الغاز مقابل الروبل..هل ينجح بوتين في تركيع «الدول غير الصديقة» وضرب هيبة الدولار؟
قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، باستخدام الروبل الروسي بدلا من الدولار الأمريكي في المدفوعات الخاصة بشراء الغاز الروسي للدول «غير الصديقة»، اثار جدلا واسعا.
وأمهل بوتين، الحكومة حتى 31 مارس لتحويل الدفع مقابل الغاز الروسي إلى الروبل الروسي بالنسبة للدول غير الصديقة.
وأصدر بوتين تعليمات للبنك المركزي ومجلس الوزراء "لتحديد إجراءات المعاملات مع أوروبا بالروبل الروسي في غضون أسبوع".
وشدد على أنه "لا معنى لتوريد السلع الروسية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتلقي المدفوعات باليورو والدولار"، مؤكدا أن موسكو اتخذت قرارها بالامتناع عن استخدام "عملات الدول غير الصديقة" في نقل الغاز.
وأكد الرئيس الروسي أن بلاده ستواصل توفير إمدادات الغاز حسب العقود المبرمة، على الرغم من اتخاذ عدد من الدول "قرارات غير قانونية" بتجميد أصول روسيا.
وحذرت وزارة الخارجية، من حالات إفلاس عالمية إذا رفضت الدول دفع ثمن صادرات الغاز الروسية بالروبل.
وقالت الوزارة أيضا إن خروج روسيا من منظمة التجارة العالمية سيكون له تداعيات سلبية.
وذكر الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر شركة جازبروم بقبول الدفع بالروبل مقابل صادراتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا.
وارتفع سعر صرف الروبل مقابل الدولار ليصل إلى 96.75 روبل مقابل الدولار الواحد بعد أن وصل لمستويات قياسية بالهبوط منذ بدء العمليات العسكرية الروسية بأوكرانيا وإعلان دول الغرب بمقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية عن فرض عقوبات اقتصادية صارمة على موسكو.
وأشارت شبكة «روسيا اليوم» الإخبارية، إلى أن هبوط سعر الدولار مقابل الروبل جاء بعد أن أوعز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للحكومة الروسية، بتحويل مدفوعات صادرات الغاز الطبيعي من روسيا نحو أوروبا إلى الروبل بدلا من اليورو، وذلك في غضون أسبوع.
ردود أفعال الدول الأوربية
ردت دول أوروبية برفض قرار الرئيس الروسي، من بينها ألمانيا وإيطاليا والنمسا، واعتبرت هذا التصرف خرقا للعقود الموقعة بين الأطراف المعنية.
وقال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، إنه سيناقش مع نظرائه الأوروبيين الرد اللازم على الإعلان الروسي بشأن مدفوعات مشتريات الغاز الطبيعي.
أما رئيس الوزراء الهولندي مارك روته فقال، إن الأمر بحاجة إلى وقت كي يتضح مطلب روسيا وعلاقته بالعقوبات المفروضة عليها. وأضاف في كلمة له أمام البرلمان الهولندي "يعود الأمر إلى أطراف السوق الذين يشترون الغاز الطبيعي الروسي وكيف سيتعاملون مع الأمر... ففي العقود التي أبرموها، عادة ما يتم تحديد عملة الدفع، وهو ما لا يمكن تغييره بهذه الطريقة".
وصرح مسؤول فرنسي بأن الرئيس "إيمانويل ماكرون" أبلغ نظيره الروسي "فلاديمير بوتين" بعدم إمكانية استخدام الشركات الغربية للروبل لمدفوعات الغاز الروسي.
وبحسب ما ذكرته وكالة "رويترز"، أكد المسؤول الرئاسي الفرنسي للصحفيين أن باريس تعارض بشدة طلب روسيا بشأن الدفع بالروبل، وذلك بعد أن طالبت موسكو بتبديل مدفوعات عقود الغاز إلى الروبل، ما أثار المخاوف حول نقص إمدادات الطاقة العالمية.
وصرح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء الإيطالي فرانشيسكو جافازي: "برأيي، يجب الدفع باليورو، لأن الدفع بالروبل يعني التحايل على العقوبات، لذلك أعتقد أننا سنواصل الدفع باليورو". وفي الوقت ذاته، أكد أن الحكومة الإيطالية لم تتخذ أي قرار حتى الآن.
خبراء يحللون قرار الرئيس الروسي.. الأسباب والتداعيات
يرى خبير الطاقة، نيكولا مازوتشي، من مؤسسة البحوث الاستراتيجية الفرنسية، أن قرار فلاديمير بوتين، بمنع "دول غير صديقة" من دفع ثمن الغاز الروسي بالدولار أو اليورو، قد يساعد في "وقف دورة" سوق مشتقات النفط، لكن تنفيذه ما زال غير مؤكد.
