك الدولي، إجراءات الحكومة نحو إلغاء مجانية التعليم، ترجع إلى التزامها بشروط البنك الدولي.