وأكد مازوتشي،: "إنها العقوبات الروسية المضادة التي كنا ننتظرها نوعا ما، إذ يجب التذكير بأنه في العام 2014، فُرضت مجموعة من العقوبات على روسيا، التي فرضت بدورها عقوبات مضادة خصوصا في ما يتعلق بمسائل واردات المنتجات الزراعية المصنعة الأوروبية، لذلك فإن روسيا تنفذ في مكان ما عقوباتها المضادة وتضرب في المكان الذي يوجع".
ويرى مازوتشي: "إذا نفذ القرار، سيكون له تأثيران: سترتفع قيمة الروبل بشكل مصطنع لأنه سيخلق طلبا على الروبل الذي تأثر بحرب أوكرانيا".
وتابع: "أما التأثير الثاني المهم (بالنسبة إلى روسيا)، فهو أنه منذ اللحظة التي "تتوقف دولرة سوق النفط"، فإن ذلك سيتيح بشكل أو بآخر تفادي كل أو جزء من العقوبات الأمريكية التي يمكن أن تتمحور حول استخدام الدولار، لأن قسما كبيرا من صلاحية القانون الأمريكي خارج أراضي الولايات المتحدة يقوم على الدولار.. ومن خلال "وقف الدولرة"، هناك محاولة لإزالة القدرة الأمريكية على ممارسة ضغوط".
وأضاف: وهذا كان الحال مع إيران، التي كانت تتمثل قدرة الولايات المتحدة على عقابها في منع إيران من التجارة، بمبدأ "نحن نمنعكم من المتاجرة باستخدام الدولار".
وأكد، أن موسكو تأمل في الالتفاف على عقوبات معينة من خلال صنع مبدأ "الآن لم تعد الأمور تتم في عالم النفط والغاز بالدولار ولا باليورو" كما هي الحال راهنا.
في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، يرى كبير الاقتصاديين في "بانثيون إيكونوميكس" كلاوس فيستسن أن القرار الروسي يعني أنه كلما اشترى بلد غربي برميل نفط روسي عليه أن "يدعم العملة الوطنية الروسية".
ويضيف "إذا ما كانت الفاتورة التي ستصلك هي بالروبل، عليك أن تشتري روبل لتدفعها... لا أدري إن كانت هناك طريقة أخرى لتفادي ذلك".
ويقول ليون إزبيكي من شركة الاستشارات "إنرجي اسبيكتس"، في مقابلة مع "رويترز"، "من غير الواضح إلى أي مدى سيكون من السهل على الزبائن الأوروبيين تحويل مدفوعاتهم إلى الروبل، خصوصًا مع الأخذ في الاعتبار حجم مشترياتهم... مع العلم أنه لا توجد هناك عقوبات تحول دون دفع ثمن الغاز الطبيعي الروسي بالروبل".
وأضاف أنه يمكن للبنك المركزي الروسي أن يوفر سيولة إضافية لأسواق العملات تمكن الشركات والبنوك الأوروبية من شراء ما يلزمها من الروبل من السوق.
وحسب خبراء قانونيين، لن تستطيع روسيا بشكل أحادي الجانب تغيير الاتفاقات المبرمة بهذا الخصوص.
ووفقًا لما نقلته دوائر إعلامية أوروبية عن كبير خبراء «معهد السياسات العامة والحكومية» في جامعة سيدني، تيم هوركورت، تنص الاتفاقيات المبرمة بين الجانبين الروسي والأوروبي على أن تكون عملة تسديد عوائد الغاز الروسي باليورو أو الدولار الأمريكي، وإذا حاول أحد الأطراف بشكل أحادي الجانب تغيير هوية العملة المنصوص في الاتفاق، فيعد ذلك خرقًا وينسف الاتفاق من أساسه.
ووفقًا لادعاء سوزان سكيمر، أستاذ القانون في جامعة يوستون بالولايات المتحدة، ومستشار صفقات الغاز الطبيعي، فلا تتضح مدى جدية إعلان الرئيس الروسي في هذا الصدد؛ وعلى حد قولها، ربما يقتصر قرار بوتين على الرغبة في رفع قيمة «الروبل» أمام الدولار، أو رفع أسعار الغاز على أوروبا؛ إلا أن الوصول إلى هذا الهدف يتطلب وقتًا طويلًا، إذ يحافظ الرئيس الروسي حاليًا على ارتفاع أسعار الغاز، وهو الأمر الذي يخدم مصالحه إلى حد كبير.
وتحت عنوان تأثيرات الخطوة الروسية المزمعة على المدى البعيد، تقول صحيفة «نيويورك تايمز» إن دولًا مثل روسيا والصين وإيران وغيرها نجحت في المساس بهيبة الدولار في السوق الدولية، وبالقرارات التي تفرض من خلالها الإدارة الأمريكية العقوبات؛ لكن قرار بوتين المزمع اتخاذه ينطوي على آثار سلبية بعيدة المدى على روسيا؛ وحسب ليام بيتش أحد خبراء شركة البحوث البريطانية «كابيتول إيكونوميكس»، قد تواجه موسكو عبر هذه الخطوة صعوبة في سداد الديون الدولية المستحقة عليها، بالإضافة إلى تقليص حجم الصادرات الروسية، وهو ما يؤثر سلبًا على الاقتصاد الروسي على المدى البعيد.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإنه إذا نجحت هذه الخطوة بالفعل، فقد تؤدي إلى انخفاض القيمة العالمية للدولار، حيث ستعتمد حركة التجارة على «الروبل» أو الـ«يوان» الصيني أو عملات أخرى. وهذا بالطبع ينطوي على تأثير كبير على سوق الولايات المتحدة والقروض.
خبراء اقتصاديون اعتبروا أن هذه الخطوة تهدف على ما يبدو إلى محاولة دعم الروبل الذي انهار مقابل العملات الأخرى منذ 24 شباط، نتيجة فرض الدول الغربية عقوبات بعيدة المدى على موسكو. لكن بعض المحللين أبدوا شكوكهم في نجاحها.
ووفقا لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أوضح إسوار براساد، أستاذ السياسة التجارية في جامعة كورنيل: "إن المطالبة بالدفع بالروبل هو أسلوب غريب وربما غير فعال في نهاية المطاف لمحاولة الالتفاف حول العقوبات المالية الغربية، ومن المؤكد أن الحصول على الروبل أسهل الآن بعد أن بدأت العملة في الانهيار. لكن استبدال العملات الأخرى بالروبل سيكون صعبًا للغاية نظرًا للعقوبات المالية واسعة النطاق المفروضة على روسيا.
وتابع براساد: "الأمل في أن تؤدي المطالبة بالدفع بالروبل إلى زيادة الطلب على العملة وبالتالي دعم قيمتها.. هو أيضًا أمل كاذب نظرًا لجميع الضغوط الهبوطية على العملة".
فيما أوضح نيل شيرينج، كبير الاقتصاديين بمجموعة كابيتال إيكونوميكس: "إنها ليست خطوة واضحة بالنسبة لي، لأن الاقتصاد الروسي يحتاج إلى إمدادات من العملات الأجنبية من أجل سداد قيمة الواردات - والطاقة هي أحد المصادر القليلة المتبقية".
وأوضح الخبير المصرفي المصري الدكتور أحمد شوقي، ان اعتزام الدولة الروسية بيع النفط الروسي بالروبل يهدد عرش الدولار، مشيرا إلى أن بيع الغاز بالروبل سيضغط على الدولار ويخفض سعره أمام العملات المختلفة.
وأوضح شوقي أن روسيا تمتلك رقما ضخما من احتياطيات النفط في العالم، حيث تصل احتياطيات النفط في روسيا مدة تكفي لمدة 30 عاما على الأقل، أما احتياطيات الغاز فتكفي لمدة 50 عاما.
وأشار إلى أن الاحتياطيات تكفي لهذه الفترة من الزمن في ظل الظروف الحالية ومستويات الإنتاج في روسيا، وأضاف أن روسيا تمتلك احتياطيات ضخمة من النفط والغاز.
وقال رئيس لجنة مجلس الاتحاد لحماية سيادة الدولة في روسيا، أندريه كليموف، إن قرار روسيا بيع الغاز لدول غير صديقة بالروبل الروسي سيعزز العملة الوطنية (الروبل) ويوسع استخدامها.
وأضاف النائب الروسي: «إذا لم يرغب أحد ما بشراء الغاز بالروبل فلديه فرصة للحصول عليه من أماكن أخرى وبأسعار أخرى».
وقال الدكتور على الإدريسي، الخبير الاقتصادي، إن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سينعكس بالإيجاب على الروبل الروسي، مقابل العملات الأجنبية الأخرى، وهذا نوع من أنواع العقوبات المشتركة، والحرب العالمية الاقتصادية، مؤكدا أن روسيا سوف تستفيد بشكل كبير من اعتماد الدول الأوروبية عليها كمصدر للغاز والنفط، كما أنها تسيطر على قدر ليس بالقليل من إنتاج العالم من البترول والغاز، فهي ثاني أكبر منتج للبترول عالميا بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وتساهم بـ 18% من إنتاجه و12% من الغاز الطبيعي